التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
-فصلت

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقالوا لجلودهم } توبيخا { لم شهدتم علينا } وصيغة جمع العقلاء فى خطاب الجلود وكذا فى قوله تعالى قالوا انطقنا الخ لوقوعها فى موقع السؤال والجواب المختصين بالعقلاء ولعل تخصيص الجلود لأنها بمرآئى منهم بخلاف غيرها او لأن الشهادة منها اعجب وابعد اذ ليس شانها الادراك بخلاف السمع والبصر والمراد الادراك اللازم للشهادة وهو الابصار او الاسماع اذ الشهادة لا تكون الا بالمعاينة او السماع والادراك اللمسى لا مدخل له فى الشهادة فيحصل التعجب والبعد وعن ابن عباس رضى الله عنهما المراد بشهادة الجلود شهادة الفروج لأنها لا تخلو عن الجلود والله حيى يكنى وهو الانسب بتخصيص السؤال بها فى قوله وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا ما نشهد به من الزنى اعظم جناية وقبحا واجلب للخزى والعقوبة مما يشهد به السمع والابصار من الجنايات المكتسبة بتوسطها { قالوا } اى الجلود { انطقنا الله الذى انطق كل شىء } ناطق واقدرنا على بيان الواقع فشهدنا عليكم بما عملتم بواسطتنا من القبائح وما كتمناها وفى الآية اشارة الى ان الارواح والاجسام متساوية فى قدرة الله تعالى ان شاء جعل الارواح بوصف الاجسام صما بكما عميا فهم لا يعقلون وان شاء جعل الاجسام بوصف الارواح تنطق وتسمع وتبصر وتعقل { وهو خلقكم اول مرة } وازعدم بوجود آورد { واليه ترجعون } فان من قدر على خلقكم وانشائكم اولا وعلى اعادتكم ورجعكم اى ردكم الىجزآئه ثانيا لا يتعجب من انطاقه لجوارحكم وفى تفسير الجلالين هو ابتدآء اخبار عن الله تعالى وليس من كلام الجلود ولعل صيغة المضارع مع ان هذه المحاورة بعد البعث والرجع لما ان المراد بالرجع ليس مجرد الرد الى الحياة بالبعث بل ما يعمه وما يترتب عليه من العذاب الخالد المترقب عند التخاطب على تغليب المتوقع على الواقع على ان فيه مراعاة الفواصل.
يقول الفقير قد ثبت فى علم الكلام ان الله تعالى قد خلق كلا من الحواس لادراك اشياء مخصوصة كالسمع للاصوات والذوق للطعوم والشم للروائح لكن ذلك الادراك بمحض خلق الله تعالى من غير تاثير الحواس فلا يمتنع ان يخلق عقيب صرف الباصرة ادراك الاصوات مثلا وان لم يكن واقعا بالفعل وقد صح ان موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى من كل جانب بكل جانب وقس عليه الرؤية ليلة المعراج فانه عليه السلام كان بصرا محضا فى صورة الجسم وكذلك اللسان فانه مخلوق للنطق لكن الله تعالى اذا اراد كان جميع البدن لسانا مع ان الانسان لما تشرف بالحياة والنطق كان جميع اجزآئه ناطقا حكيما كما كان حيا حقيقة وذلك لاضافته الى الحى الناطق بل وسر الحياة والنطق سار فى جميع اجزآء العالم فضلا عن اعضاء بنى آدم وقد ورد ان كل شىء سمع صوت المؤذن من رطب ويابس يشهد له يوم القيامة فهذه الشهادة من باب النطق لا عن علم وتعقل فليحذر العبد عن شهادة الاعضاء وكذا المكان والزمان وعن علاء بن زياد قال ليس يوم يأتى من ايام الدنيا الا يتكلم ويقول يا ايها الناس انى يوم جديد وانا على ما يعمل فى شهيد وانى لو غربت شمسى لم ارجع اليكم الى يوم القيامة (قال الصائب) غبار قابله عمر جون نمايان نيست. دواسبه رفتن ليل ونهار رادرياب