التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٧
-لقمان

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولو ان ما فى الارض من شجرة اقلام } جواب لليهود حين سألوا الحصين رسول الله صلىالله عليه وسلم او امروا وفد قريش ان يسألوه عن قوله { { وما اوتيتم من العلم الا قليلا } وقد انزل التوراة وفيها علم كل شئ يعنى ان علم التوراة وسائر ما اوتى الانسان من الحكمة والمعرفة وان كان كثيرا بالنسبة اليهم لكنه قطرة من بحر علم الله.
وقال قتادة قال المشركون ان القرآن يوشك ان ينفد وينقطع فنزلت. وقوله من شجرة حال من الموصول وهى ماله ساق وتوحيدها لما ان المراد تفصيل الاحاد يعنى ان كل فرد من جنس الشجر بحيث لا يبقى منه شئ لو برى قلما واصل القلم القص من الشئ الصلب كالظفر وخص ذلك بما يكتب به.
وفى كشف الاسرار سمى قلما لانه قط رأسه والاقليم القطعة من الارض وتقليم الاظفار قطعها. والفرق بين القط والقدّ ان القط القطع عرضا والقدّ القطع طولا والقطع فصل الجسم بنفوذ جسم آخر فيه. والمعنى لو ثبت ان الاشجار اقلام { والبحر } اى والحال ان البحر المحيط بسعته وهو البحر الاعظم الذى منه مادة جميع البحار المتصلة والمنقطعة وهو بحر لا يعرف له ساحل ولا يعلم عمقه الا الله تعالى والبحار التى على وجه الارض خلجان منه وفى هذا البحر عرش ابليس لعنه الله وفيه مدائن تطفو على وجه الماء واهلها من الجن فى مقابلة الربع الخراب من الارض وفى هذا البحر ينبت شجر المرجان كسائر الاشجار فى الارض وفيه من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه الا الله تعالى وهو اى البحر مبتدأ خبره قوله { يمده } اى يزيده وينصب فيه من مد الدواة جعلها ذات مداد وزاده فيها فلذا اغنى عن ذكر المداد { من بعده } اى من بعد نفاده وفنائه { سبعة ابحر } نحو بحر الصين وبحر تبت كسكر على ما فى القاموس وبحر الهند وبحر السند وبحر فارس وبحر الشرق وبحر الغرب والله اعلم.
قال فى اسئلة الحكم ان الله زين الدنيا بسبعة ابحر وسبعة اقاليم انتهى ولم يتعرضوا لتعداد الابحر فيما رأينا وقد استخرجناها من موضعها بطريق التقريب واجرينا القلم فيها ويحتمل ان يكون المراد الانهار السبعة من الفرات ودجلة وسيحان وسيحون وجيحان وجيحون والنيل لان البحر عند العرب هو الماء الكثير.
وقال الكاشفى { سبعة ابحر } [هفت درياى ديكر مانند او] انتهى فيكون ذكر العدد للتكثير كما لا يخفى.
وفى الارشاد اسناد المد الى الابحر السبعة دون البحر المحيط مع كونه اعظم منها واطم لانها هى المجاورة للجبال ومنابع المياه الجارية واليها تنصب الانهار العظام اولا ومنها تنصب الى البحر المحيط ثانيا. والمعنى يمده الابحر السبعة مدا لا ينقطع ابدا وكتبت بتلك الاقلام وبذلك المداد كلمات الله { ما نفدت كلمات الله } اى ما فنيت متعلقات علمه وحكمته ونفدت تلك الاقلام والمداد وقد سبق تحقيقه فى اواخر سورة الكهف عند قوله تعالى
{ { قل لو كان البحر مدادا } الآية وايثار جمع القلة فى الكلمات للايذان بان ما ذكر لا يفى بالقليل منها فكيف بالكثير.
وفى التأويلات النجمية اى لوان ما فى الارض من الاشجار اقلام والبحر يصير مدادا وبمقدار ما يقابله ينفق القرطاس ويتكلف الكتاب حتى تنكسر الاقلام وتفنى البحار وتستوفى القراطيس ويفنى عمر الكتاب ما نفدت معانى كلام الله تعالى لان هذه الاشياء وان كثرت فهى متناهية ومعانى كلامه لا تتناهى لانها قديمة والمحصور لا يفى بما لا حصر له انتهى وقد قصر من جعل الارض قرطاسا.
