التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥٣
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم }.
قال الراغب السرف تجاوز الحد فى كل ما يفعله الانسان وان كان ذلك فى الانفاق اشهر وقوله تعالى { قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم } يتناول الاسراف فى الاموال وفى غيرها انتهى. وتعدية الاسراف بعلى لتضمين معنى الجناية والمعنى افرطوا فى الجناية عليها بالاسراف فى المعاصى وارتكاب الكبائر والفواحش.
قال البيضاوى ومن تبعه اضافة العباد تخصصه بالمؤمن على ما هو عرف القرآن.
يقول الفقير قوله تعالى
{ { فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولى بأس شديد } ينادى على خلافه لان العباد فسر ههنا ببخت نصر وقومه وكانوا كفارا بالاتفاق الا ان يدعى الفرق بين الاضافة بالواسطة وبغيرها.
وقال فى الوسيط المفسرون كلهم قالوا ان هذه الآية نزلت فى قوم خافوا ان اسلموا ان لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك وقتل النفس والزنى ومعاداة النبى عليه السلام والقتال معه فانزل الله هذه الآية وفرح النبى عليه السلام بهذه الآية ورآها اصحابه من اوسع الآيات فى مغفرة الذنوب انتهى.
وقال فى التكملة روى ان وحشيا قاتل حمزة رضى الله عنه كتب الى النبى عليه السلام يسأله هل له من توبة وكتب انه كان قد سمع فيما انزل الله بمكة من القرآن آيتين ايأستاه من كل خير وهما قوله تعالى
{ { والذين لا يدعون مع الله الها آخر } الى قوله { { مهانا } فنزلت { { الا من تاب } الخ فكتب بها رسول الله عليه السلام فخاف وحشى وقال لعلى لا ابقى حتى اعمل عملا صالحا فانزل الله { { ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك } الخ فقال وحشى انى اخاف ان لا اكون من مشيئة الله فانزل الله تعالى { قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم } الخ فاقبل وحشى واسلم انتهى وعلى كل تقدير فخصوص السبب لا ينافى عموم اللفظ فدخل فيه كل مسرف { لا تقنطوا من رحمة الله } القنوط اعظم اليأس.
وفى المفردات اليأس من الخير: وبالفارسية [نوميدشدن ازخير] والرحمة من الله تعالى الانعام والاعطاء والتفضل: وبالفارسية [بخشايش] وهو لا يكون فى الترتيب الوجودى الا بعد المغفرة التى هى ان يصون الله عبده من ان يمسه العذاب دل عليه قوله { انه هو الغفور الرحيم } ولذا قالوا فى المعنى لا تيأسوا من مغفرته اولا وتفضله ثانيا

نوميد مشوكه نااميدى كفراست

[درمعالم التنزيل آورده كه ابن مسعود رضى الله عنه درمسجد در آمد ديد كه واعظمى ذكر آتش دوزخ وسلاسل واغلال ميكند فرمودكه اى مذكرجرا نوميد مى كردانى مردمانرا مكر نخواندى آنراكه ميفرمايد] { قل يا عبادى الذين } الخ.
واعلم ان القنوط من رحمة الله علامة زوال الاستعداد. والسقوط عن الفطرة بانقطاع الوصلة بين الحق والعبد اذ لو بقى شىء فى العبد من نوره الاصلى لادرك اثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه فرجاء وصول ذلك الاثر اليه لاتصاله بعالم النور بتلك البقية وان اسرف وفرط فى جنب الله واما اليأس فدليل الاحتجاب الكلى واسوداد الوجه فالله تعالى يغفر الذنوب جميعا بشرط بقاء نور التوحيد فى القلب فاذا لم يبق دخل فى قوله
{ { ان الله لا يغفر ان يشرك به } فالقنوط من اعظم المصائب وقد امهل تعالى عباده تفضلا منه الى وقت الغرغرة فلو رجع العبد الى الله قبل آخر نفس يتنفسه قبل { ان الله يغفر الذنوب } حال كونها { جميعا } كأنه قيل ما سبب النهى عن القنوط من الرحمة فاجيب بان سبب النهى هو { ان الله يغفر الذنوب جميعا } عفوا لمن يشاء ولو بعد حين بتعذيب فى الجملة وبغيره حسبما يشاء فهو وعد بغفران الذنوب وان كثرت وكانت صغائر او كبائر بعدد الرمال والاوراق والنجوم ونحوها. والعموم بمعنى الخصوص لان الشرك ليس بداخل فى الآية اجماعا وهى ايضا فى العاصى مقيدة بالمشيئة لان المطلق محمول على المقيد وسيجىء بقية الكلام على الآية قال عليه السلام "ان الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالى انه هو الغفور الرحيم" وقال عليه السلام "ان تغفر اللهم فاغفر جما وأى عبد لك لا الما" يعنى [جون آمرزى خداوندا همه بيامرز وآن كدام بنده است كه اوكناه نكرده است].
والفرق بين العفو والمغفرة هو ان حقيقة العفو هو المحو كما اشير اليه بقوله تعالى
{ { ان الحسنات يذهبن السيئات } والتبديل الذى اشير اليه بقوله { { فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } هو من مقام المغفرة قاله الشيخ الكبير رضى الله عنه فى شرح الاربعين حديثا ثم قال فى مقام التعليل { انه } تعالى { هو } وحده { الغفور الرحيم } الاول اشارة الى محو ما يوجب العقاب والثانى الى التفضل بالثواب وصيغة المبالغة راجعة الى كثرة الذنوب وكثرة المغفور والمرحوم.
قال الاستاذ القشيرى قدس سره التسمية بيا عبادى مدح والوصف بانهم اسرفوا ذم فلما قال يا عبادى طمع المطيعون ان يكونوا هم المقصودين بالآية فرفعوا رؤسهم ونكس العاصى رأسه وقال من انا حتى يقول لى هذا فقال الله تعالى { الذين اسرفوا على انفسهم } فانقلب الحال فهؤلاء الذين نكسوا رؤسهم انتعشوا وزالت زلتهم والذين رفعوا رؤسهم اطرقوا وزالت صولتهم ثم قوى رجاؤهم بقوله على انفسهم يعنى ان اسرفت لا تقنط من رحمة الله بعدما قطعت اختلافك الى بابنا فلا ترفع قلبك عناء والالف واللام فى الذنوب للاستغراق والعموم وجميعا تأكيد له فكأنه قال اغفر ولا اترك واعفو ولا ابقى فان كانت لكم جناية كثيرة عميمة فلى بشأنكم عناية قديمة.
وفى كشف الاسرار [بدانكه از آفريد كان حق تعالى كمال كرامت دوكروه راست يكى فرشتكان وديكر آدميان "ولهذا جعل الانبياء والرسل منهم دون غيرهم" وغايت شرف انسانى دردوجيزاست درعبوديت ودرمحبت عبوديت محض صفت فرشتكانست وعبوديت ومحبت هر دوصفت آدميان است فرشتكانرا عبوديت محض دادكه صفت خلق است وآدميانرا بعد ازعبوديت خلعت محبت داد كه صفت حق است تا از بهر اين امت ميكويد
{ { يحبهم ويحبونه } ودرعبوديت نيز آدميانرا فضل داد برفرشتكانكه عبوديت فرشتكان بىاضافت كفت { { بل عباد مكرمون } وعبوديت آدميان باضافت كفت { يا عبادى } آنكه برمقتضاى محبت فضل خود برايشان تمام كرد وعيبها ومعصيتهاى ايشان بانوار محبت بيوشيد وبرده ايشان ندريدنه بينى كه زلت برايشان قضا كرد وبآن همه زلات نام عبوديت ازايشان نيفكند وباذ كرزلت ومعصيت تشريف اضافت ازايشان باز نستد كفت { قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم } وآنكه برده ايشان نكاه داشت كه عين كناهان اظهار نكرد بلكه مجمل ياد كرد سربسته وعين آن بوشيده كفت { اسرفوا } اسراف كردند كزاف كردند ازبهر آنكه درارادت وى مغفرت ايشان بود نه برده دريد نه اسم عبوديت بيفكد "سبحانه ما ارافه بعباده" موسى عليه السلام كفت "الهى تريد المعصية من العباد وتبغضها" كفت "يا موسى ذاك تأسيس لعفوى" يعنى معصيت بندكان بارادت تست آنكه آنرا دشمن ميدارى وبنده را بمعصيت دشمن ميكيرى حق جل جلاله كفت آن بنياد عفو وكرم خويش است كه مى نهم خزينه رحمت ما براست اكر عاصيان نباشند ضايع ماند.
قال الكاشفى بيمارستان جرم وعصيانرا شربت راحت جز درين دار الشفا حاصل نشود وسركردانان بيابان نفس وهوارا زاد طريق نجات جز بمدد آن آيت ميسر نكردد]

