التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ
١٥٨
-الصافات

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجعلوا بينه } تعالى { وبين الجنة } الجنة بالكسر جماعة الجن والملائكة كما فى القاموس والمراد هنا الملائكة وسموا جنة لاجتنانهم واستتارهم عن الابصار ومنه سمى الجنين وهو المستور فى بطن الام والجنون لانه خفاء العقل. والجنة بالضم الترس لانه يجن صاحبه ويستره. والجنة بالفتح لانها كل بستان ذى شجر يستر باشجاره الارض فمن له اجتنان عن الاعين جنس يندرج تحته الملائكة والجن المعروف.
قالوا الجن واحد ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شرا كله فهو شيطان ومن طهر منهم ونسك وكان خيرا فهو ملك.
قال الراغب الجن يقال على وجهين احدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بازاء الانس فعلى هذا يدخل فيه الملائكة والشياطين فكل ملائكة جن وليس كل جن ملائكة.
وقيل بل الجن بعض الروحانيين وذلك ان الروحانيين ثلاثة اخيار وهم الملائكة واشرار وهم الشياطين واوساط فهم اخيار واشرار وهم الجن ويدل على ذلك قوله تعالى
{ { قل اوحى الىّ انه استمع نفر من الجن } الى قوله { { ومنا القاسطون } { نسبا } النسب والنسبة اشتراك من جهة الابوين وذلك ضربان نسب بالطول كالاشتراك بين الآباء والابناء ونسب بالعرض كالنسبة بين الاخوة وبنى العم وقيل فلان نسيب فلان اى قريبه. والمعنى وجعل المشركون بما قالوا نسبة بين الله وبين الملائكة واثبتوا بذلك جنسية جامعة له وللملائكة.
وفى ذكر الله الملائكة بهذا الاسم فى هذا الموضع اشارة الى ان من صفته الاجتنان وهو من صفات الاجرام لا يصلح ان يناسب من لا يجوز عليه ذلك.
وفيه اشارة الى جنة الانسان وقصور نظر عقله عن كمال احدية الله وجلال صمديته اذا وكل الى نفسه فى معرفة ذات الله وصفاته فيقيس ذاته على ذاته وصفاته على صفاته فيثبت له نسبا كما له نسب ويثبت له زوجة وولدا كما له زوجة وولد ويثبت له جوارح كما له جوارح ويثبت له مكانا كما له مكان تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وهو يقول تبارك وتعالى
{ { ليس كمثله شئ وهو السميع البصير } }

جهان متفق بر الهيتش فرومانده از كنه ما هيتش
بشر ما وراى جلالش نيافت بصر منتهاى كمالش نيافت
نه ادراك در كنه ذاتش رسد نه فكرت بنور صفاتش رسد

ثم ان هذا وهو قوله تعالى { وجعلوا بينه } الخ عبارة عن قولهم الملائكة بنات الله وانما اعيد ذكره تمهيدا لما يعقبه من قوله { ولقد علمت الجنة } اى وبالله لقد علمت الجنة التى عظموها بان جعلوا بينها وبينه تعالى نسبا وهم الملائكة { انهم } اى الكفرة { لمحضرون } النار معذبون بها لا يغيبون عنها لكذبهم وافرائهم فى ذلك والمراد به المبالغة فى التكذيب ببيان ان الذى يدعى هؤلاء المشركون لهم تلك النسبة ويعلمون انهم اعلم منهم بحقيقة الحال يكذبونهم فى ذلك ويحكمون بانهم معذبون لاجله حكما مؤكدا.
قال فى كشف الاسرار [نحويان كفتند جون ان از قفاى علم وشهادت آيد مفتوح بايد مكر كه در خبر لام آيد آنكه مكسور باشد] كقول العرب اشهد ان فلانا عاقل وان فلانا لعاقل وجهه ان ان المكسورة لا تغير معنى الجملة واللام الداخلة على الخبر لتأكيد معنى الجملة.
ثم ان الله تعالى نزه نفسه عما قالوه من الكذب فقال