التفاسير

< >
عرض

مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ
٣
-الأحقاف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ما خلقنا السموات والارض } بما فيهما من حيث الجزئية منهما ومن حيث الاستقرار فيهما { وما بينهما } من المخلوقات كالنار والهواء والسحاب والامطار والطيور المختلفة ونحوها { الا } خلقا ملتبسا { بالحق } اى بالغرض الصحيح والحكمة البالغة وان جعلها مقارا للمكلفين ليعملوا فيجازيهم يوم القيامة لا بالعبث والباطل فانه ما وجد شئ الا لحكمة والوجود كله كلمات الله ولكل كلمة ظهر هو الصورة وبطن هو المعنى الى سبعة أبطن كما ورد فى الخبر "ان لكل حق حقيقة" فالوجود كله حق حتى ان النطق بكلمات لا معانى لها حق فانها قد وجدت والباطل هو المعنى الذى تحتها كقول من يقول مات زيد ولم يمت فان حروف الكلمة حق فانها قد وجدت والباطل هو ان زيدا مات وهو المعنى الذى تحتها فالدنيا حق وحقيقتها الآخرة والبرزخ وصل بينهما وربط ومن ههنا يعرف قول على رضى الله عنه الناس نيام واذا ماتوا تيقظوا فالرؤيا حق وكذا ما فى الحارج من تعبيرها لكن كلا منهما خيال بالنسبة الى الآخرة لكونه من الدنيا وكونه خيالا ومن الدنيا لا ينