التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٣٢
-فاطر

روح البيان في تفسير القرآن

{ ثم } للترتيب والتأخير اى بعدما اوحينا اليك او بعد كتب الاولين كما دل ما قبله على كل منهما.
وسئل الثورى على ماذا عطف بقوله ثم قال على ارادة الازل والامر المقضى اى بعد ما اردنا فى الازل { اورثنا الكتاب } اى ملكنا بعظمتنا ملكا تاما واعطينا هذا القرآن عطاء لا رجوع فيه.
قال الراغب الوراثة انتقال قينة اليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجرى مجرى العقد وسمى بذلك المنتقل عن الميت ويقال لكل من حصل له شئ من غير تعب قد ورث كذا انتهى.
وسيأتى بيانه { الذين اصطفينا من عبادنا } الموصول مع صلته مفعول ثان لا ورثنا. والاصطفاء فى الاصل تناول صفو الشئ بالفارسية [بركزيدن وعباد اينجا بموضع كرامت است اكرجه كه نسبت عبوديت آدمرا حقيقت است] كما فى كشف الاسرار والمعنى بالفارسية [آنا نراكه بركزيديم از بندكان ما "وهم الامة باسرهم" زيرا آن روز كه اين آيت آمد مصطفى عليه السلام سخت شاد شد وازشادى كه بوى رسيد سه بار بكفت] امتى ورب الكعبة والله تعالى اصطفاهم على سائر الامم كما اصطفى رسولهم على جميع الرسل وكتابهم على كل الكتب وهذا الايراث للمجموع لا يقتضى الاختصاص بمن يحفظ جميع القرآن بل يشمل من يحفظ منه جزأ ولو انه الفاتحة فان الصحابة رضى الله عنهم لم يكن واحد منهم يحفظ جميع القرآن ونحن على القطع بانهم مصطفون كما فى المناسبات.
قال الكاشفى [عطارا ميراث خواند جه ميراث مالى باشد كه بى تعب طلب بدست آيد همجنين عطية قرآن بى جست وجوى مؤمنان بمحض عنايت ملك منان بديشان رسيد وبيكانكان را در ميراث دخل نيست دشمنان نيز وبهرهاى اهل قرآن متفاوتست هركس بقدر استحاق واندازة استعداد خود از حقائق قرآن بهره مند شوند]

زين بزم يكى جرعه طلب كرد يكى جام

وفى التأويلات النجمية انما ذكر بلفظ الميراث لان الميراث يقتضى صحة النسب او صحة السبب على وجه مخصوص فمن لا سبب له ولا نسب له فلا ميراث له فالسبب ههنا طاعة العبد والنسب فضل الرب فاهل الطاعة هم اهل الجنة كما قال تعالى { { اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس } فهو ورثوا الجنة بسبب الطاعة واصل وراثتهم بالسببية المبايعة التى جرت بينهم وبين الله بقوله { { ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة } فهؤلاء اطاعوا الله بانفسهم واموالهم فادخلهم الله الجنة جزاء بما كانوا يعملون واهل الفضل هم اهل الله وفضله معهم بان اورثهم المحبة والمعرفة والقربة كما قال { { يحبهم ويحبونه } الآية.
ولما كانت الوراثة بالسبب والنسب وكان السبب جنسا واحدا كالزوجة وهما صاحبا الفرض وكان النسب من جنسين الاصول كالآباء والامهات والفروع كل ما يتولد من الاصول كالاولاد والاخوة والاخوات واولادهم والاعمام واولادهم وهم صاحب فرض وعصبية فصار مجموع الورثة ثلاثة اصناف صنف صاحب الفرض بالسبب وصنف صاحب الفرض بالنسب وصنف صاحب الباقى وهم العصبة كذلك الورثة ههنا ثلاثة اصناف كما قال تعالى { فمنهم } اى من الذين اصطفينا من عبادنا { ظالم لنفسه } فى العمل بالكتاب وهو المرجأ لامر الله الى الموقوف امره لامر الله اما يعذبه واما يتوب عليه وذلك لانه ليس من ضرورة وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله تعالى
{ { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا } } الآية ولا من ضرورة الاصطفاء المنع عن الوصف بالظلم هذا آدم عليه السلام اصطفاه الله كما قال { { ان الله اصطفى آدم } وهو القائل { { ربنا ظلمنا انفسنا } الآية.
سئل ابو يزيد البسطامى قدس سره أيعصى العارف الذى هو من اهل الكشف فقال نعم
{ { وكان امر الله قدرا مقدورا } يعنى ان كان الحق قدر عليه فى سابق علمه شيئا فلا بد من وقوعه.
واعلم ان الظلم ثلاثة. ظلم بين الانسان وبين الله واعظمه الكفر والشرك والنفاق وظلم بينه وبين الناس. وظلم بينه وبين نفسه وهو المراد بما فى الآية كما فى المفردات.
وتقديم الظلم بالذكر لا يدل على تقديمه فى الدرجة لقوله تعالى
{ { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } كما فى الاسئلة المقحمة.
وقال بعضهم قدم الظالم لكثرة الفاسقين ولان الظلم بمعنى الجهل والركون الى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان.
وقال ابو الليث الحكمة فى تقديم الظالم وتأخير السابق كى لا يعجب السابق بنفسه ولا ييأس الظالم من رحمة الله يعنى [ابتداء بظالم كرد تاشرم زده نكردند وبرحمت بى غايت او اميدوار باشند]

