التفاسير

< >
عرض

لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ
١٦
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ لهم من فوقهم ظلل من النار } لهم خبر الظلل والضمير للخاسرين ومن فوقهم حال من ظلل والظلل جمع ظلة كغرف جمع غرفة وهى سحابة تظل وشىء كهيئة الصفة بالفارسية [سايبان].
وفي كشف الاسرار ما اظلك من فوقك. والمعنى للخاسرين ظل من النار كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض حال كون تلك الظل من فوقهم والمراد طباق وسرادقات من النار ودخانها وسمى النار ظلة لغلظها وكثافتها ولانها تمنع من النظر إلى ما فوقهم.
وفيه اشعار بشدة حالهم فى النار وتهكم بهم لان الظلة انما هى للاستظلال والتبرد خصوصا فى الاراضى الحارة كأرض الحجاز فاذا كانت من النار نفسها كانت احرّ ومن تحتها اغمّ { ومن تحتهم } ايضا { ظلل } والمراد احاطة النار بهم من جمع جوانبهم كما قال تعالى
{ { احاط بهم سرادقها } اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار كما سبق فى الكهف ونظير الآية قوله تعالى { { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت ارجلهم } وقوله { { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش
} وقال بعضهم ومن تحتهم ظلل اى طباق من النار ودركات كثيرة بعضها تحت بعض هي ظلل للآخرين بل لهم أيضا عند تردّيهم فى دركاتها كما قال السدى هى لمن تحتهم ظلل وهكذا حتى ينتهى الى القعر والدرك الاسفل الذى هو للمنافقين فالظلل لمن تحتهم وهى فرش لهم وكما قال فى الأسئلة المقحمة كيف سمى ما هو الاسفل ظللا والظلال ما يكون فوقا والجواب لانها تظلل من تحتها فاضاف السبب الى حكمه { ذلك } العذاب الفظيع هو الذى { يخوف الله به عباده } فى القرآن ليؤمنوا ويحذرهم اياه بآيات الوعيد ليجتنبوا ما يوقعهم فيه.
وفي الوسيط يخوف الله به عباده المؤمنين يعنى ان ما ذكر من العذاب معد للكفار وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه فيتقوه بالطاعة والتوحيد { يا عبادى } [اى بندكان من] واصله يا عبادى بالياء { فاتقون } ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وهذه عظة من الله تعالى بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة.
وفيه إشارة الى ان الله تعالى خلق جهنم سوطا يسوق به عباده الى الجنة اذ ليس تحت الوجود الا ما هو مشتمل للحكة والمصلحة فمن خاف بتخويف الله اياه من هذا الخسران فهو عبده عبدا حقيقيا ومستأهل لشرف الإضافة اليه.
وعن ابى يزيد البسطامى قدس سره ان الخلق يفرون من الحساب وانا اقبل عليه فان الله تعالى لو قال لى اثناء الحساب عبدى لكفانى فعلى العاقل تحصيل العبودية وتكميلها كى يليق بخطاب الله تعالى ويكون من اهل الحرمة عند الله تعالى ألا ترى ان من خدم ملكا من الملوك يستحق الكرامة ويصير محترما عنده وهو مخلوق فكيف خدمة الخالق.
نقل فى آخر فتاوى الظهيرية ان الامام الاعظم ابا حنيفةرحمه الله لما حج الحجة الاخيرة قال فى نفسه لعلى لا اقدر ان احج مرة اخرى فسأل حجاب البيت ان يفتحوا له باب الكعبة ويأذنوا له فى الدخول ليلا ليقوم فقالوا ان هذا لم يكن لاحد قبلك ولكنا نفعل ذلك لسبقك وتقدمك فى علمك واقتداء الناس كلهم بك ففتحوا له الباب فدخل فقام بين العمودين على رجل اليمنى حتى قرأ القرآن الى النصف وركع وسجد ثم قام على رجل اليسرى وقد وضع قدمه اليمنى على ظهر رجله اليسرى حتى ختم القرآن فلما سلم بكى وناجى وقال الهى ما عبدك هذا العبد الضعيف حق عبادتك ولكن عرفك حق معرفتك فهب نقصان خدمته لكمال معرفته فهتف هاتف من جانب البيت يا ابا حنيفة قد عرفت واخلصت المعرفة وخدمت فاحسنت الخدمة فقد غفرنا لك ولمن اتبعك وكان على مذهبك الى قيام الساعة.
ثم ان مثل هذه العبودية ناشئة عن التقوى والخوف من الله تعالى ومطالعة هيبته وجلاله وكان عليه السلام يصلى وبصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء. والازيز الغليان وقيل صوته والمرجل قدر من نحاس كذا نقل مثل ذلك عن ابراهيم عليه السلام فحرارة هذا الخوف اذا احاطت بظاهر الجسم وباطنه سلم الانسان من الاحتراق واذا مضى الوقت تعذر تدارك الحال فليحافظ على زمان الفرصة

وحشىء فرصت جوتيرازجشم بيرون جسته است تاتوزه مىسازى اى غافل كمان خويش را