التفاسير

< >
عرض

ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
٤٢

روح البيان في تفسير القرآن

{ اركض برجلك } الركض الضرب والدفع القوى بالرجل فمتى نسب الى الراكب فهو اغراء مركوبه وحثه للعدو نحو ركضت الفرس ومتى نسب الى الماشى فوطىء الارض كما فى الآية كذا قاله الراغب. والرجل القدم او من اصل الفخذ الى رؤس الاصابع. والمعنى اذ نادى فقلنا له على لسان جبريل عليه السلام حين انقضاء مدة بلائه اركض برجلك اى اضرب بها الارض: وبالفارسية [بزن باى خودرا بزمين] وهى ارض الجابية بلد فى الشام من اقطاع ابى تمام فضربها فنبعت عين فقلنا له { هذا } [اين جشمه] { مغتسل بارد } تغتسل به.
وقال الكاشفى [جاى غسل كردنست يا آبيست كه بدان غسل كنند] اشار الى ان المغتسل هو الموضع الذى يغتسل فيه والماء الذى يغتسل به والاغتسال غسل البدن وغسلت الشىء غسلا اسلت عليه الماء فازلت درنه { وشراب } تشرب منه فيبرأ باطنك. والشراب هو ما يشرب ويتناول من كل مائع ماء كان او غيره والواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف.
وقال بعض الكبار هذا مغتسل به اى ماء يغتسل به وموضعه وزمانه بارد يبرد حرارة الظاهر وشراب يبرد حرارة الباطن يعنى انما كان الماء باردا لما كان عليه من افراط حرارة الالم فسكن الله افراطها الزائد المهلك ببرد الماء وابقى الحرارة النافعة للانسان.
وفى كلام الشيخ الشهير بافتاده البرسوى قدس سره ان المراد بالماء فى هذه الآية صورة احياء الله تعالى وهو المراد بماء المطر ايضا فيما روى انه اذا كان يوم القيامة ينزل المطر على الاموات اربعين سنة فيظهرون من الارض كالنبات انتهى فاغتسل ايوب عليه السلام من ذلك الماء وشرب فذهب ما به من الداء من ظاهره وباطنه فان الله تعالى اذا نظر الى العبد بنظر الرضى يبدل مرضه بالشفاء وشدته بالرخاء وجفاءه بالوفاء فقام صحيحا وكسى حلة وعاد اليه جماله وشبابه احسن ما كان.
قال ابن عباس رضى الله عنهما مكث فى البلاء سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة ايام وسبعة ساعات لم يغمض فيهن ولم ينقلب من جنب الى جنب كما فى زهرة الرياض.
قال حضرة الشيخ بالى الصوفى فى شرح الفصوص الاشارة فيه ان الله تعالى امر نبيه بضرب الرجل على الارض ليخرج منها الماء لازالة ألم البدن فهو امر لنا بالسلوك والمجاهدة ليخرج ماء الحياة وهو العلم بالله من ارض وجودنا لازالة امراض ارواحنا وهى الحجب المبعدة عن الحق ثم قال وفى هذه الآية سر لطيف وهو ان السالكين مسلك التقوى بالمجاهدة. والرياضات اذا اجتمعوا فى منزل وذكروا الله كثيرا باعلى صوت وضربوا ارجلهم على الارض مع الحركة أية حركة كانت وكانت نيتهم بذلك ازالة الالم الروحانى جاز منهم ذلك اذا ضرب الرجل الصورية على الارض الصورية مع الذكر الصورى بنية خالصة يوصل الى الحقيقة اذ ما من حكم شرعى الا وله حقيقة توصل عامله الى حقيقته انتهى كلامه.
قال بعض العلماء بالله ارتفاع الاصوات فى بيوت العبادات بحسن النيات وصفاء الطويات يحل ما عقدته الافلاك الدائرات حتى قال اهل البصائر ان الانفاس البشرية هى التى تدير الافلاك العلوية انتهى. فقد شرطوا فى ضرب الرجل وكذا فى رفع الصوت حسن النية وصفوة الباطن من كل غرض ومرض فاذا كان المرء حسن النية يراعى الادب الظاهرى والباطنى من كل الوجوه فيعرج بمعراج الخلوص على ذروة مراتب اهل الخصوص ويسلم من الجرح والقدح لكون حركته على ما اشار اليه النصوص.
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية لا يجوز لاحد التواجد الا باشارة شيخ مرشد عارف بامراض الباطن. وفى محل آخر من شرط اهل الله فى السماع ان يكونوا على قلب رجل واحد وان لا يكون فيهم من ليس من جنسهم او غير مؤمن بطريقهم فان حضور مثل هؤلاء يشوش. وفى آخر لا ينبغى للاشياخ ان يسلموا للمريد حركة الوجد الذى تبقى معه الاحساس بمن فى المجلس ولا يسلم له حركته الا ان غاب ومهما احس بمن كان فى المجلس تعين عليه ان يجلس الا ان يعرف الحاضرون انه متواجد لا صاحب وجد فيسلم له ذلك لان هذه الحالة غير محمودة بالنظر الى ما فوقها. وفى آخر اذا كانت حركة المتواجد نفسية فليست بقدسية وعلامتها الاشارة بالاكمام والمشى الى خلف والى قدام والتمايل من جانب الى جانب والتفريق بين راجع وذاهب فقد اجمع الشيوخ على ان مثل هذا محروم مطرود انتهى. فقد شرط الشيخ رضى الله عنه فى هذه الكلمات لمن اراد الوجد والسماع حضور القلب والعشق والمحبة والصدق وغلبة الحال. فقول القرطبى استدل بعض الجهال المتزهدة وطغاة المتصوفة بقوله تعالى لايوب عليه السلام { اركض برجلك } على جواز الرقص وهذا احتجاج بارد لانه تعالى انما امر بضرب الرجل لنبع الماء لا لغيره وانما هو لاهل التكلف كما دل عليه صيغة التزهد والتصوف فان اتقياء الامة برآء من التكلف فهو زجر لفسقة الزمان عما هم عليه من الاجتماع المنافى لنص القرآن فانهم لو كانوا صلحاء مستأهلين لأباحت لهم اشارة القرآن ذلك لكنهم بمعزل عن الركض بشرائط فهم ممنوعون جدا.
قال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ليس فى طريق الشيخ الحاجى بيرام قدس سره الرقص حال التوحيد وليس فى طريقنا ايضا بل نذكر الله قياما وقعودا ولا نرقص على وفق قوله تعالى
{ { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم
} وقال ايضا ليس فى طريقتنا رقص فان الرقص والاصوات كلها انما وضع لدفع الخواطر ولا شىء فى دفعها اشد تأثيرا من التوحيد فطريقنا طريق الانبياء عليهم السلام فنبينا عليه السلام لم يلقن الا التوحيد