التفاسير

< >
عرض

ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

روح البيان في تفسير القرآن

{ النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم } يقال فلان اولى بكذا اى احرى واليق: وبالفارسية [سزاوارتر] ـ روى ـ انه عليه السلام اراد غزوة تبوك فامر الناس بالخروج فقال ناس نشاور آباءنا وامهاتنا فنزلت والمعنى النبى عليه السلام احرى واجدر بالمؤمنين من انفسهم فى كل امر من امور الدين والدنيا كما يشهد به الاطلاق على معنى انه لو دعاهم الى شئ ودعتهم نفوسهم الى شئ آخر كان النبى اولى بالاجابة الى ما يدعوهم اليه من اجابة ما تدعوهم اليه نفوسهم لان النبى لا يدعوهم الا الى ما فيه نجاتهم وفوزهم واما نفوسهم فربما تدعوهم الى ما فيه هلاكهم وبوارهم كما قال تعالى حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام { { ان النفس لامارة بالسوء } فيجب ان يكون عليه السلام احب اليهم من انفسهم وامره انفذ عليهم من امرها وآثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه اقدم من شفقتهم عليها وان يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه فى الخطوب والحروب ويتبعوه فى كل ما دعاهم اليه: يعنى [بايدكه فرمان اورا ازهمه فرمانها لازمتر شناسند] وفى الحديث "مثلى ومثلكم كمثل رجل اوقد نارا فجعل الفراش والجنادب" جمع جندب بضم الجيم وفتح الدال وضمها نوع من الجراد. والفراش جمع فراشة بفتح الفاء وهى دويبة تطير وتقع فى النار: وبالفارسية [بروانه] (يقعن فيها وهو يذب عنها) اى يدفع عن النار من الوقوع فيها (وانا آخذ بحجزكم) بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجزة وهى معقد الازار وحجزة السراويل موضع التكة (عن النار) اى ادفع عن نار جهنم (وانتم تفلتون) بتشديد اللام اى تخلصون (من يدى) وتطلبون الوقوع فى النار بترك ما امرته وارتكاب ما نهيته وفى الحديث "ما من مؤمن الا وانا اولى به فى الدنيا والآخرة" اى فى الشفقة (من انفسهم ومن آبائهم) وفى الحديث "لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من نفسه وولده وماله والناس اجمعين"
قال سهل قدس سره من لم ير نفسه فى ملك الرسول ولم ير ولايته عليه فى جميع احواله لم يذق حلاوة سننه بحال

درد وعالم وظاهر اوست دوست دوستئ ديكران بربوى اوست
دوستئ اصل بايد كرد وبس فرع را بهر جه دارد دوست كس
اصل دارى فرع كوهر كزمباش تن بمان وجان بكيراى خواجه تاش

قال فى الاسئلة المقحمة والآية تشير الى ان اتباع الكتاب والسنة اولى من متابعة الآراء والاقيسة حسبما ذهب اليه اهل السنة والجماعة { وازواجه } [وزنان او] { امهاتهم } اى منزلات منازلهن فى وجوب التعظيم والاحترام وتحريم النكاح كما قال تعالى { { ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا } واما فيما عدا ذلك من النظر اليهن والخلوة بهن والمسافرة معهن والميراث فهن كالاجنبيات فلا يحل رؤيتهن كما قال تعالى { واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } ولا الخلوة والمسافرة ولا يرثن المؤمنين ولا يرثونهن. وعن ابى حنيفةرحمه الله كان الناس لعائشة رضى الله عنها محرما فمع ايهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك انتهى وقد سبق وجهه فى سورة النور فى قصة الافك فبان ان معنى هذه الامومة تحريم نكاحهن فقط ولهذا قالت عائشة رضى الله عنها لسنا امهات النساء اى بل امهات الرجال وضعف ما قال بعض المفسرين من انهن امهات المؤمنين والمؤمنات جميعا ولما ثبت التحريم خصوصا لم يتعد الى عشيرتهن فلا يقال لبناتهن اخوات المؤمنين ولا لاخوانهن واخواتهن اخوال المؤمنين وخالاتهم ولهذا قال الشافعى تزوج الزبير اسماء بنت ابى بكر وهى اخت ام المؤمنين ولم يقل هى خالة المؤمنين ثم ان حرمة نكاحهن من احترام النبى عليه السلام واحترامه واجب كذا احترام ورثته الكمل ولذا قال بعض الكبار لا ينكح المريد امرأة شيخه ان طلقها او مات عنها وقس عليه حال كل معلم مع تلميذه وهذا لانه ليس فى هذا النكاح يمن اصلا لا فى الدنيا ولا فى الآخرة وان كان رخصة فى الفتوى ولكن التقوى فوق امر الفتوى فاعرف هذا.
ورد مصحف ابىّ وقرأة ابن مسعود رضى الله عنهما [جنين بوده "وهواب لهم وازواجه امهاتهم" مراد شفقت تمام ورحمت لا كلام است].
وقال بعضهم اى النبى عليه السلام اب لهم فى الدين لان كل نبى اب لامته من حيث انه اصل فيما به الحياة الابدية ولذلك صار المؤمنون اخوة.
قال الامام الراغب الاب الوالد ويسمى كل من كان سببا الى ايجاد شئ او اصلاحه او ظهوره ابا ولذلك سمى النبى عليه السلام ابا للمؤمنين قال الله تعالى { النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم } وفى بعض القراآت وهو "اب لهم" ـ وروى ـ
"انه قال عليه السلام لعلى رضى الله عنه انا وانت ابو هذه الامة" والى هذا اشار بقوله (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى) { واولوا الارحام } اى وذووا القرابات { بعضهم اولى ببعض } فى التوارث كان المسلمون فى صدر الاسلام يتوارثون بالموالاة فى الدين والمؤاخاة وبالهجرة لا بالقرابة كما كانت تولف قلوب قوم باسهام لهم فى الصدقات ثم نسخ ذلك لما قوى الاسلام وعز اهله وجعل التوارث بالقرابة { فى كتاب الله } اى فى اللوح المحفوظ او فى القرآن المنزل وهو هذه الآية او آية المواريث او فيما فرض الله كقوله كتاب الله عليكم وهو متعلق باولوا وافعل يعمل فى الجار والمجرور { من المؤمنين } يعنى الانصار { والمهاجرين } [وازمها جران كه حضرت بيغمبر ايشانرا بايكديكر برادرى داد] وهو بيان لاولى الارحام اى الاقرباء من هؤلاء بعضهم اولى ببعض بان يرث بعضهم بعضا من الاجانب اوصلة اولى اى اولوا الارحام بحق القرابة اولى بالميراث من المؤمنين بحق الولاية فى الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة.
وفى التأويلات النجمية { النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم } اى احق بهم فى توليدهم من صلبه فالنبى بمنزلة ابيهم { وازواجه امهاتهم } يشير الى ان امهاتهم قلوبهم وهن ازواجه يتصرف فى قلوبهم تصرف الذكور فى الاناث بشرط كمال التسليم ليأخذوا من صلب النبوة نطفة الولاية فى ارحام القلوب واذا حملوا النطفة صانوها من الآفات لئلا تسقط بادنى رائحة من روائح حب الدنيا وشهواتها فانها تسقط الجنين فيرتدوا على اعقابهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ثم قال { واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض } يعنى بعد اولوية النبى عليه السلام اولوا الارحام فى الدين بعضهم اولى ببعض للتربية او بعد النبى عليه السلام اكابرهم من المؤمنين الكاملين اولى باصرغرهم من الطالبين { فى كتاب الله } اى فى سنة الله وتقديره للتوالد فى النشأة الثانية نيابة عن النبى عليه السلام { من المؤمنين } بالنشأة الاخرى { والمهاجرين } عما سوى الله انتهى { الا ان تفعلوا الى اوليائكم معروفا } استثناء من اعم ما تقدر الاولوية فيه من النفع كقولك القريب اولى من الاجنبى الا فى الوصية تريد احق منه فى كل نفع من ميراث وهبة وهدية وصدقة وغير ذلك الا فى الوصية فالمراد بالاولياء من يوالونهم ويواخونهم وبفعل المعروف التوصية بثلث المال او اقل منه لا بما زاد عليه اى انهم احقاء فى كل نفع منهم الا فى الوصية لانه لا وصية لوارث ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا اى الاقارب احق بالميراث من الاجانب لكن فعل التوصية اولى للاجانب من الاقارب لانه لا وصية لوارث { كان ذلك } اى ما ذكر فى الآيتين من اولوية النبى عليه السلام وتوارث ذوى الارحام { فى الكتاب } متعلق بقوله { مسطورا } يقال سطر فلان كذا اى كتب سطرا سطرا وهو الصف من الكتابة اى مثبتا محفوظا فى اللوح او مكتوبا فى القرآن.
اعلم انه لا توارث بين المسلم والكافر ولكن صحت الوصية بشئ من مال المسلم للذمى لانه كالمسلم فى المعاملات وصحت بعكسه اى من الذمى للمسلم ولذا ذهب بعضهم الى ان المراد بالاولياء هم الاقارب من غير المسلمين اى الا ان توصوا لذوى قرابتكم بشئ وان كانوا من غير اهل الايمان وذلك فان القريب الغير المسلم يكون كالاجنبى فتصح الوصية له مثله وندبت الوصية عند الجمهور فى وجوه الخير لتدارك التقاصير.
وفى الزاهدى انها مباحة كالوصية للاغنياء من الاجانب ومكروهة كالوصية لاهل المعصية ومستحبة كالوصية بالكفارات وفدية الصيامات والصوات.
وفى الآية اشارة الى ان النفس اذا تزكت عن الاخلاق الذميمة وتبدلت عداوتها وصارت من الاولياء بعد ان كانت من الاعداء فيواسيها ويعمل معها معروفا برفق من الارفاق كان ذلك المعروف فى حق النفس مسطورا فى ام الكتاب واما قبل التزكى فلا يرفق بها لانها عدوة الله ولا بد للعدو من الغلظة وترك المواساة ولهذا لم تصح الوصية للحربى لانه ليس من اهل البر فالوصية لمثله كتربية الحية الضارة لتلدغة: وفى المثنوى

