{ وقالوا } يعنى منكرى البعث من غاية غيهم وضلالهم وهم كفار قريش ومشركوا العرب وفى كشف الاسرار هذا من قول الزنادقة الذين قالوا الناس كالحشيش { ما هى } اى ما الحياة { الا حياتنا الدنيا } التى نحن فيها { نموت ونحيا } اى يصيبنا الموت والحياة فيها وليس وراء ذلك حياة وتأخير نحيا لان فيها شبه مراعاة الفاصلة ولان الواو لمطلق الجمع وقد جوز أن يريدوا به التناسخ فانه عقيدة اكثر عبدة الاوثان يعنى احتمال داردكه قائلان اين مذهب تناسخ داشته باشند ونزد ايشان آنست كه هركه مىميرد روح او بجسد ديكر تعلق ميكيرد وهم دردنيا ظهور ميكند تا ديكر بار بميرد وديكر باز آيد وازشاكمونى كه بزعم ايشان بيغمبرست نقل كردماندكه كفت من خودار هزار وهفتصد قالب ديدمام.
قال الراغب القائلون بالتناسخ قوم ينكرون البعث عل ما اثبتته الشريعة ويزعمون ان الارواح تنتقل من الاجساد على التأبيد أى الى اجساد أخر وفى التعريفات التناسخ عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر من غير تخلل زمان بين التعلقين للتعشق الذاتى بين الروح والجسد { وما يهلكنا الا الدهر } اى مرور الزمان وهو مدة بقاء العالم من مبدأ وجوده الى انقضائه ثم يعبر به عن كل مدة كبيرة وهو خلاف الزمان فان الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة قال فى القاموس الدهر الزمان الطويل والابد الممدود وألف سنة والدهر عند الصوفية هو الآن الدآئم الذى هو امتداد الحضرة الالهية وهو باطن الزمان وبه يتجدد الازل والابد وكانو يزعمون ان المؤثر فى هلاك الانفس هو مرور الايام والليالى وينكرون ملك الموت وقبضه للارواح بأمر الله ويضيفون الحوادث الى الدهر والزمان ويسبونه ويذمونه ويشتكون منه كما نطقت بذلك اشعارهم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله "لا تسبو الدهر فان الله هو الدهر" اى فان الله هو الآتى بالحوادث لا الدهر (قال الكاشفى) مقلب دهور ومصرف آن حضرت عزت است جل شانه ودهوررا در هيج كاراختيارى نيست دهر ترا دهربناهى ترا حكم ترا زيبد وشاهى ترا دور زان كارنسازد بخوذ جرخ فلك برنفرازد بخود اين همه فرمان ترابنده اند درره امرتو شتابنده اند.
(قال بعضهم) يا عالما يعجب من دهره. لا تلم الدهر على غدره. فانه مأموله آمر. قد ينتهى الدهر الى امره. كم كافر أمواله جمة. يزداد اضعافا على كفره. ومؤمن ليس له درهم. يزداد ايمانا على فقره.
قال فى المفردات قوله عليه السلام "لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر" قد قيل معناه ان الله فاعل ما يضاف الى الدهر من الخير والشر والمسرة والمساءة فاذا سببتم الذى تعتقدون انه فاعل ذلك فقد سببتموه تعالى وقال بعضهم الدهر الثانى فى الخبر غير الاول وانما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه ان الله تعالى هو الدهر أى المصرف المدبر لكل ما يحدث والاول أظهر وفى الحديث "قال الله لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فانى انا الدهر ارسل الليل والنهار فاذا شئت قبضتهما" وهذا والحديث الاول سهل على تفسير الصوفية كما سبق فاعرف تفز { وما لهم بذلك } اى بما ذكر من اقتصار الحياة على ما فى الدنيا واسناد الحياة والموت الى الدهر { من علم } فأسند الى عقل او نقل ومن مزيدة لتأكيد النفى { ان هم الا يظنون } اى ما هم الا قوم قصارى امرهم الظن والتقليد من غير ان يكون لهم شئ يصح ان يتمسك به فى الجملة هذا معتقدهم الفاسد فى انفسهم واما المؤمنون فقد اخذوا بالنصوص وسلكوا طريق اليقين وتجاوزوا عن برازخ الظن والتخمين واثبتوا الحشر الصورى والمعنوى اى الحشر المحسوس والصراط المحسوس والجنة والنار المحسوستين وكذا جمع النفوس الجزئية الى النفس الكلية والجمع بين المعقول والمحسوس أعظم فى القدرة من نعيم وعذاب محسوسين بأكل وشرب ونكاح ولباس محسوسات وأتم فى الكمال الالهى ليستمر له سبحانه فى كل صنف من الممكنات حكم عالم الغيب والشهادة ويثبت حكم الاسم الظاهر والباطن فى كل صنف وهذا معتقد الانبياء والرسل ومؤمنيهم فمن اعتقد كاعتقادهم نجا والا هلك ومن لوازم هذا الاعتقاد والتوحيد اسناد كل حادثة الى الله العزيز الحميد فانه المؤثر فى الكل ولذا نهى عن سب الريح اذ هى بيد ملك وهو بيد الله تعالى فجميع التصرفات راجع اليه (حكى ان الحجاج) أرسل عبد الله الثقفى الى انس بن مالك رضى الله عنه يطلبه فقال اجب امير المؤمنين فقال له اذله الله فان العزيز من اعتز بطاعة الله والذليل من ذل بمعصيته ثم قام معه فلما حضر قال انت الذى تدعو علينا قال نعم قال ومم ذلك قال لانك عاص لربك تخالف سنة نبيك تعز أعدآء الله وتذل اولياءه فقال اقتلك شرق قتلة فقال انس لو علمت ان ذلك بيدك لعبدتك قال ولم ذلك قال لان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنى دعاء وقال من دعا به كل صباح لم يكن لاحد عليه سبيل اى لم يضرّ به سم ولا سحر ولا سلطان ظالم وقد دعوت به فى صباحى فقال الحجاج علمنيه فقال معاذ الله ان أعلمه ما دمت حيا وانت حى فقال الحجاج خلوا سبيله فقيل له فى ذلك فقال رأيت على عاتقيه اسدين عظيمين قد فتحا افواههما فدل هذا على ان التأثير بيد الله القدير لا فى يد السلطان والوزير وانما هو وهم المحجوب الناظر الى جانب الاسباب والوسائل ثم ان انسا رضى الله عنه لما حضره الموت قال لخادمه ان لك على حقا حق الخدمة فعلمه الدعاء وقال له قل بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله خير الاسماء بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شئ فى الارض ولا فى السماء وانس رضى الله عنه من خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين وانتقل الى البصرة فى خلافة عمر رضى الله عنه وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة احدى وتسعين وله مائة وثلاث سنين وهو احد الستة المشهورين برواية الحديث