التفاسير

< >
عرض

وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ
٦٩
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما علمناه الشعر } رد وابطال لما كانوا يقولون فى حقه عليه السلام من انه شاعر وما يقوله شعر والظاهر فى الرد ان يقال انه ليس بشاعر وان ما يتلوه عليكم ليس بشعر الا ان عدم كونه شاعرا لما كان ملزوما لعدم كون معلمه علمه الشعر نفى اللازم واريد نفى الملزوم بطريق الكناية التى هى ابلغ من التصريح.
قال الراغب يقال شعرت اصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا اى علمت علما فى الدقة كاصابة الشعر وسمى الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته.
فالشعر فى الاصل اسم للعلم الدقيق فى قولهم ليت شعرى وصار فى التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته.
وفى القاموس الشعر غلب على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية وان كان كل علم شعرا والجمع اشعار يقال شعر به كنصر وكرم علم به وفطن له وعقله.
والشعر عند الحكماء القدماء ليس على وزن وقافية ولا الوزن والقافية ركن فى الشعر عندهم بل الركن فى الشعر ايراد المقدمات المخيلة فحسب ثم قد يكون الوزن والقافية معينين فى التخيل فان كانت المقدمة التى تورد فى القياس الشعرى مخيلة فقط تمحض القياس شعريا وان انضم اليها قول اقناعى تركبت المقدمة من معنيين شعرى واقناعى وان كان الضميم اليه قولا يقينيا تركبت المقدمة من شعرىّ وبرهانىّ.
قال بعضهم الشعر اما منطقى وهو المؤلف من المقدمات الكاذبة واما اصطلاحى وهو كلام مقفى موزون على سبيل القصد والقيد الا خير يخرج ما كان وزنه اتفاقيا كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها اى من بحور الشعر الستة عشر نحو قوله تعالى
{ { لن تنالوا البر حتى تنفقوا } وقوله { { وجفان كالجواب وقدور راسيات } وقوله { { نصر من الله وفتح قريب } ونحو ذلك وكلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقيا من غير قصد اليه وعزم عليه نحو قوله عليه السلام حين عثر فى بعض الغزوات فاصاب اصبعه حجر فدميت

هل انت الا اصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت

وقوله يوم حنين حين نزل ودعا واستنصر او يوم فتح مكة

انا النبى لا كذب انا ابن عبد المطلب

وقوله يوم الخندق

باسم الاله وبه بداناولو عبدنا غيره شقينا

وغير ذلك سواء وقع فى خلال المنثورات والخطب ام لا. والمراد بالشعر الواقع فى القرآن الشعر المنطقى سواء كان مجردا عن الوزن ام لا والشعر المنطقى اكثر ما يروج بالاصطلاحى.
قال الراغب قال بعض الكفار للنبى عليه السلام انه شاعر فقيل لما وقع فى القرآن من الكلمات الموزونة والقوافى.
وقال بعض المحصلين ارادوا به انه كاذب لان ظاهر القرآن ليس على اساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتم من العجم فضلا عن بلغاء العرب فانما رموه بالكذب لان اكثر ما يأتى به الشاعر كذب ومن ثمة سموا الادلة الكاذبة شعرا.
قال الشريف الجرجانى فى حاشية المطالع والشعر وان كان مفيدا للخواص والعوام فان الناس فى باب الاقدام والاحجام اطوع للتخييل منهم للصدق الا ان مداره على الاكاذيب ومن ثمة قيل احسن الشعر اكذبه فلا يليق بالصادق المصدوق لما شهد به قوله تعالى { وماعلمناه الشعر } الآية والمعنى وما علمنا محمدا الشعر بتعليم القرآن على معنى ان القرآن ليس بشعر فان الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبنى على خيالات واوهام واهية فاين ذلك التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والاحكام الباهرة الموصلة الى سعادة الدنيا والآخرة ومن اين اشتبه عليهم الشؤون واختلط بهم الظنون قاتلهم الله انى يؤفكون.
وفى الآية اشارة الى ان النبى عليه السلام معلم من عند الله لانه تعالى علمه علوم الاولين والآخرين وما علمه الشعر لان الشعر قرآن ابليس وكلامه لانه قال رب اجعل لى قرآنا قال تعالى قرآنك الشعر. قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فى قوله تعالى { وما علمناه الشعر } اعلم ان الشعر محل للاجمال واللغز والتورية اى وما رمزنا لمحمد صلى الله عليه وسلم شيئا ولا ألغزنا ولا خاطبناه بشئ ونحن نريد شيئا ولا اجملنا له الخطاب حيث لم يفهم انتهى.
وهل يشكل على هذه الحروف المقطعة فى اوائل السور ولعله رضى الله عنه لا يرى ان ذلك من قبيل المتشابه او ان المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه.
وفى التأويلات النجمية يشير قوله { وما علمناه الشعر } الى ان كل اقوال واعمال واحوال تجرى على العباد فى الظاهر والباطن كلها تجرى بتعليم الحق تعالى حتى الحرف والصنائع وذلك سر قوله تعالى { وعلم آدم الاسماء كلها } وتعليمه الصنائع لعباده على ضربين بواسطة وبغير واسطة اما بالواسطة فبتعليم بعضهم بعضا واما بغير الواسطة فكما علم داود عليه السلام صنعة اللبوس وكل حرفة وصنعة يعملها الانسان من قريحته بغير تعليم احد فهى من هذا القبيل انتهى:
وفى المثنوى