نيايد از من آلوده طاعت خالص ولى برحمت وفضلت اميدوارى هست

وقال القشيرى فى الارث يبدأ بصاحب الفرض وان قل نصيبه فكذا ههنا بدأ بالظالم ونصيبه اقل من نصيب الآخرين [وكفته اند تقديم ظالم ازروى فضلست وتأخيرش ازراه عدل وحق سبحانه فضل را ازعدل دوستر دارد وتأخير سابق جهت آنست كه تابثواب كه دخول جنانست اقرب باشد يا بجهت آنكه اعتماد بر عمل خود نكند وبطاعت معجب نكردد كه عجب آتشيست كه جون برافروخته شود هزارخر من عبادت بدو سوخته شود]

اى بسر عجب آتشى عجبست كرم ساز تنور بو لهبست
هركجا شعلة ازو افروخت هرجه از علم وزهد ديد بسوخت

{ ومنهم مقتصد } يعمل بالكتاب فى اغلب الاوقات ولا يخلو من خلط الشئ: وبالفارسية [وهست از ايشان كه راه ميان رفت نه هنر سابقان ونه تفريط ظالمان] فان الاقتصاد بالفارسية [ميان رفتن دركار] وانما قال مقتصد بصيغة الافتعال لان ترك الانسان للظلم فى غاية الصعوبة { ومنهم سابق } اصل السبق التقدم فى السير ويستعار لاحراز الفضل فالمعنى متقدم الى ثواب الله وجنته ورحمته { بالخيرات } بالاعمال الصالحة بضم التعليم والارشاد الى العلم والعمل والخير ما يرغب فيه الكل كالعقل والعدل والفضل والشئ النافع وضده الشر.
قال بعض الكبار وهذه الخيرات على قسمين. قسم من كسب العبد بتقديم الخيرات. وقسم من فضل الرب بتواتر الجذبات الى ان يسبق على الظالم لنفسه وعلى المقتصد بالسير بالله فى الله وان كان مسبوقا بالذكر فى الاخير كما كان حال النبى عليه السلام مسبوقا بالخروج فى آخر الزمان للرسالة سابقا بالرجوع الى الحضرة ليلة المعراج على جميع الانبياء والرسل كما اخبر عن حال نفسه وحال سابقى امته بقوله
"نحن الآخرون السابقون" اى الآخرون خروجا فى عالم الصورة السابقون وصولا الى عالم الحقيقة.
وعن جعفر الصادق رضى الله عنه بدأ بالظالمين اخبارا انه لا يتقرب اليه الا بكرمه وان الظلم لا يؤثر فى الاصطفاء ثم ثنى بالمقتصدين لانهم بين الخوف والرجاء ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن احد مكره وكلهم فى الجنة بحرمة كلمة الاخلاص.
وقد روى ان عمر رضى الله عنه قال على المنبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له"
وقال ابو بكر بن الوراق رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس لان احوال العبد ثلاث معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة فاذا عصى دخل فى حيز الظالمين واذا تاب دخل فى جملة المقتصدين واذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل فى عداد السابقين. والسابق على ضربين سابق ولد سابقا وعاش سابقا ومات سابقا وسابق ولد سابقا وعاش ظالما ومات سابقا فاسم الظالم عليهم عارية اذا ولدوا سابقين وماتوا سابقين ولا عبرة بالظلم العارض بل العبرة بالازل والابد لا بالبرزخ بينهما فاما من ولد ظالما وعاش ظالما ومات ظالما من هذه الامة فهو من اهل الكبائر الذين قال النبى عليه السلام فيهم "شفاعتى لاهل الكبائر من امتى"
فعلى هذا المقتصد من مات على التوبة والسابق من عاش فى الطاعة ومات فى الطاعة. او السابق هو الذى ترجحت حسناته بحيث صارت سيآته مكفرة وهو معنى قوله عليه السلام "اما الذين سبقوا فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب" . واما المقتصد فاولئك يحاسبون حسابا يسيرا. واما الذين ظلموا فاولئك يحبسون فى طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته.
