التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ
٥٤
-الروم

روح البيان في تفسير القرآن

{ الله } مبتدأ خبره قوله { الذى خلقكم } اوجدكم ايها الانسان { من ضعف } اى من اصل ضعيف هو النطفة او التراب على تأويل المصدر باسم الفاعل. والضعف بالفتح والضم خلاف القوة وفرقوا بان الفتح لغة تميم واختاره عاصم وحمزة فى المواضع الثلاثة والضم لغة قريش واختاره الباقون ولذا لما قرأه ابن عمر رضى الله عنهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح اقرأه بالضم { ثم } للتراخى فى الزمان { جعل } خلق لانه عدى لمفعول واحد { من بعد ضعف } آخر وهو الضعف الموجود فى الجنين والطفل { قوة } هى القوة التى تجعل للطفل من التحرك واستدعائه اللبن ودفع الاذى عن نفسه بالبكاء.
قال بعض العلماء اول ما يوجد فى الباطن حول ثم ما يجر به فى الاعضاء قوة ثم ظهر العمل بصورة البطش والتناول قدرة { ثم جعل من بعد قوة } اخرى هى التى بعد البلوغ وهى قوة الشباب { ضعفا } آخر هو ضعف الشيخوخة والكبر { وشيبة } شيبة الهرم والشيب والمشيب بياض الشعر ويدل على ان كل واحد من قوله ضعف وقوة اشارة الى حالة غير الحالة الاولى ذكره منكرا والمنكر متى اعيد ذكره معرفا اريد به ما تقدم كقولك رأيت رجلا فقال لى الرجل كذا ومتى اعيد منكرا اريد به غير الاول ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله
{ { فان مع العسر يسرا } لن يغلب عسر يسرين هكذا حققه الامام الراغب وتبعه اجلاء المفسرين.
وفى التأويلات النجمية { خلقكم من ضعف } فى البداية وهو ضعف العقل { ثم جعل من بعد ضعف قوة } فى العقل بالبراهين والحجج { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } فى الايمان لمن كان العقل عقيله فيعقله بعلاقة المعقولات فينظر فيها بداعية الهوى بنظر مشوب بآفة الوهم والخيال فيقع فى ظلمات الشبهات فتزل قدمه عن الصراط والدين القويم فيهلك كما هلك كثير ممن شرع فى تعلم المعقولات لا طفاء نور الشريعة وسعى فى ابطال الشريعة الطبيعة يريدون
{ { ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } . وايضا { خلقكم من ضعف } التردد والتحير فى الطلب { ثم جعل من بعد ضعف قوة } فى الطلب { ضعفا } فى حمل القول الثقيل وهو حقيقة قول لا اله الا الله فانها توجب الفناء الحقيقى وتوجب الضعف الحقيقى فى الصورة بحمل المعاتبات والمعاشقات التى تجرى بين المحبين فانها تورث الضعف والشيبة كما قال صلى الله عليه وسلم (شيبتنى سورة هود واخواتها) فان فيها اشارة من المعاشقات بقوله { { فاستقم كما امرت } { يخلق } الله تعالى { ما يشاء } من الاشياء التى من جملتها ما ركب من الضعف والقوة والشباب والشيبة. يعنى هذا ليس طبعا بل بمشيئة الله تعالى.
وفى التأويلات النجمية { يخلق ما يشاء } من القوة والضعف فى السعيد والشقى فيخلق فى السعيد قوة الايمان وضعف البشرية وفى الشقى قوة البشرية لقبول الكفر وضعف الروحانية لقبول الايمان { وهو العليم } بخلقه { القدير } بتحويله من حال الى حال. وايضا العليم باهل السعادة والشقاوة التقدير بخلق اسباب السعادة والشقاء فيهم.
واعلم ان نفس الانسان اقرب الى الاعتبار من نفس غيرهم ولذا خبر عن خلق انفسهم فى اطوار مختلفة ليتغيروا ويتقلبوا وينتقلوا من معرفة هذا التغير والتقلب الى معرفة الصانع الكامل بالعلم والقدرة المنزه عن الحدوث والامكان ويصرفوا القوى الى طاعته.
قال بعضهم رحم الله امرأ كان قويا فاعمل قوته فى طاعة الله او كان ضعيفا فكف لضعفه عن معصية الله.
قيل اذا جاوز الرجل الستين وقع بين قوة العلل وعجز العمل وضعف الامل ووثبة الاجل فلا بد للشبان من دفع الكسل وسد الخلل وقد اثنى عليهم رسول الله صلى الله خيرا حيث قال (اوصيكم بالشبان خيرا ثلاثا فانهم ارق افئدة ألا وان الله ارسلنى شاهدا ومبشرا ونذيرا فخالصنى الشبان وخالفنى الشيوخ): يعنى [وصيت ميكنم شمارا به جوانا نكه بهتراند سه بار زيرا كه ايشان رحيم دل ترند آكاه باشيد خداى تعالى مرا فرستاد شاهد ومبشر ونذير دوستى كردند بامن جوانان ومخالفت كردند ييران] واثنى على الشيوخ ايضا حيث (قال من شاب شيبة فى الاسلام كانت له نورا يوم القيامة ما لم يخضبها او ينتفها) والمراد الخضاب بالسواد فانه حرام لغير الغزاة وحلال لهم ليكونوا هيب فى عين العدو واما الخضاب بالحمرة والصفرة فمستحب ودل قوله { يخلق ما يشاء } على ان الله تعالى لو لم يخلق الشيب فى الانسان ما شاب واما قول الشاعر

