التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٣٧
-الأحزاب

روح البيان في تفسير القرآن

واذ تقول } ـ روى ـ انه لما نزلت الآية المتقدمة قالت زينب واخوها عبد الله رضينا يا رسول الله اى بنكاح زيد فانكحها عليه السلام اياه وساق اليها مهرها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وازارا وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر وبقيت بالنكاح معه مدة فجاء النبى عليه السلام يوما الى بيت زيد لحاجة فابصر زينب فاعجبه حسنها فوقع فى قلبه محبتها بلا اختيار منه والعبد غير ملوم على مثله ما لم يقصد المأثم ونظرة المفاجأة التى هى النظرة الاولى مباحة فقال عليه السلام عند ذلك "سبحان الله يا مقلب القلوب ثبت قلبي" انصرف وذلك ان نفسه كانت تمتنع عنها قبل ذلك لا يريدها ولو ارادها لخطبها وسمعت زينب التسبيحة فذكرتها لزيد بعد مجيئه وكان غائبا ففطن: يعنى [بدانست كه جيزى دردل رسول افتاد وبآنكه در حكم ازلى زينب زن رسول باشد الله تعالى محبت زينب دردل رسول افكند ونفرت وكراهت دردل زيد] فاتى رسول الله تلك الساعة فقال يا رسول الله انى اريد ان افارق صاحبتى فقال "مالك أرأيت منها شيئا" قال لا والله ما رأيت منها الا خيرا ولكنها تتعظم على لشرفها وتؤذينى بلسانها فمنعه عليه السلام من الفرقة وذلك قوله تعالى { واذ تقول } اى واذكر وقت قولك يا محمد { للذى انعم الله عليه } بالتوفيق للاسلام الذى هو اجل النعم وللخدمة والصحبة.
وفى التأويلات النجمية بان اوقعه فى معرض هذه الفتنة العظيمة والبلية الجسيمة وقواه على احتمالها واعانه على التسليم والرضى فيما يجرى الله عليه وفيما يحكم به عليه من مفارقة الزوجة وتسليمها الى رسول الله وبان ذكر اسمه فى القرآن من بين الصحابة وافرد به { وانعمت عليه } بحسن التربية والاعتاق والتبنى.
وفى التأويلات بقبول زينب بعد ان انعمت عليه بايثارها عليه بقولك امسك الخ وهو زيد بن حارثة رضى الله عنه مولاه عليه السلام وهو اول من اسلم من الموالى وكان عليه السلام يحبه ويحب ابنه اسامة شهد بدرا والخندق والحديبية واستخلفه النبى عليه السلام على المدينة حين خرج الى بنى المصطلق وخرج اميرا فى سبع سرايا وقتل يوم مؤتة بضم الميم وبالهمزة ساكنة موضع معروف عند الكرك وقد سبق فى ترجمته عند قوله تعالى
{ { ادعوهم لآبائهم } فى اوائل هذه السورة.
قال فى الارشاد وايراده بالعنوان المذكور لبيان منافاة حاله لما صدر منه عليه السلام على زيد لا ينافى استحياءه منه فى بعض الامور خصوصا اذا قارن تعيير الناس ونحوه كما سيجيئ { امسك عليك زوجك } [نكاه دار براى خود زن خودرا يعنى زينب] وامساك الشئ التعلق به وحفظه { واتق الله } فى امرها ولا تطلقها ضرارا: يعنى [ازوى ضرر طلاقش مده] او تعللا بتكبرها { وتخفى فى نفسك ما الله مبديه } الموصول مفعول تخفى والابداء الاظهار. يعنى [ونكاه داشتى جيزى دردل كه الله آنرا بيدا خواست كر] وهو علم بان زيدا سيطلقها وسينكحها يعنى انك تعلم بما اعلمتك انها ستكون زوجتك وانت تخفى فى نفسك هذا المعنى والله يريد ان ينجز لك وعده ويبدى انها زوجتك بقوله { زوجناكها } وكان من علامات انها زوجته القاء محبتها فى قلبه وذلك بتحبيب الله تعالى لا بمحبته بطبعه وذلك ممدوح جدا ومنه قوله عليه السلام
"حبب الىّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة" وانه لم يقل احببت ودواعى الانبياء والاولياء من قبيل الاذن الآلهى اذ ليس للشيطان عليهم سبيل.
قال فى الاسئلة المقحمة قد اوحى اليه ان زيدا يطلقها وانت تزوج بها فاخفى عن زيد سرما اوحى اليه لان ذلك السر يتعلق بالمشيئة والارادة ولا يجب على الرسل الاخبار عن المشيئة والارادة وانما يجب عليهم الاخبار والاعلام عن الاوامر والنواهى لا عن المشيئة كما انه كان يقول لا بى لهب آمن بالله وقد علم ان الله اراد ان لا يؤمن ابو لهب كما قال تعالى
{ { سيصلى نارا ذات لهب } لان ذلك الذى يتعلق بعذاب ابى لهب انما هو من المشيئة والارادة فلا يجب على النبى اظهاره ولا الاخبار عنه { وتخشى الناس } تخاف لومهم وتعييرهم اياك به: يعنى [مى ترسى از سرزنش مردم كه كويند زن بسررا بخواست].
وفى التأويلات النجمية اى تخشى عليهم ان يقعوا فى الفتنة بان يخطر ببالهم نوع انكار او اعتراض عليه او شك فى نبوته بان النبى من تنزه عن مثل هذا الميل وتتبع الهوى فيخرجهم من الايمان الى الكفر فكانت تلك الخشية اشفاقا منه عليهم ورحمة بهم انهم لا يطيقون سماع هذه الحالة ولا يقدرون على تحملها { والله احق ان تخشيه } وان كان فيه ما يخشى.
قال الكاشفى [مقرراست كه حضرت رسالت عليه السلام ترسكار ترين خلق بوده زيرا كه خوف وخشيت نتيجه علمست
{ { انما يخشى الله من عباده العلماء } بس بحكم (انا اعلمكم بالله واخشاكم ازهمه عالميان اخشى بود ودر حديث آمده (الخوف رفيقى)]

