التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ
٣٧
-سبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما } [ونيست] { اموالكم ولا اولادكم } كلام مستأنف من جهته تعالى مبالغة فى تحقيق الحق اى وما جماعة اموالكم واولادكم ايها الناس { بالتى } بالجماعة التى فان الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء فى حكم التأنيث او بالخصلة التى فيكون تأنيث الموصول باعتبار تأنيث الصفة المحذوفة { تقربكم عندنا زلفى } نصب مصدرا بتقربكم كانبتكم من الارض نباتا والزلفى والزلفة والقربى والقربة بمعنى واحد.
وقال الاخفش زلفى اسم مصدر كأنه قال بالتى تقربكم عندنا تقريبا { الا من آمن وعمل صالحا } استثناء من مفعول تقربكم اى وما الاموال والاولاد تقرب احدا الا المؤمن الصالح الذى انفق امواله فى سبيل الله وعلم اولاده الخير ورباهم على الصلاح والطاعة او من مبتدأ خبره ما بعده كما فى الكواشى فيكون الاستثناء منقطعا كما فى فتح الرحمن { فاولئك } المؤمنون العاملون ثابت { لهم جزاء الضعف } على ان الجار والمجرور خبر لما بعده والجملة خبر لاولئك واضافة الجزاء الى الضعف من اضافة المصدر الى المفعول اصله فاؤلئك لهم ان يجازوا الضعف ثم جزاء الضعف ثم جزاء الضعف ومعناه ان يضاعف لهم الواحدة من حسناتهم عشرا فما فوقها الى سبعمائة الى ما لا يحصى { بما عملوا } بسبب ما عملوا من الصالحات { وهم فى الغرفات } اى غرفات الجنة وهى قصورها ومنازلها الرفيعة جمع غرفة وهى البيت فوق البناء يعنى كل بناء يكون علو فوق سفل { آمنون } من جميع المكاره والآفات كالموت والهرم والمرض والعدو وغير ذلك.
وفى الآية اشارة الى انه لا تستحق الزلفى عند الله بالمال والاولاد مما زين للناس حبه وحب غير الله يوجب البعد عن الله كما قال صلى الله عليه وسلم
"حبك الشئ يعمى ويصم" يعنى يعميك عن رؤية غيره ويصمك عن دعوة غيره وهذا امارة كمال البعد فان كمال البعد يورث العمى والصمم ولكن من موجبات القربة الاعمال الصالحة والاحوال الصافية والانفاس الزكية بل العناية السابقة والهداية اللاحقة والرعاية الصادقة فاهل هذه الاسباب هم اهل الدرجات والامن من الهجرات والقطيعة واما المنقطعون عن هذه الاسباب المفتخرون بما لا ينفع يوم الحساب وهم اهل الغفلات والدعوى والترهات فلهم الدركات والخوف الغالب فى جميع الحالات: قال الصائب

نميدانند اهل غفلت انجام شراب آخر بآتش مى روند اين غفلان ازراه آب آخر

قال ابراهيم بن ادهم قدس سره لرجل أدرهم فى المنام احب اليك ام دينار فى اليقظة قال دينار فى اليقظة فقال كذبت لان الذى تحبه فى الدنيا كانك تحبه فى المنام والذى لا تحبه فى الآخرة كأنك لا تحبه فى اليقظة.
"ودخل عمر بن الخطاب رضى الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فى داره فوجده فى بيت منخفض السطح وقد اثر فى جنبه الحصير فقال ما هذا قال يا عمر اما تأثير الحصير فى جنبى فحبذا خشونة بعدها لين واما السطح فسطح القبر يكون اخفض من هذا فنحن تركنا الدنيا لاهلها وهم تركوا لنا الآخرة وما مثلى ومثل الدنيا الا كراكب سار فى يوم صائف فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها" فالعاقل من لم يغتر بزينة الدنيا ويسعى الى مرضا المولى

هركه كوته كند بدنيا دست بر بر آرد جو جعفر طيار

فالاولى ان يأخذ الباقى ويترك الفانى ـ حكى ـ ان سلطانا كان يحب واحدا من وزرائه اكثر من غيره فحسدوه وطعنوا فيه فاراد السلطان ان يظهر حقيقة الحال فاضافهم فى دار مزينة بانواع الزينة ثم قال ليأخذ كل منكم ما اعجبه فى الدار فاخذ كل منهم ما اعجبه من الجواهر والمتاع واخذ الوزير المحسود السلطان وقال ما اعجبنى الا انت فالانسان لم يجيئ الى هذه الدار المزينة الا للامتحان فانه كالعروس وهى لا تلتفت الى ما ينثر عليها فان التفتت فمن دناءة الهمة ونقصان العقل فاليوم يوم الفرصة وتدارك الزاد لسفر المعاد

ازرباط تن جو بكذشتى دكر معموره نيست زاد راهى برنمى دارى ازين منزل جرا

نسأل الله سبحانه ان يقطع رجاءنا من غيره مطلقا ويجعل عزمنا اليه صدقا واقبالنا عليه حقا