التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٢٣
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً
١٢٤
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ليس بامانيكم } جمع امنية بالفارسية "آرزوكردن" { ولا امانى اهل الكتاب } اى ليس ما وعد الله من الثواب يحصل بامانيكم ايها المسلمون ولا بامانى اهل الكتاب وانما يحصل بالايمان والعمل الصالح. وامانى المسلمين ان يغفر لهم جميع ذنوبهم من الصغائر والكبائر ولا يؤاخذوا بسوء بعد الايمان. وامانى اهل الكتاب ان لا يعذبهم الله ولا يدخلهم النار الا اياما معدودة لقولهم { { نحن ابناء الله واحباؤه } [المائدة: 18].
فلا يعذبنا وعن الحسن ليس الايمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل ان قوما الهتهم امانى المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو احسنوا الظن بالله لاحسنوا العمل.
قال بعضهم الرجاء ما قارنه عمل والا فهو امنية والامنية منية اى موت اذ هى موجبة لتعطيل فوائد الحياة: قال السعدى

قيامت كه بازار نيهو نهند منازل باعمال نيكونهند
بضاعت بجندانكه آرى برى اكر مفلسى شرمسارى برى
كسى راكه حسن عمل بيشتر بدركاه حق منزلت بيشتر

ثم انه تعالى اكد حكم الجملة الماضية وقال { من يعمل سوأ } عملا قبيحا { يجز به } عاجلا او آجلا لما "روى انه لما نزلت قال ابو بكر رضى الله عنه فمن ينجو مع هذا يا رسول الله فقال عليه السلام اما تحزن اما تمرض اما يصيبك اللاواء قال بلى يا رسول الله قال هو ذلك" "قال ابو هريرة رضى الله عنه لما نزل قوله تعالى { من يعمل سوأ يجز به } بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما ابقت هذه الآية من شىء قالاما والذى نفسى بيده لكما انزلت ولكن يسروا وقاربوا وسددوا"
.اى اقصدوا السداد اى الصواب "ولا تفرطوا فتجهدوا انفسكم فى العبادة لئلا يفضى ذلك بكم الى الملال فتتركوا العمل"
.كذا فى المقاصد الحسنة { ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا } اى ولا يجد لنفسه اذا جاوز موالاة الله ونصرته من يواليه وينصره فى دفع العذاب عنه { ومن يعمل من الصالحات } من للتبعيض اى بعضها وشيئاً منها فان كل احد لا يتمكن من كلها وليس مكلفا بها وانما يعمل منها ما هو تكليفه وفى وسعه وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة وتقسط عنه الصلاة فى بعض الاحوال { من ذكر او انثى } فى موضع الحال من المستكن فى يعمل ومن للبيان { وهو مؤمن } حال شرط اقتران العمل بها فى استدعاء الثواب المذكور لانه لا اعتداد بالعمل بدون الايمان فيه { فاولئك } المؤمنون العاملون { يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا } اى لا ينقصون مما استحقوه من جزاء اعمالهم مقدار النقير وهى النقرة اى الحفرة التى فى ظهر النواة ومنها تنبت النخلة وهو علم فى القلة والحقارة واذا لم ينقص ثواب المطيع فبالحرى ان لا يزاد عقاب العاصى لان المجازى ارحم الراحمين وفى الحديث "ان الله وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة فمن جوزى بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده اعشاره"
.اى سيآته على حسناته.
قال النيسابورى حكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد اذا اجتمع الخصماء فى طاعته فيدفع اليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة.
وقد ذكر الامام البيهقى فى كتاب البعث فقال ان التضعيفات فضل من الله تعالى لا تتعلق بها العباد كما لا تتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلا منه سبحانه فاذا دخل الجنة اثابه بها: قال السعدى قدس سره

نكوكارى ازمردم نيك رأى يكى رابده مى نويسد خداى
جوانا ره طاعت امروز كير كه فردا جوانى نيايد زبير
ره خير بازست وطاعت وليك نه هر كس تواناست بر فعل نيك
همه برك بودن همى ساختى بتدبير رفتن نبرداختى

واعلم ان جميع الاعمال الصالحة يزيد فى نور الايمان فعليك بالطاعات والحسنات والوصول الى المعارف الآلهية فان العلم بالله افضل الاعمال ولذلك لما "قيل يا رسول الله أى الاعمال افضل قال العلم بالله فقيل الاعمال نريد قال العلم بالله فقيل نسأل عن العمل وتجيب عن العلم فقال ان قليل العمل ينفع مع العلم وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل"
.وذلك انما يحصل بتصفية الباطن مع صيقل التوحيد وانواع الاذكار ولا يعقلها الا العالمون.
والاشارة { ليس بامانيكم } يعنى بامانى عوام الخلق الذين يذنبون ولا يتوبون ويطمعون ان يغفر الله لهم والله تعالى يقول
{ { وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا } [طه: 82].
{ ولا امانى اهل الكتاب } يعنى العلماء السوء الذين يغرون الخلق بالرجاء المذموم ويقطعون عليهم طريق الطلب والجد والاجتهاد { من يعمل سوأ يجز به } فى الحال باظهار الرين على مرآة قلبه بعد الذنب كما قال عليه السلام
"اذا اذنب عبد ذنبا نكت فى قلبه نكتة سوداء فان تاب ورجع منه صقل"
.{ ولا يجد له من دون الله وليا } يخرجه من ظلمات المعصية الى نور الطاعة بالتوبة { ولا نصيرا } سوى الله ينصره بالظفر على النفس الامارة فيزكيها عن صفاتها وعلى الشيطان فيدفع شره وكيده { ومن يعمل من الصالحات } اى الخالصات { من ذكر او انثى } يشير بالذكر الى القلب وبالانثى الى النفس { وهو مؤمن } مخلص فى تلك الاعمال { فاولئك يدخلون الجنة } المعنى ان القلب اذا عمل بما وجب عليه من التوجه الى العالم العلوى والاعراض عن العالم السفلى وغض البصر عن سوى الحق يستوجب دخول جنة القربة والوصلة والنفس اذا عملت بما وجب عليها من الانتهاء عن هواها وترك حظوظها واداء حقوق الله تعالى فى العبودية واطمأنت بها تستحق الرجوع الى ربها والدخول فى جنة عالم الارواح كما قال تعالى { { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك راضية مرضية } [الفجر: 27-28].
{ ولا يظلمون نقيرا } فيما قدر لهم الله من الاعمال الصالحات ولا من الدرجات والقربات فليس من تمنى نعمته من غير ان يتعنى فى خدمته كمن تعنى فى خدمته من غير ان يتمنى نعمته وان بينهما بونا بعيدا من اعلى مراتب القرب الى اسفل سافلين البعد كذا فى التأويلات النجمية.