خوف وخشيت نتيجه علمست هر كرا علم بيش خشيت بيش
هركرا خوف شد رفيق رهش باشد از جمله رهروان دربيش

وفى كشف الاسرار انما عوتب عليه السلام على اخفاء ما اعلمه الله انها ستكون زوجة له قالت عائشة رضى الله عنها لو كتم النبى عليه السلام شيئا من الوحى لكتم هذه الآية اذ تقول الخ وما نزل على رسول الله آية هى اشد عليه من هذه الآية.
وفى التأويلات يشير الى ان رعاية جانب الحق احق من رعاية جانب الخلق لان لله تعالى فى ابداء هذا الامر واجراء هذا القضاء حكما كثيرة فاقصى ما يكون فى رعاية جانب الخلق ان لا يضل به بعض الضعفاء فلعل الحكمة فى اجراء هذه الحكم فتنة لبعض الناس المستحقين الضلالة والانكار ليهلك من هلك عن بينة ويحى من حىّ عن بينه وهذا كما قال
{ { وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس } فالواجب على النبى اذا عرض له امران فى احدهما رعاية جانب الحق وفى الآخر رعاية جانب الخلق ان يختار رعاية جانب الحق على الخلق فان للحق تعالى فى اجراء حكم من احكامه واصفاء امر من اوامره حكما كثيرة كما قال تعالى فى اجراء تزويج النبى عليه السلام بزينب قوله { لكيلا يكون على المؤمنين } { فلما قضى زيد منها } اى من زوجه وهى زينب { وطرا }.
قال فى القاموس الوطر محركة الحاجة او حاجة لك فيها همّ وعناية فاذا بلغتها فقد قضيت وطرك.
وفى الوسيط معنى قضاء الوطر فى اللغة بلوغ منتهى ما فى النفس من الشئ يقال قضى منها وطرا اذا بلغ ما اراد من حاجة فيها ثم صار عبارة عن الطلاق لان الرجل انما يطلق امرأته اذا لم يبق له فيها حاجة والمعنى فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها. وفى التأويلات اما وطر زيد منها فى الصورة استيفاء حظه منها بالنكاح ووطره منها فى المعنى شهرته بين الخلق الى قيام الساعة بان الله تعالى ذكره فى القرآن باسمه دون جميع الصحابة وبانه اثر النبى عليه السلام على نفسه بايثار زينب.
وفى الاسئلة المقحمة كيف طلق زيد زوجته بعد ان امر الله ورسوله بامساكه اياها والجواب ما هذا اللوجوب واللزوم وانما هو امر للاستحباب { زوجناكها } هلال ذى القعدة سنة اربع من الهجرة على الصحيح وهى بنت خمس وثلاثين سنة والمراد الامر بتزوجها او جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده ما روى انس رضى الله عنه انها كانت تفخر على سائر ازواج النبى عليه السلام وتقول زوجكن اهاليكن وزوجنى الله من فوق سبع سموات: يعنى [سيد عالم از نزول آيت بخانه زينب آمدبى دستورى وزينب كفت يا رسول الله بى خطبه وبى كواه حضرت فرموده كه] (الله المزوج وجبريل الشاهد) وهو من خصائصه عليه السلام واجاز الامام محمد انعقاد النكاح بغير شهود خلافا لهما قاس الامام محمد ذلك بالبيع فان النكاح بيع البضع والثمن المهر فكما ان نفس العقد فى البيع لا يحتاج الى الشهود فكذا فى باب النكاح ونظر الامامان الى المآل فانه اذا لم يكن عند الشهود بدون الاعلان فقد يحمل على الزنى فالنبى عليه السلام شرط ذلك حفظا عن الفسخ وصونا للمؤمنين عن شبهة الزنى
"ـ وروى ـ انها لما اعتدت قال رسول الله لزيد ما اجد احدا اوثق فى نفسى منك اخطب علىّ زينب قال زيد فانطلقت فاذا هى تخمر عجينها فقلت يا زينب ابشرى فان رسول الله يخطبك ففرحت وقالت ما انا بصانعة شيئا حتى اومر من ربى فقامت الى مسجدها ونزل القرآن زوجناكها فتزوجها رسول الله ودخل بها وما اولم على امرأة من نسائه ما اولم عليها ذبح شاة واطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار" وجعل زيد سفيرا فى خطبتها ابتلاء عظيم له وشاهد بين على قوة ايمانه ورسوخه فيه

اعتقاد من جو بيخ سرو دارد محكمى بيش باشد ازهواى عشق وسود انه كمى

{ لكيلا يكون على المؤمنين حرج } اى ضيق ومشقة.
قال فى المفردات اصل الحرج مجتمع الشجر وتصور منه ضيق بينها فقيل للضيق حرج وللاثم حرج واللام فى لكى هى لام كى دخلت على كى للتوكيد.
وقال بعضهم اللام جارة لتعليل التزويج وكى حرف مصدرى كأن { فى ازواج ادعيائهم } فى حق تزوج زوجات الذين دعوهم ابناء والادعياء جمع دعىّ وهو الذى يدعى ابنا من غير ولادة { اذا قضوا منهن وطرا } اى اذا لم يبق لهم فيهن حاجة وطلقوهن وانقضت عدتهن فان لهم فى رسول الله اسوة حسنة. وفيه دليل على ان حكمه عليه السلام وحكم الامة سواء الا ما خصه الدليل.
قال الحسن كانت العرب تظن ان حرمة المتبنى كحرمة الابن فبين الله ان حلائل الادعياء غير محرمة على المتبنى وان اصابوهن اى وطئوهن بخلاف ابن الصلب فان امرأته تحرم بنفس العقد { وكان امر الله } اى ما يريد تكوينه من الامور { مفعولا } مكوّنا لا محالة لا يمكن دفعه ولو كان نبيا كما كان تزويج زينب وكانت كالعارية عند زيد. ولذا قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره فى اعتقادنا ان زينب بكر كعائشة رضى الله عنها لان زيدا كان يعرف انها حق النبى عليه السلام فلم يمسها وذلك مثل آسية وزليخا ولكن عرفان عائشة لا يوصف ويكفينا ان ميلة عليه السلام اليها كان اكثر من غيرها ولم تلد ايضا لانها فوق جميع التعينات وكانت عائشة رضى الله عنها تقول فى حق زينب هى التى كانت تساوينى فى المنزلة عند رسول الله ما رأيت امرأة قط خيرا فى الدين واتقى لله واصدق فى حديث واوصل للرحم واعظم صدقة من زينب [وازبس درويش نواز ومهما ندار وبخشنده بود اورام ام المساكين ميكفتند واول زنى كه بعد ازرسول خدا ازدنيا بيرون شد زينب بود] ماتت بالمدينة سنة عشرين وصلى عليها عمر بن الخطاب رضى الله عنه ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة وابدل الله منها لزيد جارية فى الجنة كما قال عليه السلام
"استقبلتنى جارية لعساء وقد اعجبتنى فقلت لها يا جارية انت لمن قالت لزيد بن حارثة" قوله استقبلتنى اى خرجت من الجنة واستقبلته عليه السلام بعد مجاوزة السماء السابعة ليلة المعراج. واللعس لون الشفة اذا كانت تضرب الى السواد قليلا وذلك مستملح قاله فى الصحاح. وابدى السهيلى حكمة لذكر زيد باسمه فى القرآن وهى انه لما نزل قوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } وصار يقال له زيد بن حارثة ولا يقال له زيد بن محمد ونزع عنه هذا التشريف وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بذكر اسمه فى القرآن دون غيره من الصحابة فصار اسمه يتلى فى المحاريب. وزاد فى الاية ان قال واذ تقول للذى انعم الله عليه اى بالايمان فدل على انه من اهل الجنة علم بذلك قبل ان يموت وهذه فضيلة اخرى. ثم ان هذا الايثار الذى نقل عن زيد انما يتحقق به السالك القوى الاعتقاد الثابت فى طريق الرشاد فانظر الى حال الاصحاب يفتح الله لك الحجاب ـ روى ـ انه عليه السلام آخى بعد الهجرة بين عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وبين سعد بن الربيع من الانصار وعند ذلك قال سعد لعبد الرحمن يا عبد الرحمن انى من اكثر الانصار مالا فانا مقاسمك وعندى امرأتان فانا مطلق احداهما فاذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له بارك الله لك فى اهلك ومالك كما فى انسان العيون ثم دار الزمان فصار كل امر معكوسا فرحم الله امرأ نصب نفسه لرفع البدع والهوى وجانب جر الذيل الى جانب الردى