التفاسير

< >
عرض

فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
١١
-الشورى

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاطر السموات والارض } خبر آخر لذلكم اى خالق الآفاق من العلويات والسفليات ويدخل فيه بطريق الاشارة الارواح والنفوس { جعل لكم من انفسكم } اى من جنسكم { ازواجا } نساء وحلائل وبالفارسية جفتال { ومن الانعام } اى وجعل للانعام من جنسها { ازواجا } او خلق لكم من الانعام اصنافا يعنى خلق كرد ازجهار بايان صنفهاى كونا كون اكراما لكم لترتفقوا بها اذ يطلق الزوج على معنى الصنف كما فى قوله تعالى { { وكنتم ازواجا ثلثة } او ذكورا واناثا فانه يطلق على مجموع الزوجين وهو خلاف الفرد { يذرؤكم } يكثركم ايها الناس والانعام من الذرء وهو البث قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشىء كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين { فيه } اى فى هذا التدبير وهو جعل الناس والانعام ازواجا يكون بينهم توالد فاختير فيه على به مع أن التدبير ليس ظرفا للبث والتكثير بل هو سبب لهما لأن هذا التدبير كالمنبع والمعدن لهما ففيه تغليبان تغليب المخاطب على الغائب حيث لم يقل يذرأكم واياهن لأن الانعام ذكرت بلفظ الغيبة وتغليب العقلاء على غيرهم حيث لم يقل يذرأها واياكم فان كم مخصوص بالعقلاء { ليس كمثله شىء } المثل كناية عن الذات كما فى قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفيه عنه فانه اذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه اولى وهذا لا يتوقف على ان يتحقق مثل فى الخارج بل يكفى تقدير المثل ثم سلكت هذه الطريقة فى شأن من لا مثل له والشىء عبارة عن الموجود وهو اسم لجميع المكونات عرضا كان او جوهرا وعند سيبويه الشىء ما يصح ان يعلم ويخبر عنه موجودا او معدوما والمعنى ليس كذاته شىء من شأن من الشؤون التى من جملتها هذا التدبير البديع لأن ذاته لا يماثل ذات احد بوجه من الوجوه ولا من جميع الوجوه لأن الاشياء كلها اما اجسام او اعراض تعالى ربنا عن ذلك ولا كاسمه اسم كما قال تعالى { { هل تعلم له سميا } ولا كصفته صفة الا من جهة موافقة اللفظ ولمحال كل المحال ان تكون الذات القديمة مثلا للذات الحادثة وان يكون لها صفة حادثة كما استحال ان تكون للذات المحدثة صفة قديمة

ذات تراصورت اوبيونند توبكس وكس بتو مانندند
جل المهيمن ان تدرى حقيقته من لاله المثل لا تضرب له مثلا

وفى المثنوى

ذات اورا درتصور كنج كو تادر آيى درتصور مثل او

هذا ما عليه المحققون والمشهور عند القوم ان الكاف زآئدة فى خبر ليس وشىء اسمها والتقدير ليس مثله شىء والا كان المعنى ليس مثل مثله شىء وهو محال قال بعضهم لعل من قال الكاف زآئدة اراد أنه يعطى مغنى ليس مثله شىء غير انه آكد لما ذكر من انه اذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه اولى وقال بعضهم كلمة مثل هى الزآئدة والتقدير ليس كهو شىء ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز فالوجه الرجوع الى طريق الكناية لأن القول بزيادة ماله فائدة جليلة وبلاغة مقبولة بعيد كل البعد قال فى بحر العلوم ومما يجب التنبه له ان المثل عبارة عن المساوات فى بعض الصفات لا فى جميعها كما زعم كثير من المحققين فانه سهو بدليل قول تعالى { { قل انما أنا بشر مثلكم يوحى الى } الآية فانه ثبت مماثلته بالاشتراك والمساواة فى وصف البشرية فقط لا فى جميع الاوصاف كما لا يحفى للقطع بأن بينه وبينهم مخالفة بوجوه كثيرة من اختصاصه بالنبوة والرسالة والوحى الى غير ذلك ألا يرى ألى قوله يوحى الى كيف اثبت المخالفة بان خصصه بالايحاء اليه ذكرا فظهر أن ما ذكره الامام الغزالىرحمه الله من أن المثل عبارة عن المساوى فى جميع الصفات ليس كما ينبغى انتهى يقول الفقير انما جاء التخصيص من قبل قوله بشر كما فى قوله زيد مثل عمرو فى النحو والا فلو قال انا مثلكم لأفادت المماثلة فى جميع الصفات كما فى قوله زيد مثل عمرو اى من كل الوجوه قال الامام الراغب فى المفردات المثل عبارة عن المشابه لغيره فى معنى من المعانى اى معنى كان وهو اعم الالفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال لما يشارك فى الجوهر فقط والشبه يقال فيما يشاركه فى القدر والمساحة فقط والمثل عام فى جميع ذلك ولهذا لما اراد الله سبحانه وتعالى نفى التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال تعالى ليس كمثله شىء انتهى وحيث ترى فى مرءآة القلب صورة او خطر بالخاطر مثال وركنت النفس الى كيفيته فليجزم بأن الله بخلافه اذ كل ذلك من سمات الحدوث لدخوله فى دآئرة التحديد والتكييف اللازمين للمخلوقين المنزه عنهما الخالق ولقد اقسم سيد الطائفة الجنيد قدس سره بانه ما عرف الله الا الله وقال بعض سادات الصوفية قدس الله اسرارهم المثل ليس بزآئد عند اهل الحقيقة فان الهاء كناية عن الهوية الذاتية والمثل اشارة الى التجلى الالهى والمعنى ليس كالتجلى الالهى الذى هو اول التجليات شىء اذ هو محيط بكل التجليات الباقية المرتبة عليه قال الواسطى قدس سره امور التوحيد كلها خرجت من هذا الاية ليس كمثله شى لأنه ما عبر عن الحقيقة بشىء الا والعلة مصحوبة والعبارة منقوضة لأن الحق تعالى لا ينعت على اقداره لان كل ناعت مشرف على المنعوت وجل ان يشرف عليه المخلوق (قال الشيخ سعدى)

