التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٨
-الشورى

روح البيان في تفسير القرآن

{ وهو الذى ينزل الغيث } اى المطر الذى يغيث الناس من الجدب ولذالك خص بالنافع منه فان المطر قد يضر وقد لا يكون فى وقته قال الراغب الغيث يقال فى المطر والغوث فى النصرة { من بعد ما قنطوا } اى يئسوا منه وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه ايضا لتذكير كمال النعمة فان حصول النعمة بعد اليأس والبلية اوجب لكمال الفرح فيكون ادعى الى الشكر { وينشر } وبراكنده كند { رحمته } اى بركات الغيث ومنافعه فى كل شىء من السهل والجبل والنبات والحيوان وفى فتح الرحمن وينشر رحمته وهى الشمس وذلك تعديد نعمة غير الاولى وذلك أن المطر اذا جاء بعد القنوط حسن موقعه فاذا دام سئم وتجيئ الشمس بعده عظيمة الوقع { وهو الولى } المالك السيد الذى يتولى عباده بالاحسان ونشر الرحمة (قال الكاشفى) واوست دوست مؤمنان وسازنده كار ايشان بفرستادن باران ونشر رحمت واحسان

تواز فشاندن تخم اميد دست مدار كه در كرم نكند ابر نوبهار امساك

{ الحميد } المستحق للحمد على ذلك وغيره لا غيره وقال بعضهم وهو الولى اى مولى المطر ومتصرفه يرسله مرة بعد مرة الحميد اى الاهل لأن يحمد على صنعه اذا لا قبح فيه لأنه بالحكمة ودل الغيث على الاحتياج وعند الاحتياج تتقوى العزيمة والله تعالى يجيب دعوة المضطر وقيل لعمر رضى الله عنه اشتد القحط وقنط الناس فقال مطروا اذن واراد هذه الآية (وفى المثنوى)

تا فرود آيد بلاى دافعى جون نباشداذ تضرع شافعى
تاسقاهم ربهم آيد خطاب تشنه باش الله اعلم بالصواب

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان تحت العرش بحرا ينزل منه ارزاق الحيوانات يوحى الله اليه فيمطر ما شاء من سماء الى سماء حتى ينتهى الى سماء الدنيا ويوحى الى السماء ان غربليه فتغربله فليس من قطرة تقطر الا ومعها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة الا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ما كان من يوم الطوفان من ماء فانه نزل بغير كيل ووزن وروى أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره فى كل عام لأنه لا يختلف فيه البلاد وفى الحديث "ما من سنة بامطر من اخرى ولكن اذا عمل قوم بالمعاصى حول الله ذلك الى غيرهم فاذا عصوا جميعا صرف الله ذلك الى الفيافى والبحار" وفى الحديث القدسى "لو أن عبادى اطاعونى سقيتهم المطر بالليل واطلعت الشمس عليهم بالنهار وما اسمعتهم صوت الرعد" قال سفيانرحمه الله ليس الخائف من عصر عينيه وبكى انما الخائف من ترك الامر الذى يخاف منه وروى مرفوعا ما من ساعة من ليل ولا نهار الا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء وفيه اشارة الى دوام فيضه تعالى ظاهرا وباطنا والا لانتقل الوجود الى العدم وفى الآية اشارة الى أن العبد اذا ذبل غصن وقته وتكدر صفو ورده وكسف شمس انسه وبعد بالحضرة وساحات القرب عهده فربما ينظر الحق بنظر رحمته فينزل على سره امطار الرحمة ويعود عوده طريا وينبت من مشاهد انسه وردا جنيا وفى عرآئس البيان يكشف الله لهم انوار جماله بعد ان ايسوا من وجدانهم فى مقام القبض وينشر عليهم لطائف بسط القرب لأن وليهم وحبيبهم محمود بلسان افتقارهم قال ابن عطا ان الله تعالى يربى عباده بين طمع ويأس فاذا طمعوا فيه ايأسهم بصفاتهم واذا ايسوا أطمعهم بصفاته واذا غلب على العبد القنوط وعلم العبد ذلك واشفق منه اتاه من الله الفرج ألا تراه يقول وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا معناه ينزل غيث رحمته على قلوب اوليائه فينبت فيها التوبة والانابة والمراقبة والرعاية ابر جود باران وجود ريزد سحاب افضال دراقبال فشاندكل وصال درباغ نوال شكفته كردد آخركار باور كار بازشود.
يقول الفقير لا شك أن القبض والبسط يتعاقبان وان الانسان لا يضحك دائما ولا يبكى دائما ومن اعاجيب ما وقع لى فى هذا الباب هو انه اغار العرب على الحجاج فى طريق الشام فى سنة الالفات الاربعة وكنت اذ ذاك معهم فتجردت باختيارى عن جميع ما معى غير القميص والسراويل ومشيت على وجهى فقيل لى فى باطنى على يمينك فأخذت اليمين حتى لم يبق لى طاقة على المشى من الجوع والعطش فوقعت على الرمل فأيست من الحياة وليس معى احد الا الله فقيل لى فى سمعى قول الشاعر

عسى الكرب الذى امسيت فيه يكون ورآءه فرج قريب

ثم ان الله تعالى فرج عنى بعد ساعات بما يطول بيانه بل يجب خفاؤه وهو الولى الحميد