التفاسير

< >
عرض

وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ
١٩
-لقمان

روح البيان في تفسير القرآن

{ واقصد فى مشيك } القصد ضد الافراط والتفريط. والمعنى واعدل فى المشى بعد الاجتناب عن المرح فيه: وبالفارسية [وميانه باش دررفتن خود] اى توسد بين الدبيب والاسراع فلا تمش كمشى الزهاد المظهرين الضعف فى المشى من كثرة العبادات والرياضات فكأنهم اموات وهم المراؤون الذين ضل سعيهم ولا كمشى الشطار ووثوبهم وعليك بالسكينة والوقار وفى الحديث "سرعة المشى تذهب بهاء المؤمن" وقول عائشة رضى الله عنها فى عمر رضى الله عنه كان اذا مشى اسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت.
قال بعضهم ان للشيطان من ابن آدم نزغتين بايتهما ظفر قنع الافراط والتفريط وذلك فى كل شئ يتصور ذلك فيه { واغضض من صوتك } يقال غض صوته وغض بصره اذا خفض صوته وغمض بصره.
قال فى المفردات الغض النقص من الطرف والصوت: وبالفارسية [فرو خوابا نيدن جشم وفروداشتن اواز] والصوت هو الهواء المنضغط عند قرع جسمين.
قال بعضهم الهواء الخارج من داخل الانسان ان خرج بدفع الطبع يسمى نفسا بفتح الفاء وان خرج بالارادة وعرض له تموّج بتصادم جسمين يسمى صوتا واذا عرض للصوت كيفيات مخصوصة باسباب معلومة يسمى حروفا. والمعنى وانقص من صوتك واقصر واخفض فى محل الخطاب والكلام خصوصا عند الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وعند الدعاء والمناجاة. وكذلك وصية الله فى الانجيل لعيسى ابن مريم مر عبادى اذا دعونى يخفضوا اصواتهم فانى اسمع واعلم ما فى قلوبهم: وبالفارسية [فرو آور وكم كمن آوز خويش يعنى فرياد كننده ونعره زننده ودراز زبان وسخت كوى مباش] واستثنى منه الجهر لارهاب العدو ونحوه.
وقال محمد بن طلحة فى العقد الفريد قد اختار الحكماء للسلطان جهاره الصوت فى كلامه ليكون اهيب لسامعيه واوقع فى قلوبهم انتهى.
وفى الخلاصة لا يجهر الامام فوق حاجة الناس والا فهو مسيئ كما فى الكشف. والفرق بين الكراهة والاساءة هوان الكراهة افحش من الاساءة.
وفى انسان العيون لا بأس برفع المؤذنين اصواتهم لتبليغ التكبير لمن بعد عن الامام من المقتدين لما فيه من النفع بخلاف ما اذا بلغهم صوت الامام فان التبليغ حينئذ بدعة منكرة باتفاق الائمة الاربعة ومعنى منكرة مكروهة.
وفى انوار المشارق المختار عند الاخيار ان المبالغة والاستقصاء فى رفع الصوت بالتكبير فى الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والاخفاء مع التضرع والتذلل والاستكانة الخالية عن الرياء جائز غير مكروه باتفاق العلماء.
وقد جمع النووى بين الاحاديث الواردة فى استحباب الجهر بالذكر والواردة فى استحباب الاسرار به بان الاخفاء افضل حيث خاف الرياء او تأذى المصلون او النائمون والجهر افضل فى غير ذلك لان العمل فيه اكثر ولان فائدته تتعدى الى السامعين ولانه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همة الفكر ويشنف سمعه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط وكان عليه السلام اذا سلم من صلاته قال بصوته الاعلى
"لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير"
ومن اللطائف ان الحجاج سأل بعض جلسائه عن ارق الصوت عندهم فقال احدهم ما سمعت صوتا ارق من صوت قارئ حسن الصوت يقرأ كتاب الله فى جوف الليل قال ان ذلك لحسن. وقال آخر ما سمعت صوتا اعجب من ان اترك امرأتى ما خضا واتوجه الى المسجد بكيرا فيأتينى آت فيبشرنى بغلام فقال واحسناه. فقال شعبة بن علقمة التميمى لا والله ما سمعت قط اعجب الى من ان اكون جائعا فاسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج ابيتم يا بنى تميم الاحب الزاد { ان انكر الاصوات } اوحشها واقبحها الذى ينكره العقل الصحيح ويحكم بقبحه وبالفارسية [زشت ترين آوازها] { لصوت الحمير } جمع حمار.
قال بعضهم سمى حمارا لشدته من قولهم ظعنة حمراء اى شديدة وحمارة القيظ شدته وافراد الصوت مع اضافته الى الجمع لما ان المراد ليس بيان حال صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع بل بيان حال صوت هذا الجنس من بين اصوات سائر الاجناس.
