التفاسير

< >
عرض

لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ
٦١
-الصافات

روح البيان في تفسير القرآن

{ لمثل هذا فليعمل العاملون } اى لنيل هذا المرام الجليل يجب ان يعمل العاملون ويجتهد المجتهدون لا للحظوظ الدنيوية السريعة الانقطاع المشوبة بفنون الآلام والبلايا والصداع
قال الكاشفى [ازبراى اين نعمتها بس بايدكه عمل كنند كان نه براى مال وجاه دنياكه برشرف زوال وصدد انتقال است]

كربار كشى بار نكارى بارى وركار كنى براى يارى بارى
ورروى بخا كراهى خواهى ماليد برخاك ره طرفه سوارى بارى

ويحتمل ان يكون قوله ان هذا الخ من كلام رب العزة فهو ترغيب فى طلب ثواب الله بطاعته ويقال فليحتمل المحتملون الاذى لانه قد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات كما قال جلال الدين الرومى قدس سره

حفت الجنة بمكروهاتناحفت النيران من شهواتنا

يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكرهة لنا وجعلت النار محاطة بالاشياء التى محبوبة لنا فما بين المرء وبين الجنة حجاب الا المكاره وهو حجاب عظيم صعب خرقه وما بين النار وبينه حجاب الا الشهوات وهو حجاب حقير سهل لاهله والعياذ بالله من الاقبال على الشهوات والادبار عن الكرامات فى الجنات
قال فى كشف الاسرار [بس عارفان سزاتراندكه براميد ديدار جلال احديت ويافت حقائق قربت وتباشير صبح وصلت ديده ديده ودل فرا كنند وجان وروان درين بشارت نثار كنند] يعنى ان هبت نفحة من نفحات الحق من جنات القدس او شم رائحة من نسيم القرب او بدت شطبة من الحقائق وتباشير الوصلة حق للعارف ان يقول ان هذا لهو الفوز العظيم وبالحرى ان يقول { لمثل هذا فليعمل العاملون } بل لمثل هذه الحالة تبذل الارواح وتفدى الاشباح كما قيل

على مثل ليلى يقتل المرء نفسهوان بات من سلمى على اليأس طاويا

والحاصل ان لكل من العابدين والعارفين حصة من اشارة هذا فى الآية وكان بعض الصلحاء يصلى الضحى مائة ركعة ويقول لهذا خلقنا وبهذا امرنا يوشك اولياء الله ان يكفوا ويحمدوا اى على ما آتاهم الله فى مقابلة مجاهداتهم وطاعاتهم من الاجر الجزيل والثواب الجميل. وقد ثبت ان كثيرا من الصلحاء تلوا عند النزع قوله تعالى لمثل هذا الى آخر ما اشير اليه لما شاهده من حيث مقامه فنسأل الله القلب السليم فى الدنيا والنعيم المقيم فى العقبى ولله تعالى ألطاف لا تحويها الافكار ـ حكى ـ ان موسى عليه السلام سأل ربه تعالى من ادنى اهل الجنة منزلة فقال رجل يجيئ بعدما دخل اهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول رب وكيف وقد نزل الناس منازلهم واخذوا اخذهم فيقال له أترضى ان يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت يا رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله فيقول فى الخامسة رضيت يا رب فيقول هذا لك وعشرة امثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت يا رب قال موسى عليه السلام فمن اعلاهم منزلة فقال اولئك الذين اردت غرس كرامتهم بيدى وختمت عليها فلم ترعين ولم تسمع اذن ولم يخطر على قلب بشر والكل فوز لكن الفوز بالاعلى فوز عظيم ألا ترى انه لا تستوى الرعية والسلطان فى الدنيا فان كان للرعية عباء فللسلطان قباء وان كان لهم حجرة فله غرفة وان كان لهم كسرة خبز فله الوان نعمة وهكذا فقد تفاوتت الهمم فى الدنيا واختلف الاغراض ولذا تفاوت المراتب فى العقبى وتباين الاعواض فمن وجه الله تعالى وجد الجنة ايضا بكل ما فيها ولكن ليس كل من يجد الجنة باسرها يصل الى الله تعالى والانس به والاحتظاظ بلقائه المستغرق جميع الاوقات وشهوده المستوعب لكل الحالات فكن عالى الهمة فان علو الهمة من الايمان وغاية الايمان الاحسان ونهايته الاستغراق فى شهود المنان