التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ
٦٠
-الزخرف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولو نشاء } لو للمضى وان دخل على المضارع ولذا لا يجزمه ويتضمن لو معنى الشرط اى قدرنا بحيث لو نشاء { لجعلنا } اولدنا اى لخلقنا بطريق التوالد { منكم } وانتم رجال من الانس ليس من شأنكم الولادة كما ولد حواء من آدم وعيسى من غير أب وان لم تجر العادة { ملائكة } كما خلقناهم بطريق الابداع { فى الارض } مستقرين فيها كما جعلناهم مستقرين فى السماء { يخلفون } يقال خلف فلان فلانا اذا قام بالامر عنه اما معه واما بعده اى يخلفونكم ويصيرون خلفاء بعدكم مثل اولادكم فيما تأتون وتذرون ويباشرون الافاعيل المنوطة بمباشرتكم مع ان شأنهم التسبيح والتقديس فى السماء فمن شأنهم بهذه المثابة بالنسبة الى القدرة الربانية كيف يتوهم استحقاقهم للمعبودية او انتسابهم اليه بالولادة يعنى ان الملائكة مثلكم فى الجسمية واحتمال خلقها توليدا لما ثبت انها اجسام وان الاجسام متماثلة فيجوز على كل منها ما يجوز على الآخر كما جاز خلقها ابداعا وذات القديم الخالق لكل شئ متعالية عن مثل ذلك فقوله ولو نشاء الخ لتحقيق ان مثل عيسى ليس ببدع من قدرة الله وانه تعالى قادر على ابدع من ذلك وهو توليد الملائكة من الرجال مع التنبيه على سقوط الملائكة ايضا من درجة المعبودية قال سعدى المفتى لجعلنا منكم اى ولدنا بعضكم فمن للبتعيض وملائكة نصب على الحال والظاهر ان من ابتدائية اى نبتدئ التوليد منكم من غير أم عكس حال عيسى عليه السلام والتشبيه به على الوجهين فى الكون على خلاف العادة وجعل بعضهم من للبدل.
يعنى شمارا اهلاك كنيم وبدل شما ملائكة آريم كه ايشان در زمين ازبى در آنيد شمارا.
يعمرون الارض ويعبدوننى كقوله تعالى
{ { ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } فتكون الآية للتوعد بالهلاك والاستئصال ولا يلائم المقام وفى الآية اشارة الى ان الانسان لو أطاع الله تعالى لأنعم الله عليه بأن جعله متخلقا بأخلاق الملائكة ليكون خليفة الله فى الارض بهذه الاخلاق ليستعد بها الى ان يتخلق باخلاق الله فانها حقيقة الخلافة (حكى) ان هاروت وماروت لما انكرا على ذرية آدم اتباع الهوى والظلم والقتل والفساد وقالا لو كنا بدلا منهم خلفاء الارض ما نفعل مثل ما يفعلون فالله تعالى أنزلهما الى الارض وخلع عليهما لباس البشرية وامرهما ان يحكما بين الناس بالحق ونهاهما عن المناهى فصدر عنهما ما صدر فثبت ان الانسان مخصوص بالخلافة وقبول فيضان نور الله فلو كان للملائكة هذه الخصوصية لم يفتتنا بالاوصاف المذمومة الحوانية السبعية كما ان الانبياء عليهم السلام معصومون من مثل هذه الآفات والاخلاق وان كانت لازمة لصفاتهم البشرية ولكن بنور التجلى تنور مصباح قلوبهم واستنار بنور قلوبهم جميع مشكاة جسدهم ظاهرا وباطنا واشرقت الارض بنور ربها فلم يبق لظلمات هذه الصفات مجال الظهور مع استعلاء النور وبهذا التجلى المخصوص بالانسان يتخلق الانسان بالاخلاق الالهية فيكون فوق الملائكة ثم ان الانسان وان لم يتولد منه الملائكة ظاهرا لكنه قد تولدت منه باطنا على وجهين احدهما ان الله تعالى خلق من انفاسه الطيبة واذكاره الشريفة واعماله الصالحة ملائكة كما روى عن رفاعة بن رافع رضى الله عنه قال "كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده فقال رجل ورآءه ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم آنفا قال الرجل انا قال لقد رايت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها ايهم يكتب اولا" وسره هو أن مجموع حروف هذه الكلمات الذى ذكره الرجل وراء النبى عليه السلام ثلاثة وثلاثون حرفا لكل حرف روح هو المثبت له والمبقى لصورة ما وقع النطق به فبالارواح الصور تبقى وبنيات العمال وتوجهات نفوسهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم ترتفع حيث منتهى همة العامل هركسى ازهمت وآلاى خويش. سود برد درخور كالاى خويش.
والثانى ان الانسان الكامل قد تتولد منه الاولاد المعنوية التى هى كالملائكة فى المشرب والاخلاق بل فوقهم فان استعداد الانسان أقوى من استعداد الملك وهؤلاء الاولاد يخلفونه متسلسلين الى اخر الزمان بأن يتصل النفس النفيس من بعضهم الى بعض الى آخر الزمان وهى السلسلة المعنوية كما يتصل به النطفة من بعض الناس الى بعض الى قيام الساعة وهى السلسلة الصورية وكما ان عالم الصورة باق ببقاء أهله وتسلسله فكذا عالم المعنى