التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ
١٧
ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٨
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين اجتنبوا الطاغوت } [الاجتناب: بايك سو شدن] يقال اجتنبه بعد عنه. والطاغوت البالغ اقصى غاية الطغيان وهو تجاوز الحد فى العصيان فلعوت من الطغيان بتقديم اللام على العين لان اصله طغيوت بنى للمبالغة كالرحموت والعظموت ثم وصف به للمبالغة فى النعت كأن عين الشيطان طغيان لان المراد به هو الشيطان وتاؤه زائدة دون التأنيث كما قال فى كشف الاسرار التاء ليست باصلية هى فى الطاغوت كهى فى الملكوت والجبروت واللاهوت والناسوت والرحموت والرهبوت ويذكر اى الطاغوت ويؤنث كما فى الكواشى ويستعمل فى الواحد والجمع كما فى المفردات والقاموس.
قال الراغب وهو عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله.
وفى القاموس الطاغوت اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والاصنام وكل ما عبد من دون الله ومردة اهل الكتاب.
وقال فى كشف الاسرار كل من عبد شيئا غير الله فهو طاغ ومعبوده طاغوت.
وفى التأويلات النجمية طاغوت كل احد نفسه وانما يجتنب الطاغوت من خالف هواه وعانق رضى مولاه ورجع اليه بالخروج عما سواه رجوعا بالكلية.
وقال سهل الطاغوت الدنيا واصلها الجهل وفرعها المآكل والمشارب وزينتها التفاخر وثمرتها المعاصى وميراثها القسوة والعقوبة: والمعنى بالفارسية [وآنانكه بيكسو رفتند ازشيطان يابتان يا كهنه يعنى از هرجه بدون خداى تعالى برستند ايشان بر طرف شدند] { ان يعبدوها } بدل اشتمال منه فان عبادة غير الله عبادة للشيطان اذ هو الآمر بها والمزين لها.
قال فى بحر العلوم وفيها اشارة الى ان المراد بالطاغوت ههنا الجمع { وانابوا الى الله } واقبلوا عليه معرضين عما سواه اقبالا كليا.
قال فى البحر واعلم ان المراد باجتناب الطاغوت الكفر بها وبالانابة الى الله الايمان بالله كما قال تعالى
{ { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } وقدم اجتناب الطاغوت على الانابة الى الله كما قدم الكفر بالطاغوت على الايمان بالله على وفق كلمة التوحيد لا اله الا الله حيث قدم نفى وجود الآلهية على اثبات الالوهية لله تعالى { لهم البشرى } بالثواب والرضوان الاكبر على ألسنة الرسل بالوحى فى الدنيا او الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون وبعد ذلك.
وقال بعض الكبار لهم البشرى بانهم من اهل الهداية والفضل من الله وهى الكرامة الكبرى { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه } فيه تصريح بكون التبشير من لسان الرسول عليه السلام وهو تبشير فى الدنيا واما تبشير الملك فتبشير فى الآخرة كما قال تعالى
{ { لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } وبالجملة تبشير الآخرة مرتب على تبشير الدنيا فمن استأهل الثانى استأهل الاول. والاصل عبادى بالياء فحذفت.
قيل ان الآية نزلت فى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير حين سألوا ابا بكر رضى الله عنه فاخبرهم بايمانه فآمنوا حكاه المهدوى فى التكملة فيكون المعنى يستمعون القول من ابى بكر فيتبعون احسنه وهو قول لا اله الا الله كما فى كشف الاسرار.
وقال فى الارشاد ونحوه اى فبشر فوضع الظاهر موضع ضميرهم تشريفا لهم بالاضافة ودلالة على ان مدار انصافهم بالاجتناب والانابة كونهم نقادا فى الدين يميزون الحق من الباطل ويؤثرون الافضل فالافضل انتهى. وهذا مبنى على اطلاق القول وتعميمه جريا على الاصل.
يقول الفقير ويحتمل ان يكون المعنى يستمعون القول مطلقا قرآنا كان او غيره فيتبعون احسنه بالايمان والعمل الصالح وهو القرآن لانه تعالى قال فى حقه
{ { الله نزل احسن الحديث } كما سيأتى فى هذه السورة.
وقال الراغب فى المفردات فيتبعون احسنه اى الابعد من الشبهة [ودر بحر الحقائق فرموده كه قول اعم است ازسخن خدا وملك وانسان وشيطان ونفس. اما انسان حق وباطل ونيك وبد كويد. وشيطان بمعاصى خواند. ونفس بآرزوها ترغيب كند. وملك بطاعت دعوت نمايد. وحضرت عزت بخود خواند كما قال
{ { وتبتل اليه تبتيلا } بس بندكان خالص آنانندكه احسن خطاب راكه خطاب رب الارباب است از زبان حضرت رسول استماع نموده اند بيروى كنند].
وايضا ان الالف واللام فى القول للعموم فيقتضى ان لهم حسن الاستماع فى كل قول من القرآن وغيره ولهم ان يتبعوا احسن معنى يحتمل كل قول اتباع درايته والعمل به واحسن كل قول ما كان من الله او لله او يهدى الى الله وعلى هذا يكون استماع قول القوّال من هذا القبيل كما فى التأويلات النجمية.
وقال الكلبى يجلس الرجل مع القوم فيستمع الاحاديث محاسن ومساوى فيتبع احسنها فيأخذ المحاسن ويحدث بها ويدع مساويها [ودر لباب كفته كه مراد ازقول سخنانست كه درمجالس ومحافل كذرد واهل متابعت احسن آن اقوال اختيار ميكنند در ايشان ودرامثال آمده]