وفى الاية اشارة ظاهرة الى قدم القرآن فان عدم التناهى من خاصية القديم. وجاء فى حق القرآن (ولا تنقضى عجائبه) اى لا ينتهى احد الى كنه معانيه العجيبة وفوائده الكثيرة.
وفى الآية اشارة ايضا الى ان كلمات الحكماء الالهية وعلومهم لا تنقطع ابدا لانها من عيون الحكمة كما ان ماء العين لا ينقطع عن عينه وكيف ينقطع وحكمة الحكيم تلقين من رب العالمين وفيض من خزائنه وخزائنه لا تنفد كما دلت عليه الآية ولبعض العارفين تجلى برقّى يعطى فى مقدار طرفة عين من العلوم مالا نهاية له واذا كان حاله هذا فى جزء يسير من الزمان فما ظنك بحاله فى مدة عمره { ان الله عزيز } لا يعجزه شئ { حكيم } لا يخرج عن علمه وحكمته امر فلا تنفد كلماته المؤسسة عليهما. وخاصية الاسم العزيز وجود الغنى والعز صورة ومعنى فمن ذكره اربعين يوما فى كل يوم اربعين مرة اغناه الله واعزه فلم يحوجه الى احد من خلقه والتقرب بهذا الاسم فى التمسك بمعناه وذلك برفع الهمة عن الخلائق وهو عزيز جدا. وخاصية الاسم الحكيم دفع الدواهى وفتح باب الحكمة من اكثر ذكره صرف عنه ما يخشاه من الدواهى وفتح له باب من الحكمة والتقرب بهذا الاسم تعلقا ان تراعى حكمته فى الامور مقدما ما جاء شرعا ثم عادة فتسلم من معارض شرعى وتخلقا ان تكون حكيما والحكمة فى حقنا الاصابة فى القول والعمل وقد سبق فى اول قصة لقمان.
واعلم ان فى خلق البحار والانهار والجزائر ونحوها حكما ومصالح تدل على عظم ملكه تعالى وسعة سلطانه وليس من بر ولا بحر الا وفيه خلق من الخلائق يعبد الله تعالى على ان الاسكندر وصل الى جزيرة الحكماء وهى جزيرة عظيمة فرأى بها قوما لباسهم ورق الشجر وبيوتهم كهوف فى الصخر والحجر فسألهم مسائل فى الحكمة فاجابوا باحسن جواب وألطف خطاب لما انهم من مظاهر الاسم الحكيم فقال لهم سلوا حوائجكم لتقضى فقالوا له نسألك الخلد فى الدنيا فقال وانى به لنفسى ومن لا يقدر على نفس من انفاسه كيف يبلغكم الخلد فقال كبيرهم نسألك صحة فى ابداننا ما بقينا فقال وهذا ايضا لا اقدر عليه قالوا فعرفنا بقية اعمارنا فقال لا اعرف ذلك لروحى فكيف بكم فقالوا له فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر على ذلك واعظم من ذلك وجعل الناس ينظرون الى كثرة الجنود اى جنود الاسكندر وعظمة موكبه وبينهم شيخ صعلوك لا يرفع رأسه فقال الاسكندر مالك لا تنظر الى ما ينظر اليه الناس قال الشيخ ما اعجبنى الملك الذى رأيت قبلك حتى انظر اليك والى ملكك فقال الاسكندر وماذاك قال الشيخ كان عندنا ملك وآخر صعلوك فماتا فى يوم واحد فغبت عنهما مدة ثم جئت اليهما واجتهدت ان اعرف الملك من المسكين فلم اعرفه فتركهم وانصرف: قال الشيخ العطار قدس سره

جه ملكت اين وتوجه بادشاهى كه باشير اجل بر مى نيايى
اكر تو فى المثل بهرام زورى بروزوا بسين بهرام كورى
جو ملك اين جهان ملكى رونده است بملك آن جهان شد هركه زنده است
اكر آن ملك خواهى اين فداكن كه بابراهيم ادهم اقتداكن
رباط كهنه دنيا در انداخت جهاندارى بدرويشى فروباخت
اكرجه ملك دنيا بادشا ييست ولى جون بنكرى اصلش كدا ييست