التفاسير

< >
عرض

وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ
٢٢
-فاطر

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما يستوى الاحياء ولا الاموات } تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين ابلغ من الاول ولذلك كرر الفعل واوثرت صيغة الجمع فى الطرفين تحقيقا للتباين بين افراد الفريقين والحى ما به القوة الحساسة والميت ما زال عنه ذلك وجه التمثيل ان المؤمن منتفع بحياته اذ ظاهره ذكر وباطنه فكر دون الكافر اذ ظاهره عاطل وباطنه باطل.
وقال بعض العلماء هو تمثيل للعلماء والجهال وتشبيه الجهلة بالاموات شائع ومنه قوله

لا تعجبن الجهول خلته فانه الميت ثوبه كفن

لان الحياة المعتبرة هى حياة الارواح والقلوب وذلك بالحكم والمغارف ولا عبرة بحياة الاجساد بدونها لاشتراك البهائم فيها.
قال بعض الكبار الاحياء عند التحقيق هم الواصلون بالفناء التام الى الحياة الحقيقية وهم الذين ماتوا بالاختيار قبل ان يموتوا بالاضطرار ومعنى موتهم افناء افعالهم وصفاتهم وذواتهم فى افعال الحق وصفاته وذاته وازالة وجودياتهم بالكلية طبيعة ونفسا واليه الاشارة بقوله عليه السلام "من اراد ان ينظر الى ميت متحرك فلينظر الى ابى بكر" فالحياة المعنوية لا يطرأ عليها الفناء بخلاف الحياة الصورية فانها تزول بالموت فطوبى لاهل الحياة الباقية وللمقارنين بهم والآخذين عنهم.
قال ابراهيم الهروى كنت بمجلس ابى يزيد البسطامى قدس سره فقال بعضهم ان فلانا اخذ العلم من فلان قال ابو يزيد المساكين اخذوا العلوم من الموتى ونحن اخذنا العلم من حى لا يموت وهو العلم اللدنى الذى يحصل من طريق الالهام بدون تطلب وتكلف: قال الشيخ سعدى قدس سره

نه مردم همين استخوانند وبوست نه هر صورتى جان ومعنى دروست
نه سلطان خريدار هربنده ايست نه در زير هر زندة زنده ايست

{ ان الله يسمع } كلامه اسماع فهم واتعاظ وذلك باحياء القلب { من يشاء } ان يسمعه فينتفع بانذارك { وما انت بمسمع من فى القبور } جمع قبر وهو مقر الميت وقبرته جعلته فى القبر. وهذا الكلام ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالاموات واشباع فى اقناطه عليه السلام من ايمانهم وترشيح الاستعارة اقترانها بما يلائم المستعار منه شبه الله تعالى من طبع على قلبه بالموتى فى عدم القدرة على الاجابة فكما لا يسمع اصحاب القبور ولا يجيبون كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق