التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ
٢٩
-الأحقاف

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذ صرفنا اليك نفرا من الجن } املناهم اليك واقبلنا بهم نحوك والنفر دون العشرة وجمعه انفار قال الراغب النفر عدة رجال يمكنهم النفر اى الى الحرب ونحوها والجن بعض الروحانيين وذلك ان الروحانين ثلاثة اخيار وهم الملائكة واشرار وهم الشياطين واوساط فيهم اخيار واشرار وهم الجن قال سعيد بن المسيب الملائكة ليسوا بذكور ولا اناث ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون والشياطين ذكور واناث يتوالدون ولا يموتون بل يخلدون فى الدنيا كما خلد ابليس والجن يتوالدون وفيهم ذكور واناث ويموتون.
يقول الفقير يؤيده ما ثبت ان فى الجن مذاهب مختلفة كالانس حتى الرافضى ونحوه وان بينهم حروبا وقتالا ولكن يشكل قولهم ابليس هو ابو الجن فانه يقتضى ان لا يكون بينهم وبين الشياطين فرق الا بالايمان والكفر فاعرف { يستمعون القرءَان } حال مقدرة من نفرا لتخصيصه بالصفة او صفة اخرى له اى واذكر لقومك وقت صرفنا اليك نفرا كائنا من الجن مقدرا استماعهم القرءآن { فلما حضروه } اى القرءآن عند تلاوته { قالوا } اى قال بعضهم لبعض { انصتوا } الانصات هو الاستماع الى الصوت مع ترك الكلام اى اسكتوا لسمعه وفيه اشارة الى ان من شأنهم فضول الكلام واللغط كالانس ورمز الى الحرص المقبول قال بعض العارفين هيبة الخطاب وحشمة المشاهدة حبست السنتهم فانه ليس فى مقام الحضرة الا الخمول والذبول { فلما قضى } اتم وفرغ من تلاوته { ولوا الى قومهم منذرين } انصرفوا الى قومهم مقدرين انذارهم عند رجوعهم اليه يعنى آمنوا به واجابوا الى ما سمعوا ورجعوا الى قومهم منذرين ولا يلزم من رجوعهم بهذه الصفة ان يكونوا رسل رسول الله عليه السلام اذ يجوز ان يكون الرجل نذيرا ولا يكون نبيا او رسولا من جانب احد فالنذارة فى الجن من غير نبوة وقد سبق بقية الكلام فى سورة الانعام عند قوله تعالى
{ { يا معشر الجن والانس } الآية روى ان الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا ما هذا الا لنباء حدث فنهض سبعة نفر او ستة نفر من اشراف جن نصيبين ورؤسائهم ونصيبين بلد قاعدة ديار ربيعة كما فى القاموس وقال فى انسان العيون هى مدينة بالشام وقيل باليمن اثنى عليها رسول الله عليه السلام بقوله "رفعت الى نصيبين حتى رأيتها فدعوت الله ان يعذب نهرها وينضر شجرها ويكثر مطرها" وقيل كانوا من ملوك جن نينوى بالموصل واسماؤهم على ما فى عين المعانى شاصر ناصر دس مس از دادنان احقم وكفته اندنه عدد بود وهشتم عمرو ونهم سرق وزوبعة بفتح الزاى المعجمة والباء الموحدة از ايشان بوده واوبسر ابليس است وقال فى القاموس الزوبعة اسم شيطان او رئيس الجن فتكون الاسماء عشرة لكن الاحقم بالميم او الاحقب بالباء وصف لواحد منهم لا علم وقال ابن عباس رضى الله عنهما تسعة سليط شاصر ماصر حاصر حسا مسا عليم ارقم ادرس فضربوا فى الارض حتى بلغوا تهامة وهى بالكسر مكة شرفها الله تعالى وارض معروفة لا بلد كما فى القاموس ثم اندفعوا الى وادى نخلة عند سوق عكاظ ونخلة محلة بين مكة والطائف ونخلة الشامية واليمانية واديان على ليلة من مكة وعكاظ كغراب سوق بصحرآء بين نخلة والطائف كانت تقوم هلال ذى القعدة وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيتعاكظون اى يتفاخرون ويتناشدون ومنه الاديم العكاظى فوافوا اى نفر الجن رسول الله صلى الله عليه وسلم اى صادفوه ووجدوه وهو قائم فى جوف الليل يصلى اى فى وسطه وكان وحده او معه مولاه زيد بن حارثة رضى الله عنه وفى رواية يصلى صلاة الفجر اذ كان اذ ذاك مأمورا بركعتين بالغداة وبركعتين بالعشى فهى غير صلاة الفجر التى هى احدى الخمس المفترضة ليلة الاسرآء اذ الحيلولة بين الجن وبين خبر السماء بالشهب كانت فى اوآئل الوحى وليلة الاسرآء كانت بعد ذلك بسنين عديدة فاستمعوا القراءته عليه السلام وكان يقرا طه وذلك عند منصرفه من الطائف حين خرج اليهم يستنصرهم على الاسلام والقيام على من خالفه من قومه فلم يجيبوه الى مطلوبه واغروا به سفهاءهم فآذوه عليه السلام اذى شديدا ودقوا رجليه بالحجارة حتى ادموها كما سبق نبذة منه فى آخر التوبة وكان اقام بالطائف يدعوهم عشرة ايام وشهرا واقام بنخلة اياما فلما اراد الدخول الى مكة "قال له زيد كيف تدخل عليهم يعنى قريشا وهم قد اخرجوك اى كانوا سببا لخروجك وخرجت لتستنصرهم فلم تنصر فقال يا زيد ان الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وان الله ناصر دينه ومظهر نبيه" فسار عليه السلام الى جبل حرآء وبعث الى مطعم بن عدى وقد مات كافرا قبل بدر بنحو سبعة اشهر يقول له انى داخل مكة فى جوارك فأجابه الى ذلك فدخل عليه السلام مكة ثم تسلح مطعم وبنوه وهم ستة او سبعة وخرجوا حتى اتوا المسجد الحرام فقام مطعم على راحلته فنادى يا معشر قريش انى قد اجرت محمدا فلا يؤذيه احد منكم ثم بعث الى رسول الله عليه السلام ان ادخل فدخل وطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف الى منزله ومطعم وولده مطيفون به وكان من عادة العرب حفظ الجوار ولذا قال ابو سفيان لمطعم اجرنا من اجرت ثم ان مرور الجن به عليه السلام فى هذه القصة ووقوفهم مستمعين لم يشعر به عليه السلام ولكن انبأه الله باستماعهم وذكر اجتماعهم به عليه السلام فى مكة مرار فمن ذلك ما "روى ان النفر السبعة من الجن لما انصرفوا من بطن نخلة جاؤوا الى قومهم منذرين ثم جاؤا مع قومهم وافدين الى رسول الله عليه السلام وهو بمكة وهم ثلاثمائة او اثنا عشر ألفا فانتهوا الى الحجون وهو موضع فيه مقابر مكة فجاء واحد من اولئك النفر الى رسول الله فعال ان قومنا قد حضروا بالحجون يلقونك فوعده عليه السلام ساعة من الليل ثم قال لاصحابه انى امرت ان أقرأ على الجن الليلة وانذرهم فمن يتبعنى قالها ثلاثا فأطرقوا الا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فقام معه قال فانطلقنا حتى اذا كنا بأعلى مكة فى شعب الحجون خط لى خطا برجله وقال لى لا تخرج منه حتى اعود اليك فانك ان خرجت لن ترانى الى يوم القيامة" وفى رواية "لم آمن عليك ان يخطفك بعضهم ثم جلس وقرأ عليهم اقرأ باسم ربك او سورة الرحمن وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله واللغط بالغين المعجمة والطاء المهملة اختلاط اصوات الكلام حتى لا يفهم وغشيته عليه السلام ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لى عليه السلام هل رأيت شيئا قلت نعم رجالا سودا كأنهم رجال الزط وهم طائفة من السودان الواحد منهم زطى فقال اولئك جن نصيبين قلت سمعت منهم لغطا شديدا حتى خفت عليك الى ان سمعتك تفرعهم بعصاك وتقول اجلسوا اى فما سببه فقال ان الجن تداعت فى قتيل قتل بينهم فتحاكموا الى فحكمت بينهم بالحق وقال ابو الليث فلما رجع اليه قال يا نبى الله سمعت هدتين اى صوتين قال عليه السلام اما احداهما فانى سلمت عليهم وردوا على السلام واما الثانية فانهم سألوا الرزق فأعطيتهم عظما واعطيتهم روثا رزقا لدوابهم" اى ان المؤمنين منهم لا يجدون عظما ذكر اسم الله عليه الا وجدوا عليه لحمه يوم اكل ولا ورثة الا وجد فيها حبها يوم أكلت او يعود البعر خضرا لدوابهم ولهذا نهى عليه السلام عن الاستنجاه بالعظم والروث واما الكافرون منهم فيجدون اللحم على العظم الذى لم يذكر اسم الله عليه وعن قتادة لما اهبط ابليس قال اى رب قد لعنته فما علمه قال السحر قال فما قرآءته قال الشعر.
درقيامت نرسد شعر بفرياد كسى. كر سراسر سخنش حكمت يونان كردد.
قال فما كتابته قال الوشم وهو غرز الابر فى البدن وذر النيلج عليه قال فما طعامه قال كل ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه اى من طعام الانس يأخذه سرقة قال فما شرابه قال كل مسكر قال فاين مسكنه قال الحمام قال فاين محله قال فى الاسواق قال فما صوته قال المزمار قال فما مصايده قال النساء فالحمام اكثر محل اقامته والسوق محل تردده فى بعض الاوقات والظاهر ان كل من لم يؤمن من الجن مثل ابليس فيما ذكر قال فى انسان العيون فى أكل الجان ثلاثة اقوال يأكلون بالمضغ والبلع ويشربون بالازدراد اى الابتلاع والثانى لا يأكلون ولا يشربون بل يتغذون بالشم والثالث انهم صنفان صنف يأكل ويشرب وصنف لا يأكل ولا يشرب وانما يتغذون بالشم وهو خلاصتهم وفى اكام المرجان ان العمومات تقتضى ان الكل يأكلون ويشربون وكون الرقيق رقيقا واللطيف لطيفا لا يمنع عن الاكل والشرب واما الملائكة فهم اجسام لطيفة لكنهم لا يأكلون ولا يشربون لاجماع أهل الصلاة على ذلك وللاخبار المروية فى ذلك قال العلماء انه عليه السلام بعث الى الجن قطعا وهم مكلفون وفيهم العصاة والطائعون وقد اعلمنا لله ان نفرا من الجن رأوه عليه السلام وآمنوا به وسمعوا القرءآن فهم صحابة فضلاء من حيث رؤيتهم وصحبتهم وحيئنذ ينعين ذكر من عرف منهم فى الصحابة رضى الله عنهم كذا فى شرح النخبة لعلى القارى