وههنا مقالات اخر كثيرة ذكرنا بعضها منها على ترتيب الآية وهو ان المراد بالطوائف الثلاث التالى للقرآن تلاوة مجردة والقارئ له العامل به والقارئ العامل بما فيه والمعلم له. او من استغنى بماله ومن استغنى بدينه ومن استغنى بربه. او الذى يدخل المسجد وقد اقيمت الصلاة والذى يدخله وقد اذن والذى يدخله قبل تأذين المؤذن وانما كان الاول ظالما لانه نقص نفس الاجر فلم يحصل لها ما حصل لغيرها. او الذى يعبد الله على الغفلة والعادة والذى يعبده على الرغبة والرهبة والذى يعبده على الهيبة. او الذى شغله معاشه عن معاده والذى اشتغل بالمعاش والمعاد جميعا والذى شغله معاده عن معاشه. او من يرتكب المعاصى غير مستحل لها ولا جاحد تحريمها ومن لا يزيد من الطاعات على الفرائض والواجبات ومن يكثر الطاعات ويبلغ النهاية فيها مع اجتناب المعاصى. او من هو معذب ناج ومن هو معاتب ناج ومن هو مقرب ناج. او الذى ترك الحرام والذى ترك الشبهة والذى ترك الفضل فى الجملة. او الذى رجحت سيآته والذى ساوت حسناته سيآته والذى رجحت حسناته. اومن ظاهره خير من باطنه ومن استوى ظاهره وباطنه ومن باطنه خير من ظاهره. او من اسلم بعد فتح مكة ومن اسلم بعد الهجرة قبل الفتح ومن اسلم قبل الهجرة. او اهل البدو: يعنى [اهل باديه كه نه كمر جهاد بندند ونه دولت جاعت يابند] واهل الحضر اى الامصار وهم اصحاب الجماعات والجمعات واهل الجهاد فى سبيل الله. او من لا يبالى من اين اخذ من الحلال او الحرام ومن اخذ من الحلال ومن ترك الدنيا لما انه فى حلالها حساب وفى حرامها عذاب. او الذى يطلب فوق القوت والكفاف والذى يطلب القوت لا الزيادة عليه والذى يتوكل على الله ويجعل جميع جهده فى طاعته. او الذى يدخل الجنة بشفاعة الشافعين والذى يدخلها برحمة الله وفضله والذى ينجو بنفسه وينجو غيره بشفاعته. او الذى يضيع العمر فى الشهوة والمعصية والذى يحارب فيهما والذى يجتهد فى الزلات لان محاربة الصديقين فى الزلات ومحاربة الزاهدين فى الشهوات ومحاربة التائبين فى الموبقات. او من يطلب الدنيا تمتعا ومن يطلبها تلذذا ومن يتركها تزاهدا. او الذى يطلب ما لم يؤمر بطلبه وهو الرزق والذى يطلب ما امر به وما لم يؤمر به والذى يطلب مرضاة الله ومحبته. او اصحاب الكبائر وارباب الصغائر والمجتنب عنهما جميعا فهذا القائل انما حمل الامر على اشده. او من يشتغل بعيب غيره ولا يصلح عيب نفسه ومن يطلب عيب نفسه ويطمع فى عيب غيره ايضا ومن يشتغل بعيب نفسه ولا يطلب عيب غيره اصلا. او الجاهل والمتعلم والعالم [يا آنكه انصاف ستاند وندهد وآنكه همم ستاند وهمم دهد وآنكه او دهد ونستاند يا طالب نجات ودرجات ومناجات يا ناظر ازخود بخود ونكرنده ازخود باخرت وناظر ازحق بحق يا آنكه بيوسته در خواب غفلت باشد وآنكه كاهى بيدار كردد وآنكه هميشه بيدار بود]. او الزاهد لانه ظلم نفسه بترك حظه من الدنيا والعارف والمحب. او الذى يجزع عند البلاء والصابر على البلاء والمتلذذ بالبلاء. او من ركن الى الدنيا ومن ركن الى العقبى ومن ركن الى المولى

