التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ
١٨
-سبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجعلنا } عطف على كان لسبأ وهو بيان لما اوتوا من النعم البادية فى مسايرهم ومتاجرهم بعد حكاية ما اوتوا من النعم الحاضرة فى مساكنهم ومحاضرهم وما فعلوا بها من الكفران وما فعل بهم من الجزاء تكملة لقصتهم وانما لم يذكر الكل معا لما فى التثنية والتكرير من زيادة تنبيه وتذكير والمعنى وجعلنا مع ما آتيناهم فى مساكنهم من فنون النعم { بينهم } اى بين بلادهم اليمنية { وبين القرى } الشامية { التى باركنا فيها } [بركت داده ايم دران] يعنى بالمياه والاشجار والثمار والخصب والسعة فى العيش للاعلى والادنى والقرية اسم للموضع الذى يجتمع فيه الناس بلدة كانت او غيرها والمراد هنا فلسطين واريحا واردن ونحوها والبركة ثبوت الخير الالهى فى الشئ والمبارك ما فيه ذلك الخير { قرى ظاهرة } اصل ظهر الشئ ان يحصل على ظهر الارض فلا يخفى وبطن الشئ ان يحصل فى بطنان الارض فيخفى ثم صار مستعملا فى كل ما برز للبصر والبصيرة اى قرى متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهى ظاهرة لا عين اهلها اوراكبة متن الطريق ظاهرة للسابلة غير بعيدة عن مسالكهم حتى تخفى عليهم [ودر عين المعانى آورده كه ازمأرب كه منزل اهل سبابود تاشام جهار هزار وهفتصدديه بود متصل ازسبا تابشام] { وقدرنا فيها السير } [التقدير: اندازه كردن] والسير المضى فى الارض اى جعلنا القرى فى نسبة بعضها الى بعض على مقدار معين يليق بحال ابناء السبيل قيل كان الغادى من قرية يقيل فى الاخرى والرائح منها يبيت فى اخرى الى ان يبلغ الشام لا يحتاج الى حمل ماء وزاد وكل ذلك كان تكيملا لما اوتوا من انواع النعماء وتوافيرا لها فى الحضر والسفر { سيروا فيها } على ارادة القول بلسان المقال والحال فانهم لما مكنوا من السير وسويت لهم اسبابه فكأنهم امرو بذلك واذن لهم فيه اى وقلنا لهم سيروا فى تلك القرى لمصالحكم { ليالى واياما } اى متى شئتم من الليالى والايام حال كونكم { آمنين } اصل الا من طمأنينة النفس وزوال الخوف اى آمنين من كل ما تكرهونه عن الاعداء واللصوص والسباع بسبب كثرة الخلق ومن الجوع والعطش بسبب عمارة المواضع لا يختلف الا من فيها باختلاف الاوقات او سيروا فيها آمنين وان تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالى واياما كثيرة او سيروا فيها ليالى اعماركم وايامها لا تلقون فيها الا الا من لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور وتسوية مباديه واسبابه على الوجه المذكور منزلة امرهم بذلك