قال ابو الليث صوت الحمار كان هو المعروف عند العرب وسائر الناس بالقبح وان كان قد يكون ما سواه اقبح منه فى بعض الحيوان وانما ضرب الله المثل بما هو معروف عند الناس بالقبح لان اوله زفير وآخره شهيق كصوت اهل النار يتوحش من يسمعه ويتنفر منه كل التنفر. والمعنى ان انكر اصوات الناس حين يصوتون ويتكلمون لصوت من يصوّت صوت الحمار اى يرفع صوته عند التصويت كما يرفع الحمار صوته. ففيه تشبيه الرافعين اصواتهم فوق الحاجة بالحمير وتمثيل اصواتهم بالنهاق ثم اخلاء الكلام عن لفظ التشبيه واخراجه مخرج الاستعارة وجعلهم حميرا واصواتهم نهاقا مبالغة شديدة فى الذم والزجر عن رفع الصوت فوق الحاجة وتنبيه على انه من المكاره عند الله لا من المحاب.
قال الكاشفى [يعنى در ارتفاع صوت فضيلتى نيست جو صوت حمار باوجود رفعت مكروهست طباع را وموجب وحشت اسماع است. درعين المعانى آورده كه مشركان عرب برفع اصوات تفاخر ميكر دندى بدين آيت رد كرد برايشان فخرايشان].
يقول الفقير ان الرد ليس بمنحصر فى رفع الصوت بل كل ما فى وصايا لقمان من نهى الشرك وما يليه ردلهم لانهم كانوا متصفين بالشرك وسائر ما حكى من الاوصاف القبيحة آتين بالسيآت تاركين للصلاة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر جزعين عند المصيبات والحمار مثل فى الذم سيما نهاقه ولذلك كنى عنه فيقال طويل الاذنين.
قال سفيان الثورىرحمه الله تعالى صوت كل شئ تسبيح الاصوت الحمير فانها تصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه منكرا وفى الحديث
"اذا سمعتم نهاق الحمير" وهو بالضم صوتها (فتعوّذوا بالله من الشيطان فانها رأت شيطانا واذا سمعتم صياح الديكة) بفتح الياء جمع ديك (فاسألوا الله من فضله فانها رأت ملكا) وفى الحديث دلالة على نزول الرحمة عند حضور اهل الصلاح فيستحب الدعاء فى ذلك الوقت وعلى نزول الغضب عند اهل المعصية فيستحب التعوذ كما فى شرح المشارق لابن الملك.
يقول الفقير ومن هنا قال عليه السلام
"يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب" اى يقطع كمالها وينقصها مرور هذه الاشياء بين يدى المصلى. اما المرأة فلكونها احب الشهوات الى الناس واشد فسادا للحال من الوسواس. واما الكلب والمراد الكلب الاسود فلكونه شيطانا كما قال عليه السلام "الكلب الاسود شيطان" سمى شيطانا لكونه اعقر الكلاب واخبثها واقلها نفعا واكثرها نعاسا ومن هذا قال احمد بن حنبل لا يحل الصيد به. واما الحمار فلكون الشيطان قد تعلق بذنبه حين دخل سفينة نوح عليه السلام فهو غير مفارق عنه فى اكثر الاوقات وهو السر فى اختصاص الحمار برؤية الشيطان والله اعلم كما ان وجه اختصاص الديك برؤية الملك كون صياحه تابعا لصياح ديك العرش كما ثبت فى بعض الروايات الصحيحة فالملك غير مفارق عنه فى غالب الحالات وفى الحديث "ان الله يبغض ثلاثة اصواتها نهقة الحمير ونباح الكلب والداعية بالحرب"
[ورد فيه ما فيه ازحضرت مولوى قدس سره وجه انكريت صوت حمار جنين نقل كرده اندكه درغالب او براى كاه وجوست. ويا بجهت اجراء شهوت. ياجنك بادراز كوش ديكر. وصدايى كه ازغلبه صفات بهيمى زايد زشت ترين صداها باشد وازينجا معلوم ميشود كه ندايى كه از صاحب اخلاق روحانى وملكى آيد خوبترين نداها خواهد بود نغمهاى عاشقانه بس دلكش است استماع نغمة ايشان خوش وحضرت رسالت عليه السلام آواز نرم را دوست داشتى وجهر صوت را كاره بودى] ودخل فى الصوت المنكر العطسة المنكره فلتدفع بقدر الاستطاعة وكذا الزفرات والشهقات الصادرة من اهل الطبيعة والنفس بدون غلبة الحال فانها ممزوجة بالحظوظ مخلوطة بالرياء فلا تكون صيحة حقيقة بل صيحة طبيعة ونفس نعوذ بالله من شهوات الطبيعة وهوى النفس ومخالطة اهل الدعوى.
قال بعضهم فى الآية اشارة الى الذى يتكلم فى لسان المعرفة من غير اذن من الحق وقبل اوانه ومن تصدر قبل اوانه تصدى لهوانه.
ثم من وصايا لقمان على ما فى كشف الاسرار قوله [اى بسر جون قدرت يابى برظلم بندكان قدرت خداى برعقوبت خود يادكن واز انتقام وى بينديش كه او جل جلاله منتقم است دادستان از كردن كشان وكين خواه از ستمكاران وبحقيقت دان كه ظلم تو ازان مظلوم فرا كذرد وعقوبة الله بر ان ظلم برتو بماند وباينده بود]: قال الشيح سعدى قدس سره

