التفاسير

< >
عرض

فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٥٠
-الروم

روح البيان في تفسير القرآن

{ فانظر الى آثار رحمة الله } الخطاب وان توجه نحو النبى عليه السلام فالمراد به جميع المكلفين والمراد برحمة الله المطر لانه انزله برحمته على خلقه. والمعنى فانظروا الى آثار المطر من النبات والاشجار وانواع الثمار والازهار والفاء للدلالة على سرعة ترتب هذه الاشياء على تنزيل المطر { كيف يحيى } اى الله تعالى { الارض } بالآثار { بعد موتها } اى يبسها.
قال فى الارشاد كيف الخ فى حيز النصب بنزع الخافض وكيف معلق لانظراى فانظروا الى الاحياء البديع للارض بعد موتها والمراد بالنظر التنبيه على عظيم قدرته وسعة رحمته مع ما فيه من تمهيد امر البعث { ان ذلك } العظيم الشأن الذى قدر على احياء الارض بعد موتها { لمحيى الموتى } لقادر على احيائهم فى الآخرة فانه احداث لمثل ما كان من مواد ابدانهم من القوى الحيوانية كما ان احياء الارض احياء لمثل ما كان فيها من القوى النباتية { وهو على كل شى قدير } اى مبالغ فى القدرة على جميع الاشياء التى من جملتها احياء قالب الانسان بعد موته فى الحشر ومن احياء قلبه بعد موته فى الدنيا لان نسبة قدرته الى جميع الممكنات على سواء رجع كل شئ الى قدرته فلم يعظم عليه شئ فقدره الله الكاملة بخلاف قدرة العبد فانها مستفادة من قدرة الله تعالى

تعالى الله زهى قيوم ودانا توانايى ده هر ناتوانا

وسيجئ ان الانسان خلق من ضعف فالله تعالى اقدره وقواه.
اعلم ان الله سبحانه زين الارض بآثار قدرته وانوار فعله وحكمته فانبت الخضرة واضاء الزهر وتجلى فى صورها لا عين العارفين الذين شاهدوا الله تعالى بنعت الحسن ولذا قال الشيخ المغربى

مغربى زان ميكند بكلشن كاندر او هرجه را رنكى وبويى هست رنك وبوى اوست

وسأل بنوا اسرائيل موسى عليه السلام هل يصبغ ربك قال نعم يصبغ الوان الثمار والرياحين الاحمر والاصفر والابيض والصباغ يقدر بان يسود الابيض ولا يقدر بان يبيض الاسود والله تعالى يبيض الشعر الاسود والقلب الاسود ومن احسن من الله صبغة.
خرج ابو حفص قدس سره الى البستان ائتمارا بقوله تعالى { فانظر الى آثار رحمة الله } فاضافه مجوسى فى بستان له فلما علم ان قلوب اصحابه نظرت الى بستان المجوسى قال اقرأوا
{ { كم تركوا من جنات وعيون } الآية ولما اراد ان يخرج ابو حفص اسلم المجوسى وثمانية عشر من اولاده واقربائه فقال ابو حفص اذا خرجتم لاجل التفرج فاخرجوا هكذا اشار قدس سره الى ان هذا الخروج ليس مع النفس والهوى والا لم يكن له اثر محمود.
ثم انه يلزم للإنسان ان ينظر بعين ظاهره الى زهرة الدنيا وبعين قلبه الى فنائها ويعتبر ايام الربيع بانواع الاعتبار وفى الحديث
"اذا رأيتم الربيع فاذكروا النشور" اى فان خروج الموتى من القبور كخروج النبات من الارض فيلزم ان يذكره عند رؤية الربيع ويذكر شمس القيامة عند اشتداد الحر وفى الحديث "اذا كان اليوم حارا فاذا قال الرجل لا اله الا الله ما اشد حر هذا اليوم اللهم اجرنى من حرجهنم قال الله تعالى لجهنم ان عبدا من عبيدى استجاربى من حرك وانا اشهدك انى قد اجرته واذا كان اليوم شديد البرد فاذا قال العبد لا اله الا الله ما اشد برد هذا اليوم اللهم اجرنى من زمهرير جهنم قال الله تعالى ان عبدا من عبيدى استجاربى من زمهريرك وانى اشهدك انى قد اجرته قالوا وما زمهرير جهنم قال بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة برده" اى يتفرق ويتفسخ. وينبغي ان يذكر بكاء العصاة على الصراط عند رؤية نزول المطر من السماء.
قالت رابعة القيسية ما سمعت الاذان الا ذكرت منادى يوم القيامة وما رأيت الثلوج الا ذكرت تطاير الكتب وما رأيت الجراد الا ذكرت الحشر. وان يذكر حمرة وجوه المشتاقين عند رؤية الريحان الاحمر. وبياض وجه المؤمنين عند رؤية الابيض. وصفرة وجوه العصاة عند رؤية الاصفر. وغبرة وجوه الشبان والنسوان الحسان فى القبر بعد سبعة ايام عند رؤية الريحان الا كهب وهو ماله لون غبرة.
وفى كشف الاسرار [كل زرد طبيبى است براى شفاى عالم واو وخود بيمار. كل سرخ كويى مست است ازديدار اوهمه هشيار كشته واودر خمار. كل سييد كويى ستم رسيده ايست ازدست روزكار جوانى بباد داده وعمر رسيده بكنار دروقت اعتدال سال دو آفتاب برآيد آزمطلع غيب يكى خورشيد جمال فلكى ويكى خورشيد جمال ملكى آن يكى بركل تابد كل شكفته كردد اين يكى بردل تابددل افروخته كردد جون كل شكفته شد بلبل برو عاشق شود دل كه افروخته شد نظر خالق درو حاضر بود. كل باخر بريزد بلبل درهجراو ماتم كيرد. دل كربماند حق تعالى اورا در كنف الطاف وكرم كيرد: قلب المؤمن لا يموت ابدا]

