التفاسير

< >
عرض

وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ
٤٦
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما } نافية { تأتيهم } تنزل اليهم { من } مزيدة لتأكيد العموم { آية } تنزيلية كائنة { من } تبعيضية { آيات ربهم } التى من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله وسوابغ آلائه الموجبة للاقبال عليها والايمان بها { الا كانوا عنها } متعلق بقوله { معرضين } يقال اعرض اى اظهر عرضه اى ناحيته والجملة حالم من مفعول تأتى والاستثناء مفرغ من اعم الاحوال اى وما تأتيهم من آية من آيات ربهم فى حال من الاحوال الا حال اعراضهم عنها على وجه التكذيب والاستهزاء ويجوز ان يراد بالآيات ما يعم الآيات التنزيلية والتكوينية فالمراد باتيانهم ما يعم نزول الوحى وظهور تلك الامور لهم والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات الشاهدة بوحدانيته تعالى وتفرده بالالوهية الا كانوا تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدى الى الايمان به تعالى فكل ما فى الكون فهو صورة صفة من صفاته تعالى وسر من اسرار ذاته

مغربى آنجه عالمش خواند عكس رخسارتست در مرآت
وانجه او آدمش همى داند نسخه عالمست مظهر ذات

وقال المولى الجامى قدس سره

جهان مرآت حسن شاهد ماست فشاهد وجهه فى كل ذرات

ثم ان اعظم الآيات واكبر العلامات الرجال البالغون الكاملون فى الدين من ارباب الحقيقة واهل اليقين فمن وفق للقبول والتسليم وتربى بتربيتهم الحسنة الى ان يحصل على القلب السليم نجا وكان مقبلا مقبولا. ومن قابلهم بالاعراض ونازلهم بالاعتراض هلك وكان مدبرا مردودا.
قال بعض الكبار من عدم الانصاف ايمان الناس بما جاء من اخبار الصفات على لسان الرسل وعدم الايمان بها اذا اتى بها احد من العلماء الوارثين لهم فان البحر واحد واذا لم يؤمنوا بما جاءت به الاولياء فلا اقل من ان يأخذوه منهم على سبيل الحكاية وكما جاءت الانبياء بما تحيله العقول من الصفات وآمنا به كذلك يجب الايمان بما جاء به الاولياء المحفوظون وكمل سلمنا ما جاء به الاصل كذلك نسلم ما جاء به الفرغ بجامع الموافقة انتهى.
واما قول ابى حنيفة رضى الله عنه ما اتانا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين وما اتانا عن الصحابة رضى الله عنهم فنأخذ تارة ونترك اخرى وما اتانا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال فانما هو بالنظر الى الاجتهاد الظاهر الذى يختلف فيه العلماء والاعراض فيه انتقال من الادنى الى الاعلى بحسب الدليل الاقوى وقد يفتح الله على الطالب على لسان شيخه بعلوم لم تكن عند الشيخ لحسن ادبه مع الله ومع شيخه.
وسأل الاعمش ابا حنيفة عن مسائل فاجاب فقال الاعمش من اين لك هذا قال مما حدثتنا به فقال يا معشر الفقهاء انتم الاطباء ونحن الصيادلة وهى الجماعة المنسوبة الى الصندل وهو شجر طيب الرائحة قلبت النون ياء كما يقال صندلانى وصيدلانى والمراد من يبيع مواد الادوية. ومن علامة العلم المكتسب دخوله فى ميزان العقول وعلامة العلم الموهوب ان لا يقبله ميزان الا فى النادر وترده العقول من حيث افكارها. ومن اعظم المكر بالعبد ان يرزق العلم ويحرم العمل به او يرزق العمل ويحرم الاخلاص فيه فاذا رأيت يا اخى هذا من نفسك او علمته من غيرك فاعلم ان المقبل به ممكور به فالاقبال الى الله تعالى انما هو الاخلاص فان وجه الرياء الى الغير حفظنا الله تعالى واياكم