التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ
٢٤

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } داود بعد اعتراف المدعى عليه او على تقدير صدق المدعى والا فالمسارعة الى تصديق احد الخصمين قبل سماع كلام الآخر لا وجه له وفى الحديث "اذا جلس اليك الخصمان فلا تقض لاحدهما حتى تسمع من الآخر" { لقد ظلمك } جواب قسم محذوف قصد به عليه السلام المبالغة فى انكار فعل صاحبه وتهجن طمعه فى نعجة من ليس له غيرها مع ان له قطيعا منها { بسؤال نعجتك الى نعاجه } السؤال مصدر مضاف الى مفعوله وتعديته الى مفعول آخر بالى لتضمنه معنى الاضافة والضم كأنه قيل بضم نعجتك الى نعاجه على وجه السؤال والطلب.
وفى هذا اشارة الى ان الظلم فى الحقيقة من شيم النفوس فان وجدت ذا عفة فالعلة كما قال يوسف
{ { وما ابرىء نفسى } الآية فالنفوس جبلت على الظلم والبغى وسائر الصفات الذميمة ولو كانت نفوس الانبياء عليهم السلام كذا فى التأويلات النجمية.
يقول الفقير هذا بالنسبة الى اصل النفوس وحقيقتها والا فنفوس الانبياء مطمئنة لا امارة اذ لم يظهر فيهم الا آثار المطمئنة وهى اول مراتب سلوكهم وقد اشار الشيخ الى الجواب بقوله فان وجدت الخ فاعرف ذلك فانه من مزالق الاقدام وقد سبق التحقيق فيه فى سورة يوسف.
ثم قال داود عليه السلام حملا للنعجة على حقيقتها لا على كونها مستعارة للمرأة { وان كثيرا من الخلطاء } اى الشركاء الذين خلطوا اموالهم جمع خليط كظريف والخلطة الشركة وقد غلبت فى الماشية { ليبغى بعضهم على بعض } اى ليتعدى غير مراعى لحق الصحبة والشركة: يعنى [از حق خودزياده مى طلبند] { الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } منهم فانهم يجتنبون عن البغى والعدوان { وقليل ما هم } وهم قليل فهم مبتدأ وقليل خبره قدم عليه للاهتمال به وانما افرد تشبيها بفعيل بمعنى مفعول وما مزيد لتأكيد القلة او للابهام او التعجب من قلة الموصوفين بالايمان وصالح العمل { وظن داود انما فتناه } الظن مستعار للعلم الاستدلالى لما بينهما من المشابهة. يعنى ان الظن الغالب لما كان يقارب العلم استعير له فالظن يقين لكنه ليس بيقين عيان فلا يقال فيه الا العلم. وما فى انما كافة والمعنى وعلم داود بما جرى فى مجلس الحكومة انما فعلنا به الفتنة والامتحان لا غير بتوجيه الحصر الى نفس الفعل بالقياس الى ما يغايره من الافعال { فاستغفر ربه } اثر ما علم ان ما صدر عنه ذنب كما استغفر آدم عليه السلام بقوله ربنا ظلمنا انفسنا الخ وموسى عليه السلام بقوله تبت اليك وغيرهما من الانبياء الكرام على ما بين فى موضعه { وخر } سقط حال كونه { راكعا } اى ساجدا على تسمية السجود ركوعا لانه مبدأه لانه لا يكون ساجدا حتى يركع وفى كل من الركوع والسجود التحنى والخضوع وبه استشهد ابو حنيفة واصحابه فى سجدة التلاوة على ان الركوع يقوم مقام السجود او خرّ للسجود راكعا اى مصليا اطلاقا للجزء وارادة لكل كأنه احرم بركعتى الاستغفار والدليل على الاول اى على ان الركوع ههنا بمعنى السجود ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه السلام كان يقول فى سجدة ص وسجدة الشكر
"اللهم اكتب لى عندك بها اجرا واجعلها لى عندك ذخرا وضع عنى بها وزرا واقبلها منى كما قبلت من عبدك داود سجدته" { واناب } اى رجوع الى الله تعالى بالتوبة من جميع المخالفات التى هى الزلات وما كان من قبيل ترك الاولى والافضل لان حسنات الابرار سيآت المقربين.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه السلام سجد فى ص
"وقال سجدها داود توبة ونسجدها شكرا"
وهذه السجدة من عزائم السجود عند ابى حنيفة ومالك رحهما الله وكل منهما على اصله فابو حنيفة يقول هى واجبة ومالك هى فضيلة وعند الشافعى واحمد سجدة شكر تستحب فى غير الصلاة فلو سجد بها فى الصلاة بطلت عندهما كما فى فتح الرحمن.
وقال الكاشفى [اين سجده نزدامام اعظم سجده عزيمت است وميكويد بتلاوت وى سجده بايد كرد در نماز وغير نماز ونزد امام شافعى از عزائم نيست واز امام احمد درين سجده دو روايتست واين سجده دهم است بقول امام اعظم.
ودر فتوحات مكيه اين را سجده انابت كفته وفرموده كه] يقال لها سجدة الشكر فى حضرة الانوار لان داود سجدها شكرا