جشمى كه تراديد شد از درد معاف جانى كه ترا يافت شد ازمرك مسلم

وخرج ابن السماك قدس سره ايام الربيع فنظر الى الانوار فصاح وقال يامنور الاشجار بانواع الانوار نور قلوبنا بذكرك وحسن طاعتك.
وبعض الصالحين كانوا يبكون ايام الربيع شوقا الى الله تعالى ومنهم من يبكى خوفا من الفراق ـ حكى ـ ان الشيخ الشلبى قدس سره خرج يوما فوجده اصحابه تحت شجرة يبكى فقيل له فى ذلك قال مررت بهذه الشجرة فقطع منها غصن الارض وهو بعد اخضر لا خبر له بقطعه من اصله فقلت يا نفس ماذا انت صانعة ان لو قطعت من الحق ولا علم لك بذك فجلس اصحابه يبكون.
ويقال الربيع يدل على نعيم الجنة وراحتها والانسان الكامل فى الربيع يظهر تأسفا وحسرة فلا يدرى سبب ذلك وذلك ان الارواح كلها كانت فى صلب آدم عليه السلام حين كان فى الجنة فلما تفرقت فى أنفس اولاده فاذا رأت شبه الجنة او زهرة او طيبا ذكرت نعيم الجنة فاسفت على مفارقتها وجزعت على الخروج منها.
ونظر بعض العلماء الى الورد فبكى وقال ان الميت يبكى فى الارض الا بياض عينيه فاذا جاء الربيع وانفتح الورد انشق بياض عينيه واذا تزوجت امرأته انشق قلبه بنصفين.
ويقال فى الآية كيف يحيى الارض يعنى نفس المؤمن بعد يبوستها من الطاعات ـ روى ـ فى الخبر (من احيى ارضا ميتة فهى له) فالله تعالى احيى نفس المؤمن وقلبه فهو له لا للشيطان كذلك التائب اذا حيى نفسه بالطاعة فهو للجنة لا للنار.
ويقال يحيى النفوس بعد فترتها بصدق الارادات ويحيى القلوب بعد غفلتها بانوار المحاضرات ويحيى الارواح بعد حجبتها بدوام المشاهدات

اموت اذا ذكرتك ثم احيى فكم احيى عليك وكم اموت

والقلب بستان العارف وجنته وحياته بمعرفة الله تعالى فمن نظر الى انواره استغنى عن العالم وازهاره: وفى المثنوى

صوفئ در باغ از بهر كشاد صوفيانه روى بر زانو نهاد
بس فرو رفت او بخود اندر نغول شد ملول از صورت خوابش فضول
كه جه خسى آخر اندر رز ذمكر اين درختان بين وآثار خضر
امر حق بشنكه كفت است انظروا سوى اين آثار رحمت آر رو
كفت آثار ش دلست اى بو الهوس آن برون آثار آثارست وبس
باغها وميوها اندر دلست عكس لطف آن برين آب وكلست
جون حيات ازحق بكيرى اى روى بس غنى كردى زكل دردل روى

نسأل الله تعالى ان يفتح بصائرنا لمشاهدة آثار رحمته ومطالعة انوار صفاته ويأذن لنا فى دخول بستان اسرار ذاته والانتقال الى حرم هويته من حريم آياته وبيناته انه مفيض الخير والمراد ومحيى الفؤاد