ندارم هيج كونه توشه راه بجز لا تقنطوا من رحمة الله
توفرمودى كه نوميدى مياريد زمن لطف وعنايت جشم داريد
بدين معنى بسى اميد واريم ببخشا زانكه بس اميد داريم
اميد دردمندانرا دوا كن دل اميد وارنرا روا كن

وقال المولى الجامى قدس سره

بلى نبود درين ره نا اميدى سياهىرا بودرو در سفيدى
زصد دردى كراميدت نيابد بنوميدى جكر خوردن نشايد
درديكر ببايد زدكه ناكاه ازان درسوى مقصود آورى راه

قال عليه السلام "ما احب ان تكون لى الدنيا وما فيها بها" اى ما احب ان املك الدنيا وما فيها بدل هذه الآية فالباء فى بها للبدلية والمقابلة: وبالفارسية [دوست نمى دارم كه دنيا ومافيها مراباشد بعوض اين آيت جه اين آيت ازدنيا وهرجه دردنيا باشد بهتراست] وذلك لان الله تعالى منّ على من اسرف من عباده ووعد لهم مغفرة ذنوبهم جميعا ونهاهم ان يقنطوا من رحمته الواسعة.
واعلم ان الآية لا تدل على غفران جميع الذنوب لجميع الناس بل على غفران جميع ذنوب من شاء الله غفران ذنوبه فلا تنافى الامر بالتوبة وسبق تعذيب العصاة والامر بالاخلاص فى العمل والوعيد بالعذاب فالله تعالى لا يغفر الشرك الا بالتوبة والرجوع عنه ويغفر ما دون ذلك من الصغائر والكبائر بالتوبة وبدونها لمن يشاء لا لكل احد من اهل الذنوب ـ روى ـ ان ابن مسعود رضى الله عنه قرأ هذه الآية ان الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء فحمل المطلق على المقيد وذلك لانه لا يجرى فى ملكه الا ما يشاء.
يقول الفقير ان اهل السنة لم يشترطوا التوبة فى غفران الذنوب مطلقا اى سواء كانت صغائر او كبائر سوى الشرك ودل عليه آثار كثيرة.
روى ان الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عصاة المؤمنين سترتها عليك فى الدنيا اى الذنوب وانا اغفرها لك اليوم فهذا وامثاله يدل على المغفرة بلا توبة.
والفرق بين الشرك وسائر المعصية هو ان الكافر لا يطلب العفو والمغفرة لمعاصيه وقوله تعالى
{ { انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } انما هو بالنسبة الى حال الغرغرة فالشرك وسائر المعاصى لا يغفر فى تلك الحال وان وجدت التوبة وهذا لا ينافى المغفرة بدون التوبة بالنسبة الى المعاصى سوى الشرك فان مغفرته مخالفة للحكمة.
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"جعل الله الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعة وتسعين وانزل فى الارض جزأ واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها وهو يمص ان تصيبه" فهذا مما يدل على كمال الرجاء والبشارة للمسلمين لانه حصل فى هذه الدار من رحمة واحدة ما حصل من النعم الظاهرة والباطنة فما ظنك بمائة رحمة فى الدار الآخرة.
قال يحيى بن معاذرحمه الله فى كتاب الله كنوز موجبة للعفو عن جميع المؤمنين. منها قوله تعالى { قل يا عبادى } الخ ولذا قال العلماء ارجى آية فى القرآن لاهل التوحيد هذه الآية وقوله تعالى
{ { ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقوله { { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وذلك ان كل نبى مرسل مظهر لبعض احكام الرحمة ولذا كانت رسالته مقيدة ومقصورة على طائفة مخصوصة ولما كان نبينا عليه السلام مظهر حقيقة الرحمة كانت بعثته عامة وقيل فيه { { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } وتم ظهور حكم رحمانيته بالشفاعة التى بها تظهر سيادته على جميع الناس حتى ان من يكون له درجة الشفاعة من الملائكة والانبياء والمؤمنين لا يشفعون الا بعده فلا تقنطوا ايتها الامة المرحومة من رحمة الله المطلقة ان الله يغفر الذنوب جميعا بشفاعة من هو مظهر تلك الرحمة قال الجامى

زمهجورى برآمد جان عالم ترحم يا نبى الله ترحم
اكرجه غرق درياى كناهم فتاده خشك لب برخاك راهيم
توابر رحمتى آن به كه كناهى كنى درحال لب خشكان نكاهى