التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٥
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا تؤتوا } ايها الاولياء { السفهاء } اى المبذرين من الرجال والنساء والصبيان واليتامى { اموالكم } اضاف الاموال الى الاولياء تنزيلا لاختصاصها باصحابها منزلة اختصاصها بالاولياء فكان اموالهم عين اموالهم لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسى والنسبى مبالغة فى حملهم على المحافظة عليها وقد ايد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش اصحابها بجعلها مناطا لمعاش الاولياء بقوله { التى جعل الله لكم قياما } اى جعلها الله شيئاً تقومون به وتنتعشون فلو ضيعتموه لضعتم ولما كان المال سببا للقيام والاستقلال سماه بالقيام اطلاقا لاسم المسبب على السبب على سبيل المبالغة فكأنها من فرط قيامهم بها واحتياجهم اليها نفس قيامهم { وارزقوهم فيها واكسوهم } الرزق من الله العطية من غير حد ومن العباد اجراء موقت محدود اى اطعموهم منها ولم يقل منها لئلا يكون ذلك امرا بان يجعلوا بعض اموالهم رزقا لهم بل امرهم ان يجعلوا اموالهم مكانا لرزقهم بان يتجروا فيها ويثمروا فيجعلوا ارزاقهم من الارباح لا من اصول الاموال { وقولوا لهم قولا معروفا } كلاما لينا تطيب به نفوسهم.
قال القفال القول المعروف هو انه ان كان المولى عليه صبيا فالولى يعرفه ان المال ماله وهو خازن له وانه اذا زال صباه فانه يرد المال اليه وان كان المولى عليه سفيها وعظه ونصحه وحثه على الصلاة ورغبه فى ترك التبذير والاسراف وعرفه ان عاقبة التبذير الفقر والاحتياج الى الخلق الى ما يشبه هذا النوع من الكلام واذا كان رشيدا فطلب ماله ومنعه الولى يأثم.
وفى الآية تنبيه على عظم خطر المال وعظم نفعه.
قال السلف المال سلاح المؤمن هيىء للفقر الذى يهلك دينه وكانوا يقولون اتجروا واكتسبوا فانكم فى زمان اذا احتاج احدكم كان اول ما يأكل دينه وربما راوأ رجلا فى جنازة فقالوا له اذهب الى دكانك.
قال الامام وقد رغب الله فى حفظ المال فى آية المداينة حيث امر بالكتاب والشهادات والرهن والعقل ايضا يؤيد ذلك لان الانسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل الدنيا والآخرة ولا يكون فارغ البال الا بواسطة المال لانه به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار

شب براكنده خسبد آنكه بديد نبود وجه بامدادانش
مور كرد آورد بتابستان تافراغت بود زمستانش

فمن اراد الدنيا بهذا الغرض كانت الدنيا فى حقه من اعظم الاسباب المعينة على اكتساب سعادة الآخرة اما من ارادها لنفسها وعينها كانت من اعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة فخير المال ما كان متاع البلاغ ولا ينبغى للمرء ان يسرف فى المال الذى يبلغه الى الآخرة والجنة والقربة

جودخلت نيست خرج آهسته تركن كه ملاحان همى كويند سرودى
اكر باران بكوهستان نبارد بسالى دجله كردد خشك رودى
درخت اندر خزانها برفشاند زمستان لا جرم بى برك ماند

والاشارة الى ان الله تعالى جعله المال قياما لمصالح دين العباد ودنياهم فالعاقل منهم من يجعله قياما لمصالح دينه ما امكنه ولمصالح دنياه بقدر حاجته الضرورية اليه والسفيه من جعله لمصالح دنياه ما امكنه والمنهى عنه ان تؤتوا اليه اموالكم كائنا من كان ومن جملة السفهاء النفس التى هى اعدى عدوك وكل ما انفقه الرجل على نفسه بهواها ففيه مفاسد دينه ودنياه الا المستثنى منه كما اشار تعالى بقوله { وارزقوهم فيها } يعنى ما يسد به جوع النفس { واكسوهم } يعنى ما يستر عورتها فان ما زاد على هذا يكون اسرافا فى حق النفس والاسراف منهى عنه { وقولوا لهم قولا معروفا } فالقول المعروف مع النفس ان يقول اكلت رزق الله ونعمه فادى شكر نعمته بامتثال اوامره ونواهيه واذيبى طعامك بذكر الله كما قال عليه السلام "اذيبوا طعامكم بالصلاة والذكر"
.واقل ذلك ان يصلى ركعتين او يسبح مائة تسبيحة او يقرأ جزأ من القرآن عقيب كل اكلة وسببه انه اذا نام على الطعام من غير اذابته بالذكر والصلاة بعد اكله يقسو قلبه ونعوذ بالله من قسوة القلب ففى الاذابة رفع القسوة واداء الشكر.
واعلم ان فى قوله تعالى { ولا تؤتوا السفهاء } الخ اشارة اخرى وهى ان اموال العلوم وكنوز المعارف لا تؤتى لغير اهلها من العوام ولا تذكر كما حكى ان بعض الكبار ذكر بعض الكرامات لولى فنقل ذلك بعض السامعين فى مجلس آخر وانكره رجل فلما رجع الى الاصل قال لا يباع الابل فى سوق الدجاج

دريغست باسفله كفت ازعلوم كه ضايع شود تخم درشوره بوم