التفاسير

< >
عرض

وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ
٦٨
-الزمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ ونفخ فى الصور } المراد النفخة الاولى التى هى للاماتة بقرينة النفخة الآتية التى هى للبعث والنفخ نفخ الريح فى الشىء: وبالفارسية [دميدن] يقال نفخ بفمه اخرج منه الريح.
والنفخ فى القرآن على خمسة اوجه.
الاول نفخ جبريل عليه السلام فى جيب مريم عليها السلام كما قال تعالى
{ { فنفخنا فيه من روحنا } اى نفخ جبرائيل فى الجيب بامرنا فسبحان من احبل رحم امرأة واوجد فيها ولدا بنفخ جبرائيل.
والثانى نفخ عيسى عليه السلام فى الطين كما قال تعالى
{ { فتنفخ فيه فيكون طيرا باذن الله } وهو الخفاش فسبحان من حول الطين طيرا بنفخ عيسى.
والثالث نفخ الله تعالى فى طين آدم عليه السلام كما قال تعالى
{ { ونفخت فيه من روحى } اى امرت الروح بالدخول فيه والتعلق به فسبحان من انطق لحما وابصر شحما واسمع عظما واحيى جسدا بروح منه.
والرابع نفخ ذى القرنين الحديد فى النار كما قال تعالى حكاية عنه
{ { قال انفخوا } الآية فسبحان من حول قطعة حديد نارا بنفخ ذى القرنين.
والخامس نفخ اسرافيل عليه السلام فى الصور كما قال تعالى { ونفخ فى الصور } فسبحان من اخرج الارواح من الابدان بنفخ واحد كما يطفأ السراج بنفخ واحد وتوقد النار بنفخ واحد وسبحان من رد الارواح الى الابدان بنفخ واحد وهذا كله دليل على قدرته التامة العامة. والصور قرن من نور القمه الله اسرافيل وهو اقرب الخلق الى الله تعالى وله جناح بالمشرق وجناح بالمغرب والعرش على كاهله وان قدميه قد خرجتا من الارض السفلى حتى بعدتا عنها مسيرة مائة عام على ما رواه وهب وعظم دائرة القرن مثل ما بين السماء والارض.
وفى الدرة الفاخرة للامام الغزالىرحمه الله الصور قرن من نور له اربع عشرة دائرة الدائرة الواحدة كاستدارة السماء والارض فيه ثقب بعدد ارواح البرية وباقى ما يتعلق بالنفخ والصور قد سبق فى سورة الكهف والنمل فارجع { فصعق من فى السموات ومن فى الارض } يقال صعق الرجل اذا اصابه فزع فاغمى عليه وربما مات منه ثم استعمل فى الموت كثيرا كما فى شرح المشارق لابن الملك.
قال فى المختار صعق الرجل بالكسر صعقة غشى عليه وقوله تعالى { فصعق من } الخ اى مات انتهى فالمعنى خروا امواتا من الفزع وشدة الصوت { الا من شاء الله } جبرائيل واسرافيل وميكائيل وملك الموت عليهم السلام فانهم يموتون من بعد.
قال السدى وضم بعضهم اليهم ثمانية من حملة العرش فيكون المجموع اثنى عشر ملكا وآخرهم موتا ملك الموت ـ وروى ـ النقاش انه جبرائيل كما جاء فى الخبر ان الله تعالى يقول حينئذ يا ملك الموت خذ نفس اسرافيل ثم يقل من بقى فيقول بقى جبرائيل وميكائيل وملك الموت فيقول خذ نفس ميكائيل حتى يبقى ملك الموت وجبرائيل فيقول تعالى مت يا ملك الموت فيموت ثم يقول يا جبرائيل من بقى فيقول تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام وجهك الدائم الباقى وجبرائيل الميت الفانى فيقول يا جبرائيل لا بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه فيموت فلا يبقى فى الملك حى من انس وجن وملك وغيرهم الا الله الواحد القهار.
وقال بعض المفسرين المستثنى الحور والولدان وخزنة الجنة والنار وما فيهما لانهما وما فيهما خلقا للبقاء والموت لقهر المكلفين ونقهلم من دار الى دار ولا تكليف على اهل الجنة فتركوا على حالهم بلا موت. وهذا الخطاب بالصعق متعلق بعالم الدنيا والجنة والنار عالمان بانفرادهما خلقا للبقاء فهما بمعزل عما خلق للفناء فلم يدخل اهلهما فى الآية فتكون آية الاستثناء مفسرة لقوله تعالى
{ { كل شىء هالك الا وجهه } { كل نفس ذائقة الموت } وغيرهما من الآيات فلا تناقض.
يقول الفقير يرد عليه انه كيف يكون هذا الخطاب بالصعق متعلقا بعالم الدنيا وقد قال الله تعالى { من فى السموات } وهى اى السماوات خارجة عن حد الدنيا ولئن سلم بناء على ان السموات السبع كالارض من عالم الكون والفساد فيبقى الفلك الثامن الذى هو الكرسى والتاسع الذى هو العرش خارجين عن حد الآية فيلزم ان لا يفنى اهلهما عموما وخصوصا من الملائكة الذين لا يحصى عددهم الا الله على انهم من اهل التكليف ايضا.
قال الامام النسفى فى بحر الكلام قال اهل الحق اى اهل السنة والجماعة سبعة لا تفنى العرش والكرسى واللوح والقلم والجنة والنار واهلهما من ملائكة الرحمة والعذاب والارواح اى بدلالة هذه الآية.
وقال شيخ العلماء الحسن البصرى قدس سره المراد بالمستثنى هو الله تعالى وحده ويؤيده ما قاله الغزالىرحمه الله حدثنى من لا اشك فى علمه ان الاستثناء واقع عليه سبحانه خاصة.
يقول الفقير فيه بعد من حيث الظاهر لأنه يلزم ان يشاء الله نفسه فيكون شائيا ومشيئا وقد اخرجوه فى نحو قوله تعالى
{ { والله على كل شىء قدير } و { الله خالق كل شىء } وغيرهما اذ الله ليس من اهل السموات والارض وان كان الها فهى كما قال { { وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله
} وقال بعض المحققين الصعق اعم من الموت فلمن لم يمت الموت ولمن مات الغشية فاذا نفخ الثانية فمن مات حى ومن غشى عليه افاق وهو القول المعوّل عليه عند ذوى التحقيق.
يقول الفقير فيدخل ادريس عليه السلام فانه مات ثم احيى وادخل الجنة فتعمه الغشية دون الموت الا ان يكون ممن شاء الله واما موسى عليه السلام فقد جزى بصعقته وغشيته فى الطور فالموت عام لكل احد اذ لو بقى احد لاجاب الله تعالى حيث يقول لمن الملك اليوم فقال لله الواحد القهار.
قال فى اسئلة الحكم واما قوله تعالى
{ { كل شىء هالك الا وجهه } فمعناه عند المحققين قابل للهلاك فكل محدث قابل لذلك بل هالك دائم وعدم محض بالنسبة الى وجه نفسه اذ لكل شىء وجهان وجه الى نفسه ووجه الى ربه فالوجه الاول هالك وعدم والثانى عين ثابت فى علمه قائم بربه وان كان له ظل ظاهر فكل محدث قابل للهلاك والعدم وان لم يهلك وينعدم بخلاف القديم الازلى ويؤيد ذلك المعنى ان العرش لم يرو فيه خبر بانه يهلك فلتكن الجنة مثله.
يقول الفقير اما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سأل جبرائيل عن هذه الآية من الذين لم يشأ الله ان يصعقهم قال هم الشهداء المتقلدون اسيافهم حول العرش كما فى كشف الاسرار وكذا ما قال جعفر الصادق رضى الله عنه اهل الاستثناء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم واهل بيته واهل المعرفة وما قال بعضهم هم اهل التمكين والاستقامة كل ذلك وما شاكله فمبنى على تفسير الصعق بالغشى اذ الشهداء ونحوهم من الصديقين وان كانوا احياء عند ربهم لكنهم لا يذوقون الموت مرة اخرى والا لتحققوا بالعدم الاصلى وهو مخالف لحكمة الله تعالى وانما شأنهم الفزع والغشيان فيحفظهم الله تعالى عن ذلك فالارواح والاحياء مشتركون فى ذلك الا من شاء الله ـ حكى ـ ان واحدا رؤى فى المنام ذا شيب وكان قد مات وهو شاب فقيل له فى ذلك فقال لما قبر المرسى القائل بخلق القرآن فى قبره فى هذه المقبرة هجمت عليه جهنم بغيظ وزفير فشاب شعرى من ذلك الفزع والهول وله نظائر كثيرة ودخل فى الارواح من يقال لهم الارواح العالية المهيمة فانهم لا يموتون لكونهم ارواحا ولا يغشى عليهم اذ ليس لهم خبر عما سوى الله تعالى بل هم المستغرقون فى بحر الشهود فعلى هذا يكون المراد بالنفخة فى الآية نفخة غير نفخة الاماتة وسيأتى البيان فى النفخات.
فان قلت فما الفرق بين الصعق الذى فى هذه الآية وبين الفزع الذى فى آية النمل وهى قوله تعالى
{ { ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السموات ومن فى الارض } قلت لا شك ان الصعق بمعنى الموت غير الفزع وكذا بمعنى الغشى اذ ليس كل من له فزع مغشيا عليه هذا ما تيسر لى فى هذا المقام وحقيقة العلم عند الله الملك العلام { ثم نفخ فيه اخرى } نفخة اخرى هى النفخة الثانية على الوجه الاول واخرى. يحتمل النصب على ان يكون الظرف قائما مقام الفاعل واخرى صفة لمصدر منصوب على المفعول المطلق والرفع على ان يكون المصدر المقدر قائما مقام الفاعل { فاذا هم } اى جميع الخلائق { قيام } جمع قائم اى قائمون من قبورهم على ارجلهم او متوقفون فالقيام بمعنى الوقوف والجمود فى مكانهم لتحيرهم { ينظرون } يقلبون ابصارهم فى الجوانب كالمبهوتين او ينتظرون ماذا يفعل بهم ويقال ينظرون الى السماء كيف غيرت والى الارض كيف بدلت والى الداعى كيف يدعوهم الى الحساب والى الآباء والامهات كيف ذهبت شفقتهم عنهم واشتغلوا بانفسهم والى خصمائهم ماذا يفعلون بهم.
وفى الحديث
"انا اول من ينشق عنه القبر. واول من يحيى من الملائكة اسرافيل لينفخ فى الصور. واول من يحيى من الدواب براق النبى عليه السلام. واول من يستظل فى ظل العرش رجل انظر معسرا ومحا عنه. واول من يرد الحوض فقراء الامة والمتحابون فى الله. واول من يكسى يوم القيامة ابراهيم الخليل عليه السلام لانه القى فى النار عريانا. واول من يكسى حلة من النار ابليس. واول من يحاسب جبرائيل لانه كان امين الله الى رسله. واول ما يقضى بين الناس فى الدماء. واول ما يحاسب به الرجل صلاته. واول ما تسأل المرأة عن صلاتها ثم بعلها. واول ما يسأل العبد يوم القيامة عن النعيم بان يقال له ألم اصحح جسمك واروك من الماء البارد. واول ما يوضع فى الميزان الخلق الحسن. واول ما يوضح فى ميزان العبد نفقته على اهله. واول ما يتكلم من الآدمى فخذه وكفه. واول خصمين جاران. واول من يشفع يقوم القيامة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء. واول من يدخل الجنة من هذه الامة ابو بكر رضى الله عنه. واول من يسلم عليه الحق ويصافحه عمر رضى الله عنه. واول من يدخل من الاغنياء عبد الرحمن بن عوف من العشرة المبشرة"
قال فى المدارك دلت الآية على ان النفخة اثنتان الاولى للموت والثانية للبعث.
والجمهور على انها ثلاث. الاولى للفزع كما قال
{ { ونفخ فى الصور ففزع } والثانية للموت. والثالثة للاعادة انتهى فان كانت النفخة اثنتين يكون معنى صعق خروا امواتا وان كانت ثلاثا يكون معناه مغشيا عليهم فتكون هذه النفخة اى الثالثة بعد نفخة الاحياء يوم القيامة كما ذهب اليه البعض.
وقال سعد المفتى دل ظاهر الاحاديث على ان النفخات اربع المذكورتان فى سورة يس للاماتة ثم الاحياء ونفخة للارعاب والارهاب فيغشى عليهم ثم للافاقة والايقاظ والذى يفهم من خريدة العجائب ان نفخة الفزع هى اولى النفخات فانه اذا وقعت اشراط الساعة ومضت امر الله صاحب الصور ان ينفخ نفخة الفزع ويديمها ويطولها فلا يبرح كذا عاما يزداد الصوت كل يوم شدة فيفزع الخلائق وينحازون الى امهات الامصار وتعطل الرعاة السوائم وتأتى الوحوش والسباع وهى مذعورة من هول الصيحة فتختلط بالناس ويؤول الامر الى تغير الارض والسماء عما هما عليه وبين نفخة الفزع والنفخة الثانية اربعون سنة ثم تقع نفخة الثانية والثالثة وبينهما اربعون سنة او شهرا او يوما او ساعة.
قال الامام الغزالىرحمه الله اختلف الناس فى امد المدة الكائنة بين النفختين فاستقر جمهورهم على انها اربعون سنة وحدثنى من لا اشك فى علمه ان امد ذلك لا يعلمه الا الله تعالى لانه من اسرار الربوبية فاذا اراد الله احياء الخلق يفتح خزانة من خزائن العرش فيها بحر الحياة فتمطر به الارض فاذا هو كمنىّ الرجال بعد ان كانت عطشى فتحيى وتهتز ولا يزال المطر عليها حتى يعمها ويكون الماء فوقها اربعين ذراعا فاذا الاجسام تنبت من عجب الذنب وهو اول ما يخلق من الانسان بدىء منه ومنه يعود وهو عظم على قدر الحمصة وليس له مخ فاذا نبت كما نبت البقل تشتبك بعضها فى بعض فاذا رأس هذا على منكب هذا ويد هذا على جنب هذا وفخذ هذا على حجر هذا لكثرة البشر والصبى صبى والكهل كهل والشيخ شيخ والشاب شاب ثم تهب ريح من تحت العرش فيها نار فتنسف ذلك عن الارض وتبقى الارض بارزة مستوية كأنها صحيفة واحدة ثم يحيى الله اسرافيل فينفخ فى الصور من صخرة بيت المقدس فتخرج الارواح لها دوىّ كدوىّ النحل فتملأ الخافقين ثم تذهب كل نفس الى جثتها باعلام الله تعالى حتى الوحش والطير وكل ذى روح فاذا الكل قيام ينظرون ثم يفعل الله بهم ما يشاء: قال الشيخ سعدى قدس سره

جودرخا كدان لحد خفت مرد قيامت بيفشاند از موى كرد
سرازجيب غفلت برآور كنون كه فردا نماند بحسرت نكون
بران ازدوسر جشمه ديده جوى ور آلايشى دارى ازخودبشوى