التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٣٣
-فاطر

روح البيان في تفسير القرآن

{ جنات عدن } يقال عدن بمكان كذا اذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر كما فى المفردات اى بساتين استقرار وثبات واقامة بلا رحيل لانه لا سبب للرحيل عنها وهو اما بدل من الفضل الكبير بتنزيل السبب منزلة المسبب او مبتدأ خبره قوله تعالى { يدخلونها } جمع الضمير لان المراد بالسابق الجنس وتخصيص حال السابقين ومالهم بالذكر والسكوت عن الفريقين الآخرين وان لم يدل على حرمانهما من دخول الجنة مطلقا لكن فيه تحذير لهما من التقصير وتحريض على السعى فى ادراك شئون السابقين.
وقال بعضهم المراد بالاصناف الثلاثة الكافر والمنافق والمؤمن او اصحاب المشأمة واصحاب الميمنة ومن اريد بقوله تعالى
{ { السابقون السابقون } او المنافقون والمتابعون بالاحسان واصحاب النبى عليه السلام او من يعطى كتابه وراء ظهره ومن يعطى كتابه بشماله ومن يعطى كتابه بيمينه.
فعلى هذه الاقوال لا يدخل الظالم فى الجنات لكونه غير مؤمن وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء فى الخلقة وارسال الرسول اليهم وانزال الكتاب والاول هو الاصح وعليه عامة اهل العلم كما فى كشف الاسرار.
قال ابو الليث فى تفسير اول الآية واخرها دليل على ان الاصناف الثلاثة كلهم مؤمنون.
فاما اول الآية فقوله { ثم اورثنا الكتاب } فاخبر انه اعطى الكتاب لهؤلاء الثلاثة.
واما آخر الآية فقوله { يدخلونها } اذ لم يقل يدخلانها ـ وروى ـ عن كعب الاحبار انه قيل له ما منعك ان تسلم على يدى رسول الله عليه السلام قال كان ابى مكننى من جميع التوراة الا ورقات منعنى ان انظر فيها فخرج ابى يوما لحاجة فنظرت فيها فوجدت فيها نعت امة محمد وان يجعلهم الله يوم القيامة ثلاثة اثلاث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ويدخلون الجنة وثلث تشفع لهم الملائكة والنبيون فاسلمت وقلت لعلى اكون من الصنف الاول وان لم اكن من الصنف الثانى او من الصنف الثالث فلما قرأت القرآن وجدتها فى القرآن وهو قوله تعالى
{ { ثم اورثنا الكتاب } الى قوله { يدخلونها }.
وفى التأويلات النجمية لما ذكرهم اصنافا ثلاثة رتبها ولما ذكر حديث الجنة والتنعم والتزين فيها ذكرهم على الجمع { جنات عدن } الآية نبه على ان دخولهم الجنة لا باستحقاق بل بفضله وليس فى الفضل تميز فيما يتعلق بالنعمة دون ما يتعلق بالمنعم لان فى الخبر
"ان من اهل الجنة من يرى الله سبحانه فى كل جمعة بمقدار ايام الدنيا مرة ومنهم من يراه فى كل يوم مرة ومنهم من هو غير محجوب عنه لحظة" كما سبق { يحلون } [التحلية: بازيور كردن] اى يلبسون على سبيل التزين والتحلى نساء ورجالا خبر ثان او حال مقدرة { فيها } اى فى تلك الجنات { من اساور من ذهب } من الاولى تبعيضية والثانية بيانية. واساور جمع اسورة وهو جمع سوار مثل كتاب وغراب معرب "دستواره" والمعنى يحلون بعض اساور من ذهب لانه افضل من سائر افرادها اى بعضا سابقا لسائر الابعاض كما سبق المسورون به غيرهم وقال فى سورة هل اتى { { وحلوا اساور من فضة } قيل يجمع لهم الذهب والفضة جميعا وهو اجمل او بعضهم يحلون بالذهب وهم المقربون وبعضهم يحلون بالفضة وهم الابرار { ولؤلؤا } بالنصب عطفا على محل من اساور. واللؤلؤ الدر سمى بذل لتلألئه ولمعانه والمعنى ويحلون لؤلؤا.
قال الكاشفى [جنانكه بادشاهان عجم].
وقرئ بالجر عطفا على ذهب اى من ذهب مرصع باللؤلؤ ومن ذهب فى صفاء اللؤلؤ وذلك لانه لم يعهد الاسورة من نفس اللؤلؤ الا ان تكون بطريق النظم فى السلك.
وقال فى بحر العلوم عطف على ذهب فانهم يسورون بالجنسين اساور من ذهب ومن لؤلؤ وذلك على الله يسيروكم من امر من امور الآخرة يخالف امور الدنيا وهذا منها { ولباسهم فيها حرير } لا كحرير الدنيا فانه لا يوجد من معناه فى الدنيا الا الاسم واللباس اسم ما يلبس: وبالفارسية [جامه وبوشش] والحرير من الثياب ما رق كما فى المفردات وثوب يكون سداه ولحمته ابريسما وان كان فى الاصل الابريسم المطبوخ كما فى القهستانى. ويحرم لبسه على الرجال دون النساء الا فى الحرب ولكن لا يصلى فيه الا ان يخاف العدو او لضرورة كحكة او جرب فى جسده او لدفع القمل ولا يلبسه وان لم يتصل بجلده وهو الصحيح وجاز ان يكون عروة القميص وزره حريرا كالعلم فى الثوب ولا بأس ان يشد خمارا اسود من الحرير على العين الرامدة والناظرة الى الثلج وان تكون التكة حريرا ورخص قدر اربع اصابع كما هى. وقيل مضمومة ولا يجمع المتفرق من الحرير. ويجوز عند الامام ان يجعل الحرير تحت رأسه وجنبه ويكره عندهما وبه اخذا كثر المشايخ. وعلى هذا الخلاف تعليق الحرير على الجدر والابواب ولا بأس بالجلوس على بساط الحرير والصلاة على السجادة منه وبوضع ملاءة الحرير على مهد الصبى. ويلبس الرجل فى الحرب وغيره بلا كراهة اجماعا ما سداه ابريسم ولحمته غيره سواء كان مغلوبا او غالبا او مسايوا للحرير وهو الصحيح. ويلبس عكسه اى مالحمته ابريسم وسداه غيره فى حرب فقط. وكره الباس الصبى ذهبا او حريرا لئلا يعتاده والاثم على الملبس لان الفعل مضاف اليه. وكذا يكره كل لباس خلاف السنة والمستحب ان يكون من القطن والكتان او الصوف. واحب الالوان البياض. ولبس الاخضر سنة. ولبس الاسود مستحب ولا بأس بالثوب الاحمر كما فى الزاهدى الكل من القهستانى وقد سبق باقى البيان فى سورة الحج وغيرها