شنيدم كه لقمان سيه فام بود نه تن برور ونازك اندام بود
يكى بنده خويش بنداشتش ببغداد دركار كل داشتش
به سالى سرايى ببر داختش كس ازبنده خواجه نشناختش
جوبيش آمدش بندده رفتة باز زلقمانش آمد نهيبى فراز
به بابش درافتاد وبوزش نمود بخنديد لقمان كه بوزش جه سود
بسالى زجورت جكر خون كنم بيك ساعت ازدل بدر جون كنم
وليكن بخشايم اى نيك مرد كه سود تومارا زيانى نكرد
تو آباد كردى شبستان خويش مرا حكمت ومعرفت كشت بيش
غلاميست درخيم اى نيك بخت كه فرمايمش وقتها كار سخت
دكرره نيازارمش سخت دل جو آيدم سختئ كار كل
هر آنكس كه جور بزركان نبرد نسوزد دلش برضعيفان خرد
كه از حا كمان سخت آيد سخن تو برزير دستان درشتى مكن
مهازور مندى مكن بركهان كه بريك نمط مى نماند جهان

[لقمانرا كفتند ادب ازكه آموختى كفت ازبى ادبان كه هرجه از ايشان در نظرم نابسند آمد ازان فعل برهيز كردم]

نكويند ازسر بازيجه حرفى كزان بندى نكيرد صاحب هوش
وكر صد باب حكمت بيش نادان بخوانند آيدش بازيجه در كوش

وعن على رضى الله عنه الحكمة ضالة المؤمن فالتقفها ولو من افواه المشركين: يعنى [مرد مؤمن هميشه طالب حكمت بود جنانكه طالب كم كرده خويش بود] قال عيسى عليه السلام لا تقولوا العلم فى السماء من يصعد يأتى به ولا فى تخوم الارض من ينزل يأتى به ولا من وراء البحر من يعبر يأتى به العلم مجعول فى قلوبكم تأدبوا بين يدى الله بآداب الروحانيين يظهر عليكم كما فى شرح منازل السائرين. ومن آداب الروحانيين ترك الامور الطبيعية والقيام فى مقام الصمدية [عابدى را حكايت كنند كه هر شب ده من طعام بخوردى وتا بسحر ختمى درنماز بكردى صاحب دلى بشنيد وكفت اكر نيم من بخوردى وبخفتى بسيار ازين فاضلتر بودى]

اندرون از طعام خالى دار تادرو نور معرفت بينى
تهى ازحكمتى بعلت آن كه برى ازطعام تابينى

واعلم ان الحكمة قد تكون متلفظا بها كالاحكام الشرعية المتعلقة بظواهر القرآن وقد تكون مسكوتا عنها كالاسرار الالهية المستورة عن غير اهلها المتعلقة ببواطن القرآن فمن لج فى الطلب من طريقه ولج فى المعرفة بفضل الله تعالى وتوفيقه