روح البيان في تفسير القرآن
{ وله الكبرياء فى السموات والارض } اى العظمة والقدرة والسلطان والعز لظهور آثارها واحكامها فيهما واظهارهما فى موقع الاضمار لتفخيم شأن الكبرياء { وهو العزيز } الذى لا يغلب { الحكيم } فى كل ما قضى وقدر فاحمدوه اى لان له الحمد وكبروه اى لان له الكبرياء واطيعوه اى لانه غالب على كل شئ وفى كل صنعه حكمة جليلة وفى الحديث "ان لله ثلاثة اثواب اتزر بالعزة وارتدى بالكبرياء وتسربل بالرحمة" فمن تعزز بغير الله اذله الله فذلك الذى يقول الله تعالى { { ذق انك انت العزيز الكريم } ومن تكبر فقد نازع الله ان الله تعالى يقول "لا ينبغى لمن نازعنى ان ادخله الجنة" ومن يرحم الناس يرحمه الله فذلك الذى سربله الله سرباله الذى ينبغى له وفى الحديث القدسى يقول الله "الكبرياء ردآئى والعظمة ازارى فمن نازعنى واحدا منهما ألقيته فى جهنم" فللعبد أن يتخلق بأخلاق الحق تعالى ولكنه محال ان يتخلق بهذين الخلقين لانهما ازليان ابديان لا يتطرق اليهما التغير وفى خلق العبد تغيير وله بداية ونهاية وله مبدئ ومعيد قال بعض الكبار وصف الحق سبحانه وتعالى نفسه بالازار والردآء دون القميص والسراويل لان الاولين غير مخطيين وان كانا منسوجين فهما الى البساطة اقرب والثانيين مخيطان ففيهما تركيب ولهذا السر حرم المخيط على الرجل فى الاحرام دون المرأة لان الرجل وان كان خلق من مركب فهو الى البساطة أقرب واما المرأة فقد خلقت من مركب محقق هو للرجل فبعدت عن البسائط والمخيط تركيب فقيل للمرأة ابقى على أصلك لا تلحقى الرجل وقيل للرجل ارتفع عن تركيبك وفى تقديم الحمد على الكبرياء اشارة الى ان الحامدين اذا حمدوه وجب ان يعرفوا انه أعلى واكبر من ان يكون الحمد الذى ذكروه لائقا بمقامه بل هو أكبر من حمد الحامدين واياديه اجل من شكر الشاكرين قال بعض العارفين اعلم ان التكبير تنزيه ربك عن قيد الجهات والتحولات المختلفة وعن قيد التعينات العلمية والاعتقادية المتنوعة يحسب المراتب وعن سائر احكام الحصر ما ظهر من ذلك المذكور وما بطن مما لا يتحقق بمعرفته الا من عرف سر العبادات المشروعة وسر التوجهات الكونية الى الحضرة الربانية فمعنى كل تكبير صلاتى الله اكبر من ان يتفيد بهذه التحولات العبادية والمراتب والتعينات الكونية وقال شيخ الاسلام خواهر زاده معنى الله اكبر أى من يؤدى حقه بهذا القدر من الطاعة بل حقه الاعلى كما قالت الملائكة ما عبدناك حق عبادتك وفى جامع المضمرات ليس المعنى على انه اكبر من غيره حتى يقال اكبر منه بل كل ما سواه فهو نور من انوار قدرته كما حكى انه عطس رجل عند الجنيد فقال الحمد لله فقال الجنيد قل الحمد لله رب العالمين موافقا للقرءآن فقال الرجل وهل للعالم وجود حتى يذكر مع الله فمعنى الله اكبر أى اكبر من ان يناله الحواس ويدرك جلاله بالعقل والقياس بل اكبر من ان يدرك كنه جلاله غيره بل اكبر من ان يعرفه غيره فانه لا يعرف الله الا الله قال بعض الفضلاء الصحيح ما عليه المحققون من اسم التفصيل اذا اطلق على الله تعالى فهو بمنزلة المعرف باللام فى المعنى فهو بمعنى الله هو الاكبر ولا يسوغ فيه تقدير من فانه حينئذ يقتضى ان يشاركه غيره فى اصل الكبرياء وهو سبحانه منزه عن ان يشاركه غيره فى شئ من صفاته كيف يتصور ذلك ولا كبرياء فى غيره تعالى بل شعار ما سواه كمال الصغار والاحتياج الى جنابه تعالى فضلا عن الاتصاف بالكبرياء والعظمة والكبر فى حق ما سواه من اسوء الاخلاق الذميمة وتعالى الله ان يشاركه غيره فى صفة هى كمال لخلقه تعالى فضلا عن صفة هى ذميمة لهم بل اسم التفضيل فى حقه تعالى دال على زيادة المبالغة والكمال المطلق الذى لا يتصور أن يشاركه فيه احد مما سواه انتهى وكان عليه السلام يزيد فى تكبيرات صلاة العيدين فتارة يجعل الزوائد ستا واخرى اكثر وسره ان العرب يجتمعون فى الاعياد من القبائل ويزاحمون على مطالعة جماله ويعظمونه اشد التعظيم فكان ينفى الكبرياء عن نفسه فيثبتها لله تعالى بما يحصل له كمال الاطمئنان من الاعداد (قال فى كشف الاسرار) بسمع عمر بن عبد العزيز رسانيدندكه بسرتو انكشترى ساخته است ونكينى بهزار درم خريد وبروى نشانده نامه نوشته بوى كه اى بسر شنيدم كه انكشترى ساخته ونكينى بهزاردرم خريده ودروى نشانده اكر رضاى من ميخواهى آن نكين بفروش وازبهاى آن هزار كرسنه راطعام ده واز باره سيم خودرا انكشترى ساز وبر آن نقش كن كه رحم الله امرءا عرف قدر نفسه زيرا كبربا صفت خداوند ذى الجلالست مرورا سزد كبريا ومنى زتخت بتهديد اكر بر كشدتيغ حكم بمانندكر وبيان صم وبكم بدركاه لطف وبز ركيش بر برزكان نهاده بزركى زسر بدرد يقين بردهاى خيال نماند سرا برده الاجلال اى لا يبقى من الحجب الا حجاب العظمة وردآء الكبرياء فانه لا يرتفع ابدا والا لتلاشى وجود الانسان والتحق بالعدم فى ذلك الآن فاعرف هذا بالذوق والوجدان
تمت سورة الجاثية فى الرابع عشر من شهر رمضان المنتظم فى سلك شهور سنة ثلاث عشرة ومائة والف