التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١٣
-السجدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } مقدر بقول معطوف على ما قدر قبل قوله ربنا ابصرنا اى ونقول لو شئنا اى لو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليا بان نعطى كل نفس من النفوس البرّة والفاجرة ما تهتدى به الى الايمان والعمل الصالح بالتوفيق لهما لاعطيناها اياه فى الدنيا التى هى دار الكسب وما اخرناه الى دار الجزاء { ولكن حق القول منى } ثبت قضائى وسبق وعيدى وهو { لاملأن } [ناجار بركنيم] { جهنم من الجنة } بالكسر جماعة الجن والمراد الشياطين وكفار الجن { والناس } الذين اتبعوا ابليس فى الكفر والمعاصى { اجمعين } يستعمل لتأكيد الاجتماع على الامر.
وقال بعضهم { ولكن حق القول منى } اى سبقت كلمتى حيث قلت لابليس عند قوله
{ { لاغوينهم } الآية { لاملأن } الخ.
وفى التأويلات { ولو شئنا } فى الازل هدايتكم وهداية اهل الضلالة { لآتينا كل نفس هداها } باصابة رشاش النور على الارواح { ولكن حق القول منى } قبل وجود آدم وابليس { لاملأن } الخ ولكن تعلقت المشيئة باغواء قوم كما تعلقت باهداء قوم واردنا ان يكون للنار قطان كما اردنا ان يكون للجنة سكان اظهارا لصفات لطفنا وصفات قهرنا لان الجنة واهلها مظهر لصفات لطفى والنار واهلها مظهر لصفات قهوى وانى فعال لما اريد.
وفى عرائس البيان ان جهنم فم قهره انفتح ليأخذ نصيبه ممن له استعداد مباشرة القهر كما ان الجنة فم لطفه انفتح ليأخذ نصيبه ممن له استعداد مباشرة لطفه فاللطيف يرجع الى اللطيف والكثيف يرجع الى الكثيف ولو شاء لجعل الناس كلهم عارفين به ولكن جرى القلم فى الازل بالوعد والوعيد كما قال ابن عطاء قدس سره لو شئنا لوفقنا كل عبد لرضانا ولكن حق القول بالوعد والوعيد ليتم الاختيار.
وسئل الشبلى قدس سره عن هذه الآية فقال يا رب املأ نارك من الشبلى واعف عن عبيدك ليتروح الشبلى بتعذيبك كما يتروح جميع العباد بالعوافى وذلك ان من استوى عنده اللطف والقهر بالوصول الى الاصل رأى مقصوده فى كل واحد منهما كما رأى ايوب عليه السلام المتبلى فى بلائه فطاب وقته وحاله وصفا باله فى عين الكدر

ما بلا خواهيم وزاهد عافيت هر متاعى را خريدارى فتاد

وعن الحسن قال خطبنا ابو هريرة رضى الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعت رسول الله يقول "ليعتذرن الله الى آدم ثلاث معاذير يقول الله يا آدم لولا انى لعنت الكذابين وابغضت الكذب والخلف واعذب عليه لرحمت اليوم ولدك اجمعين من شدة ما اعددت لهم من العذاب ولكن حق القول منى لئن كذب رسلى وعصى امرى لاملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين. ويقول الله يا آدم اعلم انى لا ادخل من ذريتك النار احدا ولا اعذب منهم بالنار احدا الا من قد علمت بعلمى انى لو رددته الى الدنيا لعاد الى اشر مما كان فيه ولم يرجع ولم يتب ويقول الله قد جعلتك حكما بينى وبين ذريتك قم عند الميزان فانظر ما يرفع اليك من اعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم انى لا ادخل منهم الا ظالما"
واعلم ان الله تعالى يملأ جهنم من الاقوياء كما يملأ الجنة من الضعفاء بدليل قوله عليه السلام "اذا ملئت جهنم تقول الجنة ملأت جهنم من الجبابرة والملوك والفراعنة ولم تملأنى من ضعفاء خلقك فينشئ الله خلقا عند ذلك فيدخلهم الجنة فطوبى لهم من خلق لم يذوقوا موتا ولم يروا سوأ باعينهم" رواه انس رضى الله عنه. وقوله عليه السلام "تحاجت الجنة والنار فقالت النار اوثرت (اى فضلت) (بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة انى لا يدخلنى الا ضعفاء الناس وسقطهم فقال الله للنار انت عذابى اعذبك من اشاء من عبادى وكل واحدة منكما ملؤها) رواه ابو هريرة رضى الله عنه" كذا فى بحر العلوم