التفاسير

< >
عرض

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ
١٠
-فاطر

روح البيان في تفسير القرآن

{ من كان } [هركه باشد] { يريد العزة } الشرف والمنعة بالفارسية [ارجمندى].
قال الراغب العز حالة مانعة للانسان من ان يغلب من قولهم ارض عزاز اى صلبة والعزيز الذى يقهر ولا يقهر والعزة يمدح بها تارة كما قال تعالى
{ { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } ويذم بها اخرى كعزة الكافرين وذلك ان العزة التى لله ولرسوله وللمؤمنين هى الدائمة الباقية وهى العزة الحقيقية والعزة التى للكافرين هى التعزز وهو فى الحقيقة ذل والمراد بما فى الآية المشركون المتعززون بعباده الاصنام والمنافقون المتعززون بالمشركين { فلله } وحده لا لغيره { العزة } حال كونها { جميعا } اى عزة الدنيا وعزة الآخرة لا يملك غيره شيئا منها اى فليطلبها من عنده تعالى بطاعته وتقواه لا من عند غيره فاستغنى عن ذكره بذكر دليله ايذانا بان اختصاص العزة به تعالى موجب لتخصيص طلبها به تعالى ونظيره قولك من اراد العلم فهو عند العلماء اى فليطلبه من عندهم لان الشئ لا يطلب الا عند صاحبه ومالكه فقد اقمت الدليل مقام المدلول واثبت العزة فى آية اخرى لله ولرسوله وللمؤمنين وجه الجمع بينهما ان عز الربوبية والالهية لله تعالى وصفا وعز الرسول وعز المؤمنين له فعلا ومنة وفضلا فاذا العزة لله جميعا.
قال الكاشفى [وبعزة او رسول ومؤمنان متعززند عزت در موافقت اوست ومذلت در مخالفت او]

