التفاسير

< >
عرض

أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ
٣٧
-غافر

روح البيان في تفسير القرآن

{ اسباب السموات } بيان لها يعنى راهها از آسمانى بآسمانى.
وفى ابهامها ثم ايضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع الى معرفتها { فاطلع الى اله موسى } بقطع الهمزة ونصب العين على جواب الترجى اى انظر اليه (قال فى تاج المصادر) الاطلاع ديده ورشدن.
وفى عين المعانى الاستعلاء على شىء لرؤيته { وانى لاظنه } اى موسى { كاذبا } فيما يدعيه من الرسالة.
يقول الفقير لم يقل كذابا كما قال عند ارسالة اليه لأن القائل هنا هو فرعون وحده وحيث قال كذاب رجع المبالغة الى فرعون وهارون وقارون فافهم اعلم أن اكثر المفسرين حملوا هذا الكلام على ظاهره وذكروا فى كيفية بناء ذلك الصرح حكاية سبقت فى القصص وقال بعضهم ان هذا بعيد جدا من حيث أن فرعون ان كان مجنونا لم يجز حكاية كلامه ولا ارسال رسول يدعون وان كان عاقلا فكل عاقل يعلم بديهة انه ليس فى قوة البشر وضع بناء ارفع من الجبل وانه لا يتفاوت فى البصر حال السماء بين ان ينظر من اسفل الجبل ومن اعلاه فامتنع اسناده الى فرعون فذكروا لهذا الكلام توجهين يقربان من العقل الاول انه اراد ان يبنى له هامان رصدا فى موضع عال ليرصد منه احوال الكواكب التى هى اسباب سماوية تدل على الحوادث الارضية فيرى هل فيها ما يدل على ارسال الله اياه والثانى ان يرى فساد قول موسى عليه السلام بأن اخباره من اله السماء ويتوقف على اطلاعه عليه ووصوله اليه وذلك لا يتأتى الا بالصعود الى السماء وهو مما لا يقوى عليه الانسان وان كان اقدر اهل الارض كالملوك فاذا لم يكن طريق الى رؤيته واحساسه وجب نفيه وتكذيب من ادعى أنه رسول من قبله وهو موسى فعلى هذا التوجيه الثانى يكون فرعون من الدهرية الزنادقة وشبهته فاسدة لأنه لا يلزم من امتناع كون الحس طريقا الى معرفة الله امتناع معرفته مطلقا اذ يجوز ان يعرف بطريق النظر والاستدلال بالآثار كما قال ربكم آبائكم الاولين وقال رب المشرق والمغرب وما بينهما ولكمال جهل اللعين بالله وكيفية استنبائه اورد الوهم المزخرف فى صورة الدليل وقال الكلبى اشتغل فرعون بموسى ولم يتفرغ لبنائه وقال بعضهم قال فرعون ذلك تمويها وبعضهم قال لغلبة جهله والظاهر أن الله تعالى اذا شاء يعمى ويصم من شاء فخلى فرعون ونفسه ليتفرغ لبناء الصرح ليرى منه آية اخرى له وتتأكد العقوبة وذلك لأن الله تعالى هدمه بعد بنائه على ما سبق فى القصص وايضا هذا من مقتضى التكبر والتجبر الذى نقل عنه كما مثله عن بخت نصر فانه ايضا لغاية عتوه واستكباره بنى صرحا ببابل على ما سبقت قصته وايضا كيف يكون من الدهرية والمنقول المتواتر عنه أنه كان يتضرع الى الله تعالى فى خلوته لحصول مهامه ومن الله الفهم والعناية والدراية ويدل على ما ذكرنا ايضا قوله تعالى { وكذلك } اى ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط { زين } آرايش داده شد { لفرعون سوء عمله } اى عمله السيىء فانهمك فيه انهماكا لا يرعوى عنه بحال { وصد } صرف ومنع { عن السبيل } اى سبيل الرشاد والفاعل فى الحقيقة هو الله تعالى وبالتوسط هو الشيطان ولذا قال زين لهم الشيطان اعمالهم وهذا عند اهل السنة واما عند المعتزلة فالمزين والصاد هو الشيطان { وما كيد فرعون } ونبود مكر فرعون درساختن قصر ودر ابطال آيات { الا فى تباب } اى خسار وهلاك وفى التأويلات النجمية يشير الى أن من ظن أن الله سبحانه وتعالى فى السماء كما ظن فرعون فانه فرعون وقته ولو لم يكن من المضاهاة بين من يعتقد أن الله سبحانه فى السماء وبين الكافر الا هذا لكفى به فى زيغ مذهبه وغلط اعتقاده فان فرعون غلط اذ توهم ان الله فى السماء ولو كان فى السماء لكان فرعون مصيبا فى طلبه من السماء وقوله وكذلك الخ يدل على أن اعتقاده بأن الله فى السماء خطأ وانه بذلك مصدود عن سبيل الله وما كيد فرعون فى طلب الله من السماء الا فى تباب اى خسران وضلال انتهى وعن النبى عليه السلام
"ان الله تعالى احتجب عن البصائر كما احتجب عن الابصار وان الملأ الاعلى يطلبونه كما تطلبونه انتم" يعنى لو كان فى السماء لما طلبه اهل السماء ولو كان فى الارض لما طلبه اهل الارض فاذا هو الآن على ما كان عليه قبل من التنزه عن المكان وفى هدية المهديين اذا قال الله فى السماء واراد به المكان يكفر اتفاقا لأنه ظاهر فى التجسيم وان لم يكن نية يكفر عند اكثرهم وان اراد به الحكاية عن ظاهر الاخبار لا يكفر "وعن معاوية بن الحكم السلمى رضى الله عنه أنه قال اتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان جارية لى كانت ترعى غنما لى فجئتها وفقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت اكلها الذئب فاسفت عليها وكنت من بنى آدم فلطمتها اى على وجهها وعلى رقبتها أفاعتقها عنها فقال لها رسول الله اين الله فقالت فى السماء فقال من انا فقالت انت رسول الله فقال عليه السلام اعتقها فانها مؤمنة"
اعلم انه قد دل الدليلى العقلى على استحالة حصر الحق فى اينية والشارع لما علم أن الجارية المذكورة ليس فى قوتها ان تتعقل موجدها الا على تصوير فى نفسها خاطبها بذلك ولو أنه خاطبها بغير ما تصورته فى نفسها لارتفعت الفائدة المطلوبة ولم يحصل القبول فكان من حكمته عليه السلام ان سأل مثل هذه الجارية بمثل هذا السؤال وبمثل هذه العبارة ولذلك لما اشارت الى السماء قال فيها انها مؤمنة يعنى مصدقة بوجود الله تعالى ولم يقل انها عالمة لانها صدقت قول الله { { وهو الله فى السموات } ولو كانت عالمة لم تقيده بالسماء فعلم أن للعالم ان يصحب الجاهل فى جهله تنزلا لعقله والجاهل لا يقدر على صحبته العالم بغير تنزل كذا فى الفتوحات المكية وفيه ايضا أنه لا يلزم من الايمان بالفوقية الجهة فقد ثبتت فانظر ماذا ترى وكن اهل السنة من الورى انتهى (وفى المثنوى)

قرب نى بالانه بستى رفتن است قرب حق از حبس هستى رستن است
نيست راجه جاى بالا است وزير نيست را زود ونه جورست ونه دير

يقول الفقير يعرف من هذا الكلام أن وجود الاشياء وماهياتها الممكنة اعتبارى والاعتبارى لا وجود له حقيقة وانما يقوم بوجود الله تعالى متقيدا بالعدم بان يظهر فى اينية مخصوصة دون غيرها سبحانه فافهم