اشاب الصغير وافنى الكبير ركر الغداة ومر العشى

فمن قبيل الاسناد المجازى.
ونظرا بويزيد قدس سره الى المرآة فقال ظهر الشيب ولم يذهب العيب ولا ادرى ما فى الغيب

يا عامر الدنيا على شيبه فيك اعاجيب لمن يعجب
ما عذر من يعمر بنيانه وجسمه مستهدم يخرب

قال الشيخ سعدى قدس سره

كنون بايد اى خفته بيدار بود جومرك اندر آردزخوابت جه سود
جوشيب اندر آمد بروى شباب شبت روز شد ديده بركن زخواب
من آن روز بركندم از عمر اميد كه افتادم اندر سياهى سييد
دريغاكه بكذشت عمر عزيز بخواهد كذشت اين دمى جند نيز
فرو رفت جم را يكى نازنين كفن كرد جون كرمش ابريشمين
يدخمه در آمد بس از جند روز كه بروى بكريد بزارى وسوز
جو بوسيده ديديش حرير كفن بفكرت جنين كفت باخويشتن
من ازكرم بركنده بودم بزور بكندند ازو باز كرمان كور

ـ روى ـ ان عثمان رضى الله عنه كان اذا وقف على قبر بكى حتى تبل لحيته فقيل تذكر الجنة والنار ولا تبكى وتبكى من هذا فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان القبر اول منزل من منازل الاخرة فان نجا منه فما بعده ايسر منه وان لم ينج منه فما بعده اشد منه) ـ روى ـ ان الحسن البصرىرحمه الله رأى بنتا على قبر تنوح وتقول يا ابت كنت افرش فراشك فمن فرشه الليلة يا ابت كنت اطعمك فمن اطعمك الليلة الى غير ذلك فقال الحسن لا تقولى كذلك بل قولى يا ابت وضعناك متوجها الى القبلة فهل بقيت او حولت عنها يا ابت هل كان القبر روضة لك من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران يا ابت هل اجبت الملكين على الحق اولا فقالت ما احسن قولك يا شيخ وقبلت نصيحته. فعلى العاقل ان يتذكر الموت ويتفكر فى بعد السفر ويتأهب بالايمان والاعمال مثل الصلاة والصيام والقيام ونحوها وافضلها اصلاح النفس وكف الاذى عن الناس بترك الغيبة والكذب وتخليص العمل لله تعالى وذلك يحتاج الى قوة التوحيد بتكريره وتكريره بصفاء القلب آناء الليل واطراف النهار