التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ
٢٩
-الشورى

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومن آياته } اى دلائل قدرته تعالى { خلق السموات والارض } على ما هما عليه من تعاجيب الصنائع فانها بذاتها او صفاتها تدل على شؤونه العظيمة قال فى الحواشى السعدية قوله فانها اشارة الى ما تقرر فى الكلام من المسالك الاربعة فى الاستدلال على وجود الصانع تعالى حدوث الجواهر وامكانها وحدوث الاعراض القائمة بها وامكانها ايضا وفيه اشارة الى ان خلق السموات من اضافة الصفة الى الموصوف اى السموات المخلوقة انتهى { وما بث فيهما } عطف على السموات او الخلق ومعنى بث فرق يعنى برا كنده كرده.
وقال الراغب اصل البث اثارة الشىء وتفريقه كبث الريح التراب وبث النفس ما نطوت عليه من الغم والسرور وقوله وبث اشارة الى ايجاده تعالى ما لم يكن موجودا واظهاره اياه { من دابة } حى على اطلاق اسم المسبب على السبب اى الدبيب مجازا اريد به سببه وهو الحياة فتكون الدابة بمعنى الحى فتتناول الملائكة ايضا لأن الملائكة ذووا حركت طيارون فى السماء وان كانوا لا يمشون على الارض ويجوز أن يكون المعنى مما تدب على الارض فان ما يختص بأحد الشيئين المجاورين يصح نسبته اليهما يعنى ما يكون فى احد الشيئين يصدق انه فيهما فى الجملة كما فى قوله تعالى
{ { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وانما يخرج من الملح وقد جوز ان يكون للملائكة مشى مع الطيران فيوصفون بالدبيب وان يخلق الله فى السماء حيوانات يمشون فيها مشى الاناسى على الارض كما ينبئ عنه قوله تعالى { { ويخلق ما لا تعلمون } وقد روى ان النبى عليه السلام قال "فوق السابعة بحر بين أسفله واعلاه كما بين السماء والارض ثم فوق ذلك ثمانية اوعال بين ركبهن واظلافهن كما بين السماء والارض ثم فوقه العرش العظيم"
يقول الفقير ان للملائكة احوالا شتى وصورا مختلفة لا يقتضى موطنهم الحصر فى شىء من المشى والطيران فطيرانهم اشارة الى قوتهم فى قطع المسافة وان كان ذلك لا ينافى ان يكون لهم اجنحة ظاهرة فلهم اجنحة يطيرون بها ولهم ارجل يمشون بها والله اعلم { وهو } تعالى { على جمعهم } اى حشر الاجسام بعد البعث للمحاسبة { اذا يشاء } فى اى وقت يشاء { قدير } متمكن منه.
يعنى تواناست ومتمكن ازان وغير عاجزدران.
قوله هو مبتدأ وقدير خبره وعلى جمعهم متعلق بقدير واذا منصوب بجمعهم لا بقدير لفساد المعنى فان المقيد بالمشيئة جمعه تعالى لا قدرته واذا عند كونها بمعنى الوقت كما تدخل على الماضى تدخل على المضارع قال تعالى
{ { والليل اذا يغشى } وفى الآية اشارة الى سموات الارواح وارض الاجساد وما بث فيهما من دابة النفوس والقلوب فلا مناسبة بين كل واحد منهم فان بين الارواح والاجساد بونا بعيدا فى الفناء لان الجسد من اسفل سافلين والروح من اعلى عليين والنفس تميل الى الشهوات الحيوانية الدنيوية والقلب يميل الى الشواهد الروحانية الاخروية الربانية وهو على جمعهم على طلب الدنيا وزينتها وعلى طلب الآخرة ودرجاتها وعلى طلب الحضرة وقرباتها اذا يشاء قدير والحشر على انواع عام وهو خروج الاجساد من القبور الى المحشر يوم النشور وخاص وهو خروج الارواح الاخروية من قبور الاجسام الدنيوية بالسير والسلوك فى حال حياتهم الى عالم الروحانية يحرق الحجب الظلمانية واخص وهو خروج الاسرار من قبور الروحانية الى عالم الهوية بقطع الحجب النورانية فعند ذلك يرجع الانسان الى اصله رجوعا اختياريا مرضيا ليس فيه شائبة غضب اصلا ونعم الرجوع والقدوم وهو قدوم الحبيب على الحبيب والخلوة معه

خلوت كزيده را بتماشا جه حاجتست جون روى دوست هست بصحراجه حاجتست

ولا يمكن الخروج من النفس الا بالله وكان السلف يجهدون فى اصلاح نفوسهم وكسر مقتضاها وقمع هواها (حكى) ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه مر وعلى ظهره قربة ماء فقيل له فى ذلك فقال ليس لى حاجة الى الماء وانما اردت به كسر نفسى لما حصل لها من اطاعة ملوك الاطراف ومجىء الوفود فكما انه لا بعث الى المحشر الا بعد فناء ظاهر الوجود فكذا لا حشر الى الله الا بعد فناء باطنه نسأل الله سبحانه ان يوصلنا الى جنابه