التفاسير

< >
عرض

وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
١٣
-الجاثية

روح البيان في تفسير القرآن

{ وسخر لكم ما فى السموات وما فى الارض } من الموجودات بان جعلها مدارا لمنافعكم ودلت الآية على ان نسبة الحوادث الارضية الى الاتصالات الفلكية جائزة { جميعا } اما حال من ما فى السموات وما فى الارض او تأكيد له { منه } صفة لجميعا اى كائنا منه تعالى او حال من ما اى سخر لكم هذه الاشياء كائنة منه مخلوقة له وخبر لمحذوف اى هى جميعا منه تعالى وفى فتح الرحمن جميعا منه اى كل انعام فهو من فضله لانه لا يستحق عليه احد شيئا بل هو يوجب على نفسه تكرما { ان فى ذلك } اى فيما ذكر من الامور العظام { لآيات } عظيمة الشأن كبيرة القدر دالة على وجود الصانع وصفاته { لقوم يتفكرون } فى بدائع صنع الله فانهم يقفون بذلك على جلائل نعمه تعالى ودقائقها ويوفقون لشكرها ديرجمله جهان زمغز تابوست هر ذره كواه قدرت اوست.
روى انه عليه السلام مر على قوم يتفكرون فقال
"تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق" وفى الحديث "ان الشيطان يأتى احدكم فيقول من خلق السموات فيقول الله ويقول من خلق الارض فيقول الله ويقول من خلق الله فاذا افتتن احدكم بذلك فليقل آمنت بالله ورسوله" واعلم ان التفكر على العبادات وافضلها لان عمل القلب اعلى واجل من عمل النفس ولذلك قال عليه السلام "تفكر ساعة خير من عبادة سنة" وفى رواية "ستين سنة" وفى رواية "سبعين سنة" "وروى المقداد بن الاسود رضى الله عنه دخلت على ابى هريرة رضى الله عنه فسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفكر ساعة خير من عبادة سنة ثم دخلت على ابن عباس رضى الله عنهما فسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفكر ساعة خير من عبادة سبع سنين ثم دخلت على ابى بكر رضى الله عنه فسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة فقال المقداد فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته بما قالوا فقال صدقوا ثم قال ادعهم الى فدعوتهم فقال لابى هريرة كيف تفكرك وفيماذا قال فى قول الله تعالى { ويتفكرون فى خلق السموات والارض } الآية قال تفكرك خير من عبادة سنة ثم سأل ابن عباس رضى الله عنهما عن تفكره فقال تفكرى فى الموت وهول المطلع قال تفكرك خير من عبادة سبع سنين ثم قال لابى بكر كيف تفكرك قال تفكرى فى النار وفى اهوالها واقول يا رب اجعلنى يوم القيامة من العظم بحال يملأ النار منى حتى تصدق وعدك ولا تعذب امة محمد فى النار فقال عليه السلام تفكرك خير من عبادة سبعين سنة ثم قال أرأف امتى بامتى ابو بكر" فالفضل راجع الى مراتب النيات.
يقول الفقير وجه التخصيص فى الاول ان اختلاف الليل والنهار المذكور فى آية التفكر يدور على السنة فبمقدار بعد التفكر جاء الثواب وفى الثانى ان خوف الموت وما بعده ينتهى الى الجنة او الى النار والجنة فوق سبع سموات كما ان النار تحت سبع ارضين وفى الثالث ان بعد قعر جهنم سبعون سنة على ما ورد فى الحديث فلما كان الصديق رضى الله عنه بعيد التفكر بالنسبة الى الاولين اثيب بما ذكر وجاء اجره مناسبا لتفكره وفى الآية اشارة الى ان السموات والارض وما فيهن خلفت للانسان فان وجودها تبع لوجوده وناهيك من هذا المعنى ان الله تعالى أسجد ملائكته لآدم عليه السلام وهذا غاية التسخير وهم اكرم مما فى السموات والارض ومثال هذا ان الله تعالى لما اراد ان يخلق ثمرة خلق شجرة وسخرها للثمرة لتحملها فالعالم بما فيه شجرة وثمرتها الانسأن ولعظم هذا المعنى قال ان فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون اى فى هذا المعنى دلالات على شرف الانسان وكماليته لقوم لهم قلوب منورة بنور الايمان والعرفان اذ يتفكرون بفكر سليم كما فى التأويلات النجمية