نعيم هردو جهان ميكنند برما عرض دل ازميانه تمنا ندارد الا دوست

او من جاد بنفسه ومن جاد بقلبه ومن جاد بروحه. او من له علم اليقين ومن له عين اليقين ومن له حق اليقين. او الذى يحب الله لنفسه والذى يحبه له والذى اسقط عنه مراده لمراد الحق لم ير لنفسه طلبا ولا مرادا لغلبة سلطان الحق عليه. او من يراه فى الآخرة بمقدار ايام الدنيا فى كل جمعة مرة ومن يراه فى كل يوم مرة ومن هو غير محجوب عنه ولو ساعة. او من هو فى ميدان العلم ومن هو فى ميدان المعرفة ومن هو فى ميدان الوجد. او السالك والمجذوب والمجذوب السالك فالسالك هو المتقرب والمجذوب هو المقرب والمجذوب السالك هو المستهلك فى كمالات القرب الفانى عن نفسه الباقى بربه. او من هو مضروب بسوط الامل مقتول بسيف الحرص مضطجع على باب الرجاء ومن هو مضروب بسوط الحسرة مقتول بسيف الندامة مضطجع على باب الكرم ومن هو مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الهيبة

اكر عاشقى خواهى آموختى بكشتن فرج يابى از سوختن
مكن كريه بركور مقتول دوست قل الحمد لله كه مقبول اوست

فالظالم على هذه الاقاويل كلها هو المؤمن.
واما قول من قال الظالم لنفسه آدم عليه السلام والمقتصد ابراهيم عليه السلام والسابق محمد عليه السلام ففيه ان الآية فى حق هذه الامة الا ان يعاد الضمير فى قوله منهم الى العباد مطلقا.
فان قلت هل يقال ان آدم ظلم نفسه.
قلت هو قد اعترف بالظلم لنفسه فى قوله
{ { ربنا ظلمنا انفسنا } وان كان الادب الامساك عن مثل هذا المقال فى حقه وان كان له وجه فى الجملة كما قال الراغب الظلم يقال فى مجاوزة الحق الذى يجرى مجرى نقطة الدائرة ويقال فيما يقل ويكثر من التجاوز ولهذا يستعمل فى الذنب الكبير والصغير ولذلك قيل لآدم ظالم فى تعديه ولا بليس ظالم وان كان بين الظلمين بون بعيد انتهى.
{ باذن الله } جعله فى كشف الاسرار متعلقا بالاصناف الثلاثة على معنى ظلم الظالم وقصد المقتصد وسبق السابق بعلم الله وارادته. والظاهر تعلقه بالسابق كما ذهب اليه اجلاء المفسرين على معنى بتيسيره وتوفيقه وتمكينه من فعل الخير لا باستقلاله.
وفيه تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأخذها.
قال القشيرى قدس سره كأنه قال يا ظالم ارفع رأسك فانك وان ظلمت فما ظلمت الا نفسك ويا سابق اخفض رأسك فانك وان سبقت فما سبقت الا بتوفيقى { ذلك } السبق بالخيرات { هو الفضل الكبير } من الله الكبير لا ينال الا بتوفيقه او ذلك الا يراث والاختيار فيكون بالنظر الى جمع المؤمنين من الامة وكونه فضلا لان القرآن افضل الكتب الالهية وهذه الامة المرحومة افضل جميع الامم السابقة.
وفى التأويلات النجمية اى الذى ذكر من الظالم مع السابق فى الايراث والاصطفاء ودخول الجنة ومن دقائق حكمته انه تعالى ما قال فى هذا المعرض الفضل العظيم لان الفضل العظيم فى حق الظالم ان يجمعه مع السابق فى الفضل والمقام كما جمعه معه فى الذكر