التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧٧
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم } ـ روى ـ ان ناسا اتوا النبى صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر الى المدينة وشكوا اليه ما يلقون من اذى المشركين قالوا كنا فى عز فى حالة الجاهلية والآن صرنا اذلة فلو اذنت لنا قتلنا هؤلاء المشركين على فرشهم فقال صلى الله عليه وسلم "كفوا ايديكم" اى امسكوا "عن القتال"
{ واقيموا الصلوة وآتوا الزكوة } واشتغلوا بما امرتم به فانى لم أومر بقتالهم وكانوا فى مدة اقامتهم بمكة مستمرين على تلك الحالة فلما هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وامروا بالقتال فى وقت بدر كرهه بعضهم وشق ذلك عليه لكن لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه بل نفورا من الاخطار بالارواح وخوفا من الموت بموجب الجبلة البشرية لان حب الدنيا والنفرة من القتل من لوازم الطباع وذلك قوله تعالى { فلما كتب عليهم القتال } اى فرض عليهم الجهاد { اذا فريق } اذا للمفاجأة وفريق مبتدأ { منهم } صفة { يخشون الناس } خبره والجملة جواب لما اى فاجأ فريق منهم ان يخشوا الكفار ان يقتلوهم { كخشية الله } مصدر مضاف الى المفعول محله النصب على انه حال من فاعل يخشون اى يخشونهم متشبهين باهل خشية الله تعالى { او اشد خشية } عطف عليه بمعنى او اشد خشية من اهل خشية الله وكلمة او للتنويع على معنى ان خشية بعضهم كخشية الله او خشية بعضهم اشد منها { وقالوا } عطف على جواب لما اى فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس وقالوا { ربنا لم كتبت علينا القتال } فى هذا الوقت لا على وجه الاعتراض على حكمه تعالى والانكار لا يجابه بل على طريقة تمنى التخفيف { لولا أخرتنا الى اجل قريب } اى هلا امهلتنا وتركتنا الى الموت حتى نموت بآجالنا على الفراش وهذا استزادة فى مدة الكف واستمهال الى وقت آخر حذرا من الموت وحبا للحياة { قل } اى تزهيدا لهم فيما يؤملونه بالقعود من المتاع الفانى وترغيبا فيما ينالونه بالقتال من النعيم الباقى { متاع الدنيا قليل } اى ما يتمتع وينتفع به فى الدنيا سريع النقض وشيك الانصرام وان اخرتم الى ذلك الاجل ولو استشهدتم فى القتال صرتم احياء فتتصل الحياة الفانية بالحياة الباقية { والآخرة } اى ثوابها الذى من جملته الثواب المنوط بالقتال { خير } لكم من ذلك المتاع القليل لكثرته وعدم انقطاعه وصفائه عن الكدورات وانما قيل { لمن اتقى } حثا لهم على اتقاء العصيان والاخلاص بمواجب التكليف { ولا تظلمون فتيلا } عطف على مقدر اى تجزون ولا تنقصون ادنى شىء من اجور اعمالكم التى من جملتها مسعاتكم فى شأن القتال فلا ترغبوا عنه.
اعلم ان الآخرة خير من الدنيا لان نعم الدنيا قليلة ونعم الآخرة كثيرة ونعم الدنيا منقطعة ونعم الآخرة مؤبدة ونعم الدنيا مشوبة بالهموم والغموم والمكاره ونعم الآخرة صافية عن الكدروات ونعم الدنيا مشكوكة فان اعظم الناس تنعما لا يعرف انه كيف تكون عاقبته فى اليوم الثانى ونعم الآخرة يقينية.
فعلى العاقل ان يختار ما هو خير من كل وجه وهو الآخرة على ما هو شر من كل جهة وهو الدنيا: قال السعدى فى بعض قصائده

عمارت باسراى ديكر انداز كه دنيارا اساسى نيست محكم
فريدون را سرآمد بادشاهى سليمانرا برفت ازدست خاتم
وفادارى مجوى ازدهر خونخوار محالست انكبين دركام ارقم
مثال عمر سر بركرده شمعيست كه كوته باز مى باشد دمادم
ويا برفى كدازان بر سركوه كز هر لحظه جزئى ميشودكم

ـ روى ـ ان رجلا اشترى دارا فقال لعلى رضى الله عنه اكتب القبالة فكتب [بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فقد اشترى مغرور من مغرور دارا دخل فيها فى سكة الغافلين لا بقاء لصاحبها فيها الحد الاول ينتهى الى الموت والثانى الى القبر والثالث الى الحشر والرابع الى الجنة او الى النار والسلام] فقرأ على الرجل فرد الدار وتصدق بالدنانير كلها وتزهد فى الدنيا فهذا هو حال العارفين حقيقة الحال.
قال القشيرىرحمه الله مكنك من الدنيا ثم قللها فلم يعدها لك شيئاً ثم لو تصدقت منها بشق تمرة استكثر منك وهذا غاية الكرم وشرط المحبة وهو استقلال الكثير من نفسه واستكثار القليل من حبيبه واذا كان قيمة الدنيا قليلة فاخس من الخسيس من رضى بالخسيس بدلا من النفس وقال ان الله تعالى اختطف المؤمن من الكون بالتدريج فقال اولا { قل متاع الدنيا قليل } فاختطفهم من الدنيا بالعقبى ثم استلبهم عن الكونين بقوله
{ { والله خير وأبقى } [طه: 73].
فلا بد للسالك ان يترقى الى اعلى المنازل ويسعى من غير فتور وكلال: قال مولانا جلال الدين قدس سره

اى برادر بى نهايت دركهيست هركجاكه مى رسى بالله مايست

وثمرة المجاهدة لا تضيع البتة بل تجزى كل نفس بما عملت.
قال بعض المشايخ انما جعل الدار الآخرة محلا لجزاء عباده المؤمنين لان هذه الدار لا تسع ما يريد ان يعطيهم ظاهرا وباطنا وكل ما فى الجنة لا يوافق ما فى الدنيا الا من حيث التسمية ولانه تعالى اجل اقدارهم عن ان يجازيهم فى دار لا بقاء لها قال تعالى
{ { وما عند الله خير وأبقى } [الشورى: 36].
ثم الجزاء فى تلك الدار له علامة فى هذه الدار وهى انه من وجد ثمرة عمله عاجلا وهى الحلاوة فيه والتوفيق لغيره والشكر عليه فهو دليل على وجود القبول لان الجزاء على ذلك مقصور.
قال ابراهيم بن ادهم لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
وقال بعضهم ليس شىء من البر الا ودونه عقبة يحتاج الى الصبر فيها فمن صبر على شدتها افضى الى الراحة والسهولة وانما هى مجاهدة النفس ثم مخالفة الهوى ثم المكابدة فى ترك الدنيا ثم اللذة والتنعم وانما يطيع العبد ربه على قدر منزلته منه فمن سره ان يعرف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله فى قلبه.
وقيل لبعضهم هل تعرف الله فغضب وقال ترانى اعبد من لا اعرف قال له السائل او تعصى من تعرف: قال السعدى قدس سره

عمرى كه ميرود بهمه حال سعى كن تادر رضاى خالق بيجون بسر برى

وقال ايضا

بير بودى وره ندانستى تونه بيرى كه طفل كتابى