التفاسير

< >
عرض

وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ
٥٤
-سبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ وحيل بينهم } اى اوقعت الحيلولة والمنع بين هؤلاء الكفار { وبين ما يشتهون } من نفع الايمان والنجاة من النار { كما فعل باشياعهم من قبل } اى باشياعهم من كفرة الامم الماضية { انهم كانوا } فى الدنيا { فى شك } مما وجب به الايمان واليقين كالتوحيد والبعث ونزول العذاب على تقدير الاصرار { مريب } [بتهمت افكنده ودلرا مضطرب سازنده وشوراننده].
قال اهل التفسير مريب موقع لهم فى الريبة والتهمة من ارابه اذا اوقعه فى الريبة او ذى ريبة من اراب الرجل اذا صار ذا ريبة ودخل فيها وكلاهما مجاز فى الاسناد الا ان بينهما فرقا وهو ان المريب من الاول منقول ممن يصلح ان يكون مريبا من الاشخاص والاعيان الى المعنى وهو الشك اى يكون صفة من اوقع فى الريب حقيقة وقد جعل فى الآية صفة نفس الشك الذى هو معنى من المعانى.
والمريب من الثانى منقول من صاحب الشك الى الشك اى انهم كانوا فى شك ذى شك كما تقول شعر شاعر وانما الشاعر فى الحقيقة صاحب الشعر وانما اسند الشاعرية الى الشعر للمبالغة واذا كان حال الكفرة الشك فى الدنيا فلا ينفعهم اليقين فى الآخرة لانه حاصل بعد معاينة العذاب والخروج من موطن التكليف وقد ذموا فى هذه الآيات بالشك والكفر والرجم بالغيب فليس للمرء ان يبادر الى انكار شئ الا بعد العلم اما بالدليل او بالشهود.
قال فى الفتوحات المكية لا يجوز لاحد المبادرة الى الانكار اذا رأى رجلا ينظر الى امرأة فى الطريق مثلا فربما يكون قاصدا خطبتها او طبيبا فلا ينبغى المبادرة للانكار الا فيما لا يتطرق اليه احتمال وهذا يغلط فيه كثير من المذنبين لا من اصحاب الدين لان صاحب الدين اول ما يحتفظ على نفسه ولا سيما فى الانكار خاصة وقد ندبنا الحق الى حسن الظن بالناس لا الى سوء الظن فصاحب الدين لا ينكر قط مع الظن لانه يعلم ان بعض الظن اثم ويقول لعل هذا من ذلك البعض واثمه ان ينطق به وان وافق العلم فى نفس الامر وذلك انه ظن وما علم فنطق فيه بامر محتمل وما كان له ذلك فمعلوم ان سوء الظن بنفس الانسان اولى من سوء ظنه بالغير وذلك لانه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة فلا يقال فى حقه ان فلانا اساء الظن بنفسه بل انه عالم بنفسه وانما عبرنا بسوء الظن بنفسه اتباعا لتعبيرنا بسوء الظن بغيره فهو من تناسب الكلام والى الآن ما رأيت احدا من العلماء استبرأ لدينه هذا الاستبراء فالحمد لله الذى وفقنا لاستعماله انتهى كلام الشيخ فى الفتوحات

هميشه در صدد عيب جوئى خويشيم نبوده ايم بى عيب ديكران هركز

والله الموفق لصالحات الاعمال وحسنات الاخلاق