دست ظالم را ببر جه جاى آن كه بدست او نهى حكم وعنان
توبدان بزمانى اى مجهول داد كه نزاد كرك را او شيرداد
نقش بى عهدست كان رو كشتنيست او دنى وقبله كاه اود نيست

ومن الامثال كمجير ام عامر وكان من حديثه ان قوما خرجوا الى الصيد فى يوم حار فبينما هم كذلك اذ عرضت لهم ام عامر وهى الضبع فطردوها حتى الجأوها الى خباء اعرابى فاقتحمت فخرج اليهم الاعرابى فقال ما شأنكم قالوا صيدنا وطريدتنا قال كلا والذى نفسى بيده لا تصلون اليها ما ثبت قائم سيفى بيدى فرجعوا وتركوه فقام الى لقحة فحلبها وقرّب منها ذلك وقرب اليها ماء فاقبلت مرة تلغ من هذا ومرة من هذا حتى عاشت واستراحت فبينما الاعرابى قائم فى جوف بيته اذ وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه وتركته فجاء ابن عم له واذا به على تلك الصورة فالتفت الى موضع الضبع فلم يرها فقام اثرها فقال صاحبتى والله واخذ سيفه وكنانته واتبعها فلم يزل حتى ادركها فقتلها وانشأ يقول

ومن يصنع المعروف مع غير اهله يلاق كما لا فى مجير ام عامر
ادام لها حين استجات بقربة قراها بالبان اللقاح الغزائر
فقل لذوى المعروف هذا جزاء من غدا يصنع المعروف مع غير شاكر

كذا فى حياة الحيوان نسأل الله العناية والتوفيق