عزيزى كه هركه از درش سربتافت بهر دركه شد هيج عزت نيافت

وفى الحديث "ان ربكم يقول كل يوم انا العزيز فمن اراد عز الدارين فليطع العزيز" ثم بين ما يطلب به العزة وهو الايمان والعمل الصالح فقال { اليه يصعد الكلم الطيب } الضمير الى الله تعالى وهو الظاهر. والصعود الذهاب فى المكان العالى استعير لما يصل من العبد الى الله كما استعير النزول لما يصل من الله الى العبد. والكلم بكسر اللام جنس كنمر كما ذهب اليه الجمهور ولذا وصف بالمذكر لا جمع كلمة كما ذهب اليه البعض واصل الطيب الذى به يطلب العزة لا الى الملائكة الموكلين باعمال العباد فقط وهو يعز صاحبه ويعطى مطلوبه بالذات.
وقال بعضهم الكلم يتناول الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن والذكر من قوله
"سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر" ونحو ذلك مما كان كلاما طيبا.
وقيل اليه يصعد اى الى سمائه ومحل قبوله وحيث يكتب الاعمال المقبولة لا الى الله كما قال
{ { ان كتاب الابرار لفى عليين } وقال الخليل { { انى ذاهب الى ربى سيهدين } اى ذاهب الى الشام الذى امرنى بالذهاب اليه.
فالظاهر ان الكتبة يصعدون بصحيفته الى حيث امر الله ان توضع او يصعد هو بنفسه.
قال بعض الكبار بعض الاعمال ينتهى الى سدرة المنتهى وبعضها يتعدى الى الجنة وبعضها الى العرض وبعضها يتجاوز العرش الى عالم المثال وقد يتعدى من عالم المثال الى اللوح ثم الى المقام القلمى ثم الى العماء وذلك بحسب تفاوت مراتب العمال فى الصدق والاخلاص وصحة التصور والشهود والعيان. فعلى هذا فبعض الاعمال يتجاوز السماء وعالم الاجسام كلها فيكون محل قبوله ما فوقها مما ذكر فسدر الانتهاآت اذا كثيرة بعضها فوق بعض الى مرتبة العماء نسأل الله قبول الاعمال وصحت توجه البال وقوة الحال { والعمل الصالح يرفعه } الرفع يقال تارة فى الاجسام الموضوعة اذا اعليتها عن مقرها وتارة فى البناء اذا طولته وتارة فى الذكر اذا نوهته وتارة فى المنزلة اذا شرفتها كما فى المفردات.
وفى مرجع المستكن فى يرفعه وجوه. الاول انه للكلم فان العمل لا يقبل الا بالتوحيد ويؤيده القراءة بنصب العمل يعنى ان التوحيد يصعد بنفسه ويرفع العمل الصالح بان يكون سببا لقبوله ألا ترى ان اعمال الكفار مردودة محبطة لوجود الشرك. والثانى انه للعمل فانه يحقق الايمان ويقويه ولا ينال الدرجات العالية الا به كما فى الارشاد.
قال الشيخ التوحيد انما قبل بسبب الطاعة اذ هو مع العصيان لا ينفع اى لا يمنع العقاب والاولى ما فى الارشاد فان الاعمال كالمراقى وقول بلا عمل كثريد بلا دسم وسحاب بلا مطر وقوس بلا وتر.
وقال الكاشفى فى الآية [وعمل شايسته برميدارد آنرا وبمحل قبول ميرساند جه مجرد قول بى عمل صالح كه اخلاصست نافع نيست. يا كلم طيب دعاست وعمل صالح صدقه مساكين ودر غالب اجابت دعوات بتصدقاتست. يا كلم طيب دعاى ائمه است وعمل تأمين جماعتيان. يا كلم تكبير غزاست وعمل شمشير زدن. يا كلم استغفاراست وعمل ندم ودرين همه صور بردارنده كلمه عمل است]. والثالث انه لله تعالى يعنى يتقبله.
قال ابن عطية وهذا ارجح الاقوال وتخصيص العمل بهذا الشرف على هذا الوجه لما فيه من الكلفة.
وقال فى حل الرموز قالوا كلمة "لا اله الا الله محمد رسول الله" تصعد الى الله بنفسها وغيرها من الاذكار والاعمال ترفعها الملائكة كما قال تعالى { والعمل الصالح يرفعه } اى يرفعه الحق ويقبله على ايدى الملائكة من الحفظة والسفرة وقد روى ان دعوة اليتيم وكذا دعوة المظلوم تصعد الى الله بنفسها اى من غير ملائكة.
وفيه معنى آخر وهو ان يرفعه بمعنى يجعله ذا قدر وقيمة مثل ثوب رفيع ومرتفع: يعنى [قدر ومرتبه او رفيع سازد مراد عمل موحد مخلص است كه هيج جيزى بقيمت آن نيست وكاريرا كه بآن آميخته باشد ازهمه جيزى خوارتر وبى مقدار تراست]

كرت بيخ اخلاص در بوم نيست ازين در كسى جون تومحروم نيست
زر قلب آلوده بى قيمت است زريرا كه خالص بود حرمت است

