التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
١٨
-لقمان

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا تصعر خدك للناس } التصعر التواء وميل فى العنق من خلقة او داء او من كبر فى الانسان وفى الابل. والتصعير امالته عن النظر كبرا كما قال فى تاج المصادر [التصعير: روى بكردانيدن از كبر]. وخد الانسان ما اكتنف الانف عن اليمين والشمال او ما جاوز مؤخر العينين الى منتهى الشدق او من لدن المحجر الى اللحى كما فى القاموس. والمعنى اقبل على الناس بجملة وجهك عند السلام والكلام واللقاء تواضعا ولا تحول وجهك عنهم ولا تغط شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبرون استحقارا للناس خصوصا الفقراء وليكن الغنى والفقير عندك على السوية فى حسن المعاملة.
والاشارة لا تمل خدك تكبرا او تجبرا معجبا بما فتح الله عليك فتكون بهذا مفسدا فى لحظة ما اصلحته فى مدة: قال الحافظ

ببال وبر مرو ازره كه تير برتابى هوا كرفت زمانى ولى بخاك نشست

{ ولا تمش فى الارض مرحا } المرح اشد الفرح والخفة الحاصلة من النعمة كالاشر والبطر اى حال كونك ذا فرح شديد ونشاط وعجب وخفة اى مشيا كمشى المرح من الناس كما يرى من كثيرهم لا سيما اذا لم يتضمن مصلحة دينية او دنيوية: وبالفارسية [مخرام جون جاهلان ومانند دنيا برستان] { ان الله لا يحب كل مختال } الاختيال والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة ومنه لفظ الخيل كما قيل انه لا يركب احد فرسا الاوجد فى نفسه نخوة اى لا يرضى عن المتكبر المتبختر فى مشيته بل يسخط عليه: وبالفارسية [هرخرا منده كه متكبرا نه رود] وهو بمقابلة الماشى مرحا { فخور } هو بمقابلة المصعر خده وتأخيره لرعاية الفواصل. والفخر المباهاة فى الاشياء الخارجة عن الانسان كالمال والجاه والفخور الذى يعدد مناقبه تطاولا بها واحتقارا لمن عدم مثلها. والمعنى بالفارسية [نازش كننده كه باسباب تنعم بر مردمان تطاول نمايد].
وفى الحديث
"خرج رجل يتبختر فى الجاهلية عليه حلة فامر الله الارض فاخذته فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة"

جو صبيان مباز وجوصنوان مناز برو مرد حق شو زروى نياز

قال بعض الحكماء ان افتخرت بفرسك فالحسن والفراهة له دونك. وان افتحرت بثيابك وآلاتك فالجمال لها دونك. وان افتخرت بآبائك فالفضل فيهم لافيك ولو تكلمت هذه الاشياء لقالت هذه محاسننا فما لك من الحسن شئ. فان افتخرت فافتخر بمعنى فيك غير خارج عنك: قال الحافظ

قلندران حقيقت بنيم جو نخرند قباى اطلس آنكس كه ارهنز عار يست

واذا اعجبك من الدنيا شئ فاذكر فناءك وبقاءه او بقاءك وزواله او فناء كما جميعا فاذا راقك ما هو لك فانظر الى قرب خروجه من يدك وبعد رجوعه اليك وطول حسابه عليك ان كنت تؤمن بالله واليوم الآخر ـ حكى ـ انه حمل الى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجوهر لم ير له نظير ففرح به الملك فرحا شديدا فقال لمن عنده من الحكماء كيف ترى هذا فقال اراه فقرا حاضرا ومصيبة عاجلة قال وكيف ذلك قال ان انكسر كانت مصيبة لا جبر لها وان سرق صرت فقيرا اليه وقد كنت قبل ان يحمل اليك فى امن من المصيبة والفقر فاتفق انه انكسر القدح يوما فعظمت المصيبة على الملك وقال صدق الحكيم ليته لم يحمل الينا

انما الدنيا كرؤيا فرّحت من رآها ساعة ثم انقضت