خذ ما صفا دع ما كدرقول كس جون بشنوى دروى تأمل كن تمام
صاف رابردار ودردى را رهاكن والسلام

[وكفته اند استماع قول واتباع احسن آن عمومى دارد ومرد ازقول قرآنست واحسن او محكم باشد دون منسوخ وعزيمت دون رخصت.
وكفته اندكه درقرآن مقابح اعدا وممادح اولياست ايشان متابعت احسن مينمايند كه مثلا طريقه موسى است عليه السلام دون سيرت فرعون] وعلى هذا.
وفى كشف الاسرار مثال هذا الاحسن فى الدين ان ولى القتيل اذا طالب بالدم فهو حسن واذا عفا ورضى بالدية فهو احسن. ومن جزى بالسيئة السيئة مثلها فهو حسن وان عفا وغفر فهو احسن. وان وزن او كال فهو حسن وان ارجح فهو احسن. وان اتزن وعدل فهو حسن وان طفف على نفسه فهو احسن. وان رد السلام فقال وعليكم السلام فهو حسن وان قال وعليكم السلام ورحمة الله فهو احسن. وان حج راكبا فهو حسن وان فعله راجلا فهو احسن. وان غسل اعضاءه فى الوضوء مرة مرة فهو حسن وان غسلها ثلاثا ثلاثا فهو احسن. وان جزى من ظلمه بمثل مظلمته فهو حسن وان جازاه بحسنة فهو احسن. وان سجد او ركع ساكتا فهو جائز والجائز حسن وان فعلهما مسبحا فهو احسن. ونظير هذه الآية قوله عز وجل لموسى عليه السلام
{ { فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا باحسنها } وقوله { { واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم } انتهى ما فى الكشف.
وهذا معنى ما قال بعضهم يستمعون قول الله فيتبعون احسنه ويعملون بافضله وهو ما فى القرآن من عفو وصفح واحتمال على اذى ونحو ذلك فالقرآن كله حسن وانما الاحسن بالنسبة الى الآخذ والعامل.
قال الامام السيوطىرحمه الله فى الاتقان اختلف الناس هل فى القرآن شىء افضل من شىء فذهب الامام ابو الحسن الاشعرىرحمه الله وبعض الائمة الاعلام الى المنع لان الجميع كلام الله ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه. وذهب آخرون من المحققين وهو الحق كلام الله فى الله افضل من كلامه فى غيره فقل هو الله احد افضل من تبت يدا ابى لهب لان فيه فضيلة الذكر وهو كلام الله وفضيلة المذكور وهو اسم ذاته وتوحيده وصفاته الايجابية والسلبية وسورة تبت فيها فضيلة الذكر فقط وهو كلام الله تعالى. والاخبار الواردة فى فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل وكثرة الثواب فى تلاوتها لا تحصى.
قال الامام الغزالىرحمه الله فى جوهر القرآن كيف يكون بعض الآيات والسور اشرف من بعض مع ان الكل كلام الله فاعلم نوّرك الله بنور البصيرة وقلد صاحب الرسالة عليه السلام فهو الذى انزل عليه القرآن وقال
"يس قلب القرآن: وفاتحة الكتاب سور القرآن: وآية الكرسى سيدة القرآن: وقل هو الله احد تعدل ثلث القرآن" ومن توقف فى تعديل الآيات اول قوله عليه السلام افضل سورة واعظم سورة اراد فى الاجر والثواب لا ان بعض القرآن افضل من بعض فالكل فى فضل الكلام واحد والتفاوت فى الاجر لا فى كلام الله من حيث هو كلام الله القديم القائم بذاته.
واعلم ان استماع القول عند العارفين يجرى فى كل الاشياء فالحق تعالى يتكلم بكل لسان من العرش الى الثرى ولا يتحقق بحقيقة سماعه الا اهل الحقيقة وعلامة سماعهم انقيادهم الى كل عمل مقرب الى الله من جهة التكليف المتوجه على الاذن من امر او نهى كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى والموعظة الحسنة والقول الحسن والتصامم عن سماع الغيبة والبهتان والسوء من القول والخوض فى آيات الله والرفث والجدال وسماع القيان وكل محرم حجر الشارع عليه سماعه فاذا كان كذلك كان مفتوح الاذن الى الله تعالى: وفى المثنوى

بنبه آن كوش سر كوش سراست تانكردد اين كران باطن كراست

وللفقير

بنبه بيرون آر از كوش دلت ميرسد تا صوت از هر بلبلت

{ اولئك } المنعوتون بالمحاسن الجميلة وهو مبتدأ خبره قوله { الذين هديهم الله } للدين الحق والاتصاف بمحاسنه { واولئك هم اولوا الالباب } اصحاب العقول السليمة من معارضة الوهم ومنازعة الهوى المستحقون للهداية لا غيرهم.
وفى الكلام دلالة على ان الهداية تحصل بفعل الله تعالى وقبول النفس لها يعنى ان لكسب العبد مدخلا فيها بحسب جرى العادة.
وفيه اشارة الى ان اولئك القوم هم الذين عبروا عن قشور الاشياء ووصلوا الى الباب حقائقها