وفى التأويلات النجمية بقوله { من كان يريد العزة } يشير الى ان الانسان خلق ذليلا مهينا محتاجا الى كل شئ ولا يحتاج شئ الى شئ كاحتياج الانسان الى الاشياء كلها ولا يحتاج الى كل شئ الا الانسان والذلة قرين الحاجة فمن ازدادت حاجته ازدادت مذلته { فلله العزة جميعا } لعدم احتياجه وكل شئ ذليل له لاحتياجه اليه فكلما كان احتياج الانسان كاملا كان ذله كاملا فقال تعالى من كان الى آخره اى لا يطلب العزة من غير الله لانه ذليل ايضا لله فبقدر قطع النظر عن الاشياء وطلب العزة منها تنقص ذلة العبد وتزيد عزته الى ان لا يبقى له الاحتياج الى غير الله ولا يزول الاحتياج والافتقار الى غير الله من القلوب الا بنفى لا اله واثبات الا الله فبالنفى تنقطع تعلقاته عن الكونين وبالاثبات يتوجه بالكلية الى الحق تعالى فاذا لم يبق له تعلق ترجع حقيقة الكلمة الى الحضرة كما ان النار تستنزل من الفلك الاثير باصطكاك الحجر والحديد ثم يوقد بها شجرة فالنار تأكل الشجرة وتفنيها من الحطبية وتبقيها بالنارية الى ان تفنى الشجرة بالكلية فلما لم يبق من وجود الحطب شئ ترجع النار الى الاثير وهذا سر قول الله { اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } والعمل الصالح هو اركان الشريعة فاول ركن منها كمال استنزال نار نور الله من اثير الحضرة باصطكاك حديد "لا اله الا الله" وحجر القلب القاسى فلما وقعت النار فى شجرة الوجود الانسانى عمل العبد بركن من الاركان الخمسة التى بنى الاسلام عليها والاركان الاربعة الباقية هى العمل الصالح الذى يقلع اصل الشجرة من ارض الدنيا ويقطعها قطعا تستعد به لقبولها النار واشتعالها بالنار واحتراقها بها لتقع النار الى ان تحترق الشجرة بالكلية وترفع بالعبور عن الشجرة الى اثير الحضرة ولما كانت الشجرة مشتعلة بتلك النار آنس موسى عليه السلام من جانب الطور نارا فلما اتاها نودى من شاطئ الوادى الايمن فى البقعة المباركة من الشجرة على لسان الشعلة { { انى انا الله رب العالمين } تأمله تفهم ان شاء الله تعالى { والذين يمكرون السيئات } المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة.
وفى القاموس المكر الخديعة وهذا بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيئ واهلهما بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح وانتصاب السيآت على انها صفة للمصدر المحذوف فان يمكر لازم لا ينصب المفعول به اى يمكرون المكرات السيآت وهى مكرات قريش بالنبى عليه السلام فى دار الندوة وتدارؤهم الرأى فى احدى الثلاث التى هى الاثبات والقتل والاخراج كما حكى الله عنهم فى سورة الانفال بقوله
{ { واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك } { لهم } بسبب مكراتهم { عذاب شديد } فى الدنيا والآخرة لا يدرك غايته ولا يبالى عنده بما يمكرون به { ومكر اولئك } المفسدين الذين ارادوا ان يمكروا به عليه السلام. وضع اسم الاشارة موضع ضميرهم للايذان بكمال تميزهم بما هم فيه من الشر والفساد عن سائر المفسدين واشتهارهم بذلك { هو } خاصة دون مكر الله بهم.
وفى الارشاد لا من مكروا به { يبور } يهلك ويفسد فان البوار فرط المكساد ولما كان فرط الكساد يؤدى الى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك والفساد ولقد ابارهم الله تعالى ابارة بعد ابارة مكراتهم حيث اخرجهم من مكة وقتلهم واثبتهم فى قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التى اكتفوا فى حقه عليه السلام بواحدة منهن قل كل يعمل على شاكلته.
فللمكر السيئ قوم اشقياء غاية امرهم الهلاك وللكلم الطيب والعمل الصالح قوم سعداء نهاية شانهم النجاة.
قال مجاهد وشهر بن حوشب المراد بالآية اصحاب الرياء.
وفى التأويلات النجمية بقوله { والذين يمكرون السيئات } يشير الى الذين يظهرون الحسنات بالمكر ويخفون السيآت من العقائد الفاسدة ليحسبهم الخلق من الصالحين الصادقين { لهم عذاب شديد } وشدة عذابهم فى تضعيف عذابهم فانهم يعذبون بالسيآت التى يخفونها ويضاعف لهم العذاب بمكرهم فى اظهار الحسنات دون حقيقتها كما قال تعالى { ومكر اولئك هو يبور } اى مكرهم يبوّرهم ويهلكهم انتهى وانما تظهر الكرامات بصدق المعاملات.
قال ابو يزيد البسطامى قدس سره [كفت شبى خانه روشن كشت كفتم اكر شيطانست من ازان عزيز ترم وبلند همت كه اورا در من طمع افتد واكر ازنزديك تست بكذار تا ازسراى خدمت بسراى كرامت رسم] فالخدمة فى طريق الحق بالخلوص وسيلة الى ظهور الانوار وانكشاف الاسرار.
وقد قيل ليس الايمان بالتمنى يعنى لا بد للتصديق من مقارنة العمل ولا بد لتحقيق التصديق من صدق المعاملة فمن وقع فى التمنى المجرد فقد اشتهى جريان السفينة فى البر

كر همه علم عالمت باشد بى عمل مدعى وكذابى

حفظنا الله واياكم من ترك المحافظة على الشرائع والاحكام وشرفنا بمراعاة الحدود والآداب فى كل فعل وكلام انه ميسر كل مراد ومرام