التفاسير

< >
عرض

بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٥٨
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ بل رفعه الله اليه } رد وانكار لقتله واثبات لرفعه.
قال الحسن البصرى اى الى السماء التى هى محل كرامة الله تعالى ومقر ملائكته ولا يجرى فيها حكم احد سواه فكان رفعه الى ذلك الموضع رفعا اليه تعالى لانه رفع عن ان يجرى عليه حكم العباد ومن هذا القبيل قوله تعالى
{ { ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله } [النساء: 100].
وكانت الهجرة الى المدينة وقوله
{ { إنى ذاهب الى ربى } [الصافات: 99].
اى الى موضع لا يمنعنى احد من عبادة ربى والحكمة فى الرفع انه تعالى اراد به صحبة الملائكة ليحصل لهم بركته لانه كلمة الله وروحه كما حصل للملائكة بركة صحبة آدم ابى البشر من تعلم الاسماء والعلم وان مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما ذكر فى الآية. وقيل رفع الى السماء لما لم يكن دخوله الى الوجود الدنيوى من باب الشهوة وخروجه لم يكن من باب المنية بل دخل من باب القدرة وخرج من باب العزة { وكان الله عزيزا } لا يغالب فيما يريده فعزة الله تعالى عبارة عن كمال قدرته فان رفع عيسى عليه السلام الى السموات وان كان متعذرا بالنسبة الى قدرة البشر لكنه سهل بالنسبة الى قدرة الله تعالى لا يغلبه عليه احد { حكيما } فى جميع افعاله فيدخل فيها تدبير انه تعالى فى امر عيسى عليه السلام دخولا اوليا ولما رفع الله عيسى عليه السلام كساه الريش والبسه النور وقطعه عن شهوات المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش فكان انسيا ملكيا سماويا ارضيا.
قال وهب بن منبه بعث عيسى على رأس ثلاثين سنة ورفعه الله وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين.
فان قيل لم لم يرد الله تعالى عيسى الى الدنيا بعد رفعه الى السماء. قيل اخر رده ليكون علما للساعة وخاتما للولاية العامة لانه ليس بعده ولى يختم الله به الدورة المحمدية تشريفا لهم بختم نبى مرسل يكون على شريعة محمدية يؤمن بها اليهود والنصارى ويجدد الله تعالى به عهد النبوة على الامة ويخدمه المهدى واصحاب الكهف ويتزوج ويولد له ويكون فى امة محمد عليه السلام وخاتم اوليائه ووارثيه من جهة الولاية.
واجمع السيوطى فى تفسير الدر المنثور فى سورة الكهف عن ابن شاهين اربعة من الانبياء احياء اثنان فى السماء عيسى وادريس واثنان فى الارض الخضر والياس فاما الخضر فانه فى البحر واما صاحبه فانه فى البر.
قال الامام السخاوىرحمه الله حديث
"اخى الخضر لو كان حيا لزارنى"
.من كلام بعض السلف ممن انكر حياة الخضر.
واعلم ان الارواح المهيمة التى من العقل الاول كلها صف واحد حصل من الله ليس بعضها بواسطة بعض وان كانت الصفوف الباقية من الارواح بواسطة العقل الاول كما اشار صلى الله عليه وسلم
"انا ابو الارواح وانا من نور الله والمؤمنون فيض نورى"
.فاقرب الارواح فى الصف الاول الى الروح الاول والعقل الاول روح عيسوى لهذا السر شاركه بالمعراج الجسمانى الى السماء وقرب عهده بعهده فالروح العيسوى مظهر الاسم الاعظم وفائض من الحضرة الآلهية فى مقام الجمع بلا واسطة اسم من الاسماء وروح من الارواح فهو مظهر الاسم الجامع الآلهى وراثة اولية ونبينا عليه السلام اصالة كذا فى شرح الفصوص.
ثم اعلم ان قوما قالوا على مريم فرموها بالزنى وآخرين جاوزوا الحد فى تعظيمها فقالوا ابنها ابن الله وكلتا الطائفتين وقعتا فى الضلال. ويقال مريم كانت ولية الله فشقى بها فرقتان اهل الافراط واهل التفريط وكذلك كل ولى له تعالى فمنكرهم شقىّ بترك احترامهم وطلب اذيتهم والذين يعتقدون فيهم ما لا يستوجبون يشقون بالزيادة فى اعظامهم وعلى هذه الجملة درج الاكثرون من الاكابر كذا فى التأويلات النجمية: وفى المثنوى

تاذنينى درحد خويش الله الله بامنه درحد بيش
جمله عالم زين سبب كمراه شد كم كسى زابدال حق آكاه شد
دير بايد تاكى سر آدمى آشكارا كردد ازبيش وكمى
زير ديوار بدن كنجست يا خانه مارست ومور وازدها