التفاسير

< >
عرض

فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً
٥٥
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ فمنهم } من اليهود { من آمن به } بمحمد عليه السلام { ومنهم من صد عنه } اى اعرض عنه ولم يؤمن به { وكفى بجهنم سعيرا } نارا مسعورة اى موقدة يعذبون بها اى ان لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما اعد لهم من سعير جهنم.
واعلم ان الله تعالى وصف اليهود فى الآية المتقدمة بالجهل الشديد وهو اعتقادهم ان عبادة الاوثان افضل من عبادة الله تعالى ثم وصفهم بالبخل والحسد. فالبخل هو ان لا يدفع الى احد شيئاً مما آتاه الله من النعمة. والحسد هو ان يتمنى ان لا يعطى الله غيره شيئاً من النعم فالبخل والحسد يشتركان فى من يريد منع النعمة عن الغير. فاما البخيل فيمنع نعمة نفسه عن غيره. واما الحاسد فيريد ان يمنع نعمة الله عن عباده فهما شر الرذائل وسببهما الجهل. اما البخل فلأن بذل المال سبب لطهارة النفس ولحصول سعادة الآخرة وحبس المال سبب لحصول مال الدنيا فى يده فالبخل يدعوك الى الدنيا ويمنعك عن الآخرة والجود يدعوك الى الآخرة ويمنعك عن الدنيا ولا شك ان ترجيح الدنيا على الآخرة لا يكون الا من محض الجهل. واما الحسد فلأن الآلهية عبارة عن ايصال النعم والاحسان الى العبيد فمن كره ذلك فكأنه اراد عزل اله عن الالهية وذلك محض الجهل ثم ان الحسد لا يحصل الا عند الفضيلة فكلما كانت فضيلة الانسان اتم واكمل كان حسد الحاسدين عليه اعظم: قال السعدى قدس سره

شور بختان بآروز خواهد مقبلانرا آفتابرا جه كناه
كرنبيند روز شبيره جشم جشمه آفتابرا جه كناه
راست خواهى هزار جشم جنان كور بهتركه آفتاب سياه

ولا يسود الحسود والبخيل فى جميع الزمان ألا ترى ان الله تعالى جعل بخل اليهود كالمانع من حصول الملك لهم فهما لا يجتمعان وذلك لان الانقياد للغير امر مكروه لذاته والانسان لا يتحمل المكروه الا اذا وجد فى مقابلته امرا مطلوبا مرغوبا فيه وجهات الحاجات محيطة بالناس فاذا صدر من انسان احسان الى غيره صارت رغبة المحسن اليه فى ذلك المال سببا لصيرورته منقادا مطيعا له فلهذا قيل فى بالبر يستعبد الحر فاما اذا لم يوجد هذا بقيت النفرة الطبيعية عن الانقياد للغير خالصا من المعارض فلا يحصل الانقياد البتة: قال السعدى

خورش ده بكنجشك وكبك وحمام كه يك روزت افتنده يابى بدام
زرازبهر خرودن بود اى بسر زبهر نهادن جه سنك وجه زر

وقد شبه بعض الحكماء ابن آدم فى حرصه على الجمع ووخامة عاقبته بدود القز الذى يكاد ينسج على نفسه بجهله حتى لا يكون له مخلص فيقتل نفسه ويصير القز لغيره فاللائق بشأن المؤمن القناعة بما رزقه الودود وترك الحرص والبذل من الموجود.
وقيل
"لما عرج النبى عليه السلام اطلع على النار فرأى حظية فيها رجل لا تمسه النار فقال عليه السلام ما بال هذا الرجل فى حظيرة لا تمسه النار فقال جبريل عليه السلام هذا حاتم طى صرف الله عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده" . فالجود صارف عن المرء عذاب الدنيا والعقبى وباعث لوصول الملك فى الاولى والاخرى.
ثم ان الملك على ثلاثة اقسام. ملك على الظواهر فقط وهذا هو ملك الملوك. وملك على البواطن فقط فهذا هو ملك العلماء. وملك على الظواهر والبواطن معا وهذا هو ملك الانباء عليهم السلام فاذا كان الجود من لوازم الملك وجب فى الانبياء ان يكونوا فى غاية الجود والكرم والرحمة والشفقة ليصير كل واحد من هذه الاخلاق سببا لانقياد الخلق لهم وامتثالهم لأوامرهم وكمال هذه الصفات كان حاصلا لمحمد عليه السلام.