قابل تعليم وفهمست اين جسد ليك صاحب وحى تعليمش دهد
جمله حرفتها يقين از وحى بود اول اوليك عقل آنرا فزود
هيج حرفت را ببين كين عقل ما داند او آموختن بى اوستا
كرجه اندر مكر موى اشكاف بد هيج بيشه رام بى استاد شد

ثم حكى قصة قابيل فانه تعلم حفر القبر من الغراب حتى دفن اخاه هابيل بعد قتله وحمله على عاتقه اياما { وما ينبغى له } البغاء الطلب والانبغاء انفعال منه يقال بغيته اى طلبته فانطلب.
قال الراغب هو مثل قوله النار ينبغى ان تحرق الثوب اى هى مسخرة للاحراق والمعنى وما يصح لمحمد الشعر ولا يتسخر ولا يتسهل ولا يتأتى له لو طلبه اى جعلناه بحيث لو اراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يكن لسانه يجرى به الا منكسرا عن وزنه بتقديم وتأخير او نحو ذلك كما جعلناه اميا لا يهتدى للخط ولا يحسنه ولا يحسن قراءة ما كتبه غيره لتكون الحجة اثبت وشبهة المرتابين فى حقية رسالته ادحض فانه لو كان شاعرا لدخلت الشبهة على كثير من الناس فى ان ما جاء به يقوله من عند نفسه لانه شاعر صناعته نظم الكلام.
وقال فى انسان العيون والحاصل ان الحق الحقيق بالاعتماد وبه تجتمع الاقوال ان المحرم عليه صلى الله عليه وسلم انما هو انشاء الشعر اى الاتيان بالكلام الموزون عن قصد وزنه وهذا هو المعنى بقوله { وما علمناه الشعر } فان فرض وقوع كلام موزون منه عليه السلام لا يكون ذلك شعرا اصطلاحا لعدم قصد وزنه فليس من الممنوع منه والغالب عليه انه اذا انشد بيتا من الشعر متمثلا به او مسندا لقائله لا يأتى به موزونا.
وادعى بعض الادباء انه عليه السلام كان يحسن الشعر اى يأتى به موزونا قصدا ولكنه كان لا يتعاطاه اى لا يقصد الاتيان به موزونا قال وهذا اتم واكمل مما لو قلنا انه كان لا يحسنه وفيه ان فى ذلك تكذيبا للقرآن.
وفى التهذيب للبغوى من ائمتنا قيل كان عليه السلام يحسن الشعر ولا يقوله والاصح انه كان لا يحسنه ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه ولعل المراد بين الموزون منه وغير الموزون.
ثم رأيته فى ينبوع الحياة قال كان بعض الزنادقة المتظاهرين بالاسلام حفظا لنفسه وماله يعرض فى كلامه بان النبى عليه السلام كان يحسن الشعر يقصد بذلك تكذيب كتاب الله تعالى فى قوله { وما علمناه الشعر وما ينبغى له } الآية الكل فى انسان العيون.
يقول الفقير اغناه الله القدير هذا ما قالوه فى هذا المقام وفيه اشكال كما لا يخفى على ذوى الافهام لانهم حين حملوا الشعر فى هذا الكلام على المنطقى ثم بنوا قوله وما ينبغى له على القريض لم يتجاوب آخر النظم باوله والظاهر ان المراد وما ينبغى له من حيث نبوته وصدق لهجته ان يقول الشعر لان المعلم من عند الله لايقول الا حقا وهذا لا ينافى كونه فى نفسه قادرا على النظم والنثر ويدل عليه تميزه بين جيد الشعر ورديئه اى موزونه وغير موزونه على ما سبق ومن كان مميزا كيف لا يكون قادرا على النظم فى الالهيات والحكم لكن القدرة لا تستلزم الفعل فى هذا الباب صونا عن اطلاق لفظ الشعر والشاعر الذى يوهم التخييل والكذب وقد كان العرب يعرفون فصاحته وبلاغته وعذوبة لفظه وحلاوة منطقه وحسن سرده والحاصل ان كل كمال انما هو مأخوذ منه كما سبق فى اواخر الشعراء. وكان احب الحديث اليه صلى الله عليه وسلم الشعر اى ما كان مشتملا على حكمة او وصف جميل من مكارم الاخلاق او نصرة الاسلام او ثناء على الله ونصيحة للمسلمين. وايضا كان ابغض الحديث اليه صلى الله عليه وسلم الشعر اى ما كان فيه كذب وقبح وهجو ونحو ذلك. واما ما روى من انه عليه السلام كان يضع لحسان فى المسجد منبرا فيقوم عليه يهجو من كان يهجو رسول الله والمؤمنين فذلك من قبيل المجاهدة التى اشير اليها فى قوله
{ { جاهدوا باموالكم وانفسكم وألسنتكم } }

شاعران شيران شدند وهجوشان همجوجنكال وجو دندانست دان
تيز كن دندان وموزى قطع كن اين جنين باشد مكاقات بدان

{ ان هو } اى ما القرآن { الا ذكر } اى عظة من الله تعالى وارشاد للانس والجن كما قال تعالى { ان هو الا ذكر للعالمين } { وقرآن مبين } اى كتاب سماوى بين كونه كذلك او فارق بين الحق والباطل يقرأ فى المحاريب ويتلى فى المعابد وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدين فكم بينه وبين ما قالوا. فعطف القرآن على الذكر عطف الشئ على احد اوصافه فان القرآن ليس مجرد الوعظ بل هو مشتمل على المواعظ والاحكام ونحوها فلا تكرار.
قال فى كشف الاسرار [هر بيغمبرى كه آمد برهان نبوت وى ازراه ديدها در آمد جو آتش ابراهيم وعصا ويد بيضاء موسى واحياء موتاى عيسى عليهم السلام وبرهان نبوت محمد عربى ازراه دلها در آمد بل هو آيات بينات فى صدور الذين اوتوا العلم اكرجه مصطفى را نيز معجزات بسيار بود كه محل اطلاع ديدها بود جون انشقاق قمر وتسبيح حجر وكلام ذئب واسلام ضب وغير آن اما مقصود آنست كه موسى تحدى بعصا كرد وعيسى تحدى باحياء موتى كرد ومصطفى عليه السلام تحدى بكلام كرد
{ { فأتوا بسورة من مثله } عصاى موسى هرجند درو صفت ربانى تعبيه بوداز درخت عوسج بود ودم عيسى هرجند كه درو لطف الهى تعبيه بود اما وديعت سنيه بشر بود اى محمد توكه مى روى دمى وجوبى باخود مبر جوب نفقه خران باشد ودم نصيب بيماران توصفت قديم ما قرآن مجيد باخود ببرتا معجزه توصفت ما بود]