التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ
١٠٢
-الصافات

روح البيان في تفسير القرآن

{ فلما بلغ } الغلام { معه } مع ابراهيم { السعى } الفاء فصيحة معربة عن مقدر اى فوهبنا له فنشأ فلما بلغ رتبة ان يسعى معه فى اشغاله وحوائجه ومصالحه ومعه متعلق بالسعى وجاز لانه ظرف فيكفيه رائحة من الفعل لا يبلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعى ولم يكن معا كذا فى بحر العلوم. وتخصيصه لان الادب اكمل فى الرفق والاستصلاح فلا نستسعيه قبل اوانه لانه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة { قال } ابراهيم { يا بنى } [اى بسرك من تصغيرشفقت است] { انى ارى فى المنام انى اذبحك } قربانا لله تعالى اى ارى هذه الصورة بعينها او ما هذه عبارته وتأويله.
وقيل انه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقوله له ان الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما اصبح روّى فى ذلك من الصباح الى الرواح أمن الله تعالى هذا الحلم ام من الشيطان فمن ثمة سمى يوم التروية فلما امسى رأى مثل ذلك فعرف انه من الله تعالى فمن ثمة سمى يوم عرفة ثم رأى فى الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر { فانظر ماذا } منصوب بقوله { ترى } من الرأى فيما القيت اليك: وبالفارسية [بس در نكر درين كارجه جيزى بينى رأى توجه تقاضا ميكند] فانما يسأله عما يبديه قلبه ورأيه أى شئ هل هو الامضاء او التوقف فقوله ترى من الرأى الذى يخطر بالبال لا من رؤية العين وانما شاوره فيه وهو امر محتوم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله تعالى فتثبت قدمه ان جزع ويأمن ان سلم ويكتسب المثوبة عليه بالانقياد له قبل نزوله وتكون سنة فى المشاورة. فقد قيل لو شاور آدم الملائكة فى اكله من الشجرة لما فرط منه ذلك { قال يا ابت افعل } [كفت اى بدربكن] { ما تؤمر } [آنجه فرموده شدى بدان] اى ما تؤمر به فحذف الجار او لا على القاعدة المطردة ثم حذف العائد الى الموصول بعد انقلابه منصوبا بايصاله الى الفعل او حذفا دفعة او افعل امرك اضافة المصدر الى المفعول وتسمية المأمور به امرا وصيفة المضارع حيث لم يقل ما امرت للدلالة على ان الامر متعلق به متوجه اليه مستمر الى حين الامتثال به ولعله فهم من كلامه انه رأى ذبحه مأمورا به ولذا قال ما تؤمر وعلم ان رؤيا الانبياء حق وان مثل ذلك لا يقدمون عليه الا بامر.
وانما امر به فى المنام دون اليقظة مع ان غالب وحى الانبياء ان يكون فى اليقظة ليكون مبادرتهما الى الامتثال ادل على كمال الانقياد والاخلاص. قالوا رؤيا الانبياء حق من قبيل الوحى فانه يأتيهم الوحى من الله ايقاظا اذ لا تنام قلوبهم ابدا ولانه لطهارة نفوسهم ليس للشيطان عليهم سبيل.
وفى اسئلة الحكم لم امر الله تعالى ابراهيم بذبح ولده فى المنام ورؤيا الانبياء حق وقتل الانسان بغير حق من اعظم الكبائر.
قيل امره فى المنام دون اليقظة لانه ليس شئ ابغض الى الله من قتل المؤمن { ستجدنى } [زود باشد كه يابى مرا] ثم استعان بالله فى الصبر على بلائه حيث استثنى فقال { ان شاء الله } ومن اسند المشيئة الى الله تعالى والتجأ اليه لم يعطب { من الصابرين } على الذبح او على قضاء الله تعالى قال الذبيح من الصابرين ادخل نفسه فى عداد الصابرين فرق عليه وموسى عليه السلام تفرد بنفسه حيث قال للخضر
{ { ستجدنى ان شاء الله صابرا } فخرج. والتفويض اسلم من التفرد واوفق لتحصيل المرام ولما كان اسماعيل فى مقام التسليم والتفويض الى الله تعالى وقف وصبر ولما كان موسى فى صورة المتعلم ومن شأن المتعلم ان يتعرض لاستاذه بالاعتراض فيما لم يفهمه خرج ولم يصبر.
وقال بعضهم ظاهر موسى تعرض وباطنه تسليم ايضا لانه انما اعترض على الخضر بغيرة الشرع