نه بر اوج ذاتش برد مرغ وهم نه در ذيل وصفش رسد دست فهم
توان در بلاغت بسحبان رسيد كنه درنه بيجون سبحان رسسيد
جه خاصان درين ره فرس رانده اند بلا احصى ازتك فرومانده اند

{ وهو السميع البصير } المبالغ فى العلم بكل ما يسمع ويبصر قال الزروقى السميع الذى انكشف كل موجود لصفة سمعه فكان مدركا لكل مسموع من كلامه وغيره والبصير الذى يدرك كل موجود برؤيته والسمع والبصر صفتان من صفاته المنعوتة نابتتان له تعالى كما يليق بوصفه الكريم ورده بعضهم للعلم ولا يصح انتهى قال الغزالىرحمه الله السمع فى حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات والبصر عبارة عن الوصف الذى به ينكشف كمال نعوت والمبصرات وسمع العبد قاصر فانه يدرك ما قرب لا ما بعد بجارحة وربما بطل السمع بعظم الصوت وانما حظ العبد منه امران احدهما ان يعلم أن الله سميع فيحفظ لسانه والثانى ان يعلم أن الله لم يخلق له السمع الا ليسمع كلامه وحديث رسوله فيستفيد به الهداية الى طريق الله فلا يستعمل سمعه الا فيه واستماع صوت الملاهى حرام وان سمع بغتة فلا اثم عليه والواجب عليه ان يجتهد حتى لا يسمع لأنه عليه السلام ادخل اصبعه فى اذنه كما فى البزازية وفى الحديث "استماع صوت الملاهى معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر" على وجه التهديد وبصر العبد قاصر اذ لا يمتد الى ما بعد ولا يتغلغل الى باطن ما قرب منه وحظه الدينى امران ان يعلم أنه خلق له البصر لينظر الى الآيات الآفاقية والانفسية وان يعلم أنه بمرأى من الله ومسمع اى بحيث يراه ويسمعه فمن قارف معصية وهو يعلم ان الله يراه فما اجسره واخسره ومن ظن أنه لا يراه فما اكفره قال فى كشف الاسرار ثم قال وهو السميع البصير لئلا يتوهم أنه لا صفات له كما لا مثل له فقد تضمنت الآية اثبات الصفة ونفى التشبيه والتوحيد كله بين هذين الحرفين اثبات صفة من غير تشبيه ونفى تشبيه من غير تعطيل فمن نزل عن الاثبات وادعى اتقاء التشبيه وقع فى التعطيل ومن ارتقى عن الظاهر وادعى اتقاء التعطيل حصل على التشبيه واخطأ وجه الدليل وعلى الله قصد السبيل وفى التاويلات النجمية أن قوما وقعوا فى تشبيه ذاته بذات المخلوقين فوصفوه بالحد والنهاية والكون والمكان واقبح قولا منهم من وصفه بالجوارح والالات وقوم وصفوه بما هو تشبيه فى الصفات فظنوا أن بصره فى حدقة وسمعه فى عضو وقدرته فى يد الى غير ذلك وقوم قاسوا حكمه على حكم عباده فقالوا ما يكون من الحق قبيحا فمنه قبيح وما يكون من الخلق حسنا فمنه حسن فهؤلاء كلهم اصحاب التشبيه والحق تعالى مستحق التنزيه لا التشبيه محقق بالتحصيل دون التعطيل والتمثيل مستحق التوحيد دون التحديد موصوف بكمال الصفات مسلوب عن العيوب والنقصان