التفاسير

< >
عرض

فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ
٣٢

روح البيان في تفسير القرآن

{ فقال انى احببت حب الخير عن ذكر ربى } قاله عليه السلام عند غروب الشمس اعترافا بما صدر عنه من الاشتغال بها عن الصلاة وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الامر بردها وعقرها والتعقيب بالفاء باعتبار اواخر العرض المستمر دون ابتدائه والتأكيد للدلالة على ان اعترافه وندمه عن صميم القلب لا لتحقيق مضمون الخبر واصل احببت ان يعدى بعلى لانه بمعنى آثرت كما فى قوله تعالى { { فاستحبوا العمى على الهدى } وكل من احب شيئا فقد آثره لكن لما انيب مناب انبت وضمن معناه عدى تعديته بعن وحب الخير مفعوله اى مفعول به لانبت المضمن والذى انيب مناب الذكر هو الاطلاع على احوال الخيل لا حب الخيل الا انه عدى الفعل الى حب الخيل للدلالة على غاية محبته لها فان الانسان قد يحب شيئا ولكنه يحب ان لا يحبه كالمريض الذى يشتهى ما يضره ولذا لما قيل لمريض ما تشتهى قال اشتهى ان لا اشتهى واما من احب شيئا واحب ان يحبه فذلك غاية المحبة. والخير المال الكثير والمراد به الخيل التى شغلته عليه السلام لانها مال ويحتمل انه سماها خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها قال عليه السلام "الخير" اى الاجر والمغنم "معقود بنواصى الخيل الى يوم القيامة" والمراد بالذكر صلاة العصر بدليل قوله بالعشى وسميت الصلاة ذكرا لانها مشحونة بالذكر كما فى كشف الاسرار او الورد المعين وقتئذ. ومعنى الآية انبت حب الخيل اى جعلته نائبا عن ذكر ربى ووضعته موضعه وكان يحب لمثلى ان يشتغل بذكر ربه وطاعته { حتى توارت بالحجاب } التوارى الاستتار والضمير للشمس واضمارها من غير ذكر لدلالة العشى عليها اذ لا شىء يتوارى حينئذ غيرها فالحجاب مغيب الشمس ومغربها كما فى المفردات وحتى متعلق بقوله احببت وغاية له باعتبار استمرار المحبة ودوامها حسب استمرار العرض. والمعنى انبت حب الخير عن ذكر ربى واستمر ذلك حتى توارت اى غربت الشمس تشبيها لغروبها فى مغربها بتوارى الجارية المخبأة بحجابها اى المستترة بخبائها وخدرها.
وقيل الضمير فى توارت للصافنات اى حتى توارت بحجاب الليل اى بظلامه لان ظلام الليل يستر كل شىء