التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ
٧٥

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } الله تعالى لابليس مشافهة حين امتنع من السجود { يا ابليس } وهذه مشافهة لا تدل على اكرام ابليس اذ يخاطب السيد عبده بطريق الغضب وتمامه فى سورة الحجر { ما } أى شىء { منعك } من { ان تسجد } اى دعاك الى ترك السجود { لما } اى لمن { خلقت بيدىّ } خصصته بخلقى اياه بيدى كرامة له اى خلقته بالذات من غير توسط اب وام فذكر اليد لنفى توهم التحوز اى لتحقيق اضافة خلقه اليه تعالى واسناد اليد الى اب بعد قيام البرهان على تنزهه عن الاعضاء مجاز عن التفرد فى الخلق والايجاد تشبيها لتفرده بالايجاد باختصاص ما عمل الانسان بها والتثنية فى اليد لما فى خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل فان طينته خمرت اربعين صباحا وكان خلقه مخالفا لسائر ابناء جنسه المتكونة من نطفة الابوين او من نطفة الام مميزا عنه ببديع صنعه تعالى ولقد نظم الحكيم السنائى بعض التأويلات بالفارسية

يد او قدرتست ووجه بقاش آمدن حكمش ونزول عطاش
اصبعينش نفاذ حكم قدر قدمينش جلال وقهر وخطر

[ودر بعضى تفسير آمده كه مراد يد قدرت ويد نعمتست ودر فتوحات فرموده كه قدرت ونعمت شاملست همه موجودات را "لانه خلق ابليس بالقدرة التى خلق بها آدم" بس بدين منوال تأويل آدم را هيج شر فى ثابت نشود بس لابداست از آنكه بيدى معنى باشدكه دلالت كند برتشريف آدم عليه السلام بر حمل نسبتين تنزيه وتشبيه كه آدم جامع هر دو صفتست مناسب مى نمايد].
وفى بحر الحقائق يشير بيدى الى صفتى اللطف والقهر وهما تشتملان على جميع الصفات وما من صفة الا وهى اما من قبيل اللطف واما من قبيل القهر وما من مخلوق من جميع المخلوقات الا وهو اما مظهر صفة اللطف او مظهر صفة القهر كما ان الملك مظهر صفة لطف الحق والشيطان مظهر صفة قهر الحق الا الآدمى فانه خلق مظهر كلتى صفتى اللطف والقهر والعالم بما فيه بعضه مرآة صفة لطفه تعالى وبعضه مرآة صفة قهره تعالى والآدمى مرآة ذاته وصفاته تعالى كما قال
{ { سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } وبهذه الجامعية كان مستحقا لمسجودية الملائكة [ودرين معنى كفته اند]

آمد آيينه جميله ولى همجو آيينه نكرده جلى
كشت آدم جلاء اين مرآت شدعيان ذات او بجمله صفات
مظهرى كشت كلى وجامع سر ذات وصفات از ولامع

والحاصل ان الله تعالى اوجد العالم ذا خوف ورجاء فنخاف غضبه ونرجو رضاه فهذا الخوف والرجاء اثر صفتى الغضب والرضى ووصف تعالى نفسه بانه جميل وذو جلال اى متصف بالصفات الجمالية وهى ما يتعلق باللطف والرحمة ومتصف بالصفات الجلالية وهى ما يتعلق بالقهر والغلبة فاوجدنا على انس وهيبة فالانس من كونه جميلا والهيبة من كونه جليلا وهكذا جميع ما ينسب اليه تعالى ويسمى به من الاسماء المتقابلة كالهداية والاضلال والاعزاز والاذلال وغيرها فانه سبحانه اوجدنا بحيث نتصف بها تارة ويظهر فينا آثارها تارة فعبر عن هذين النوعين المتقابلين من الصفات باليدين لتقابلهما وتصرف الحق بهما فى الاشياء وهاتان اليدان هما اللتان توجهتا من الحق سبحانه على خلق الانسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته التى هى مظاهر لجميع الاسماء فلهذا السر ثنى الله اليدين. واما الجمع فى قوله { { مما عملت ايدينا } فوارد على طريق التعظيم كما هو عادة الملوك وايضا ان العرب تسمى الاثنين جمعا كما فى قوله تعالى { { فقد صغت قلوبكما } واما الواحد فى قوله تعالى { { يد الله } فباعتبار المبدأ والمآل والله الملك المتعال { أستكبرت } بقطع الالف اصله أاستكبرت ادخلت همزة الاستفهام للتوبيخ والانكار على همزة الوصل فحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام وبقيت همزة الاستفهام مفتوحة. والمعنى أتكبرت من غير استحقاق { ام كنت من العالين } المستحقين للتفوق والعلو ويحتمل ان يكون المراد بالعالين الملائكة المهيمين الذين ما امروا بالسجود لآدم لاستغراقهم فى شهود الحق وهم الارواح المجردة كما سبق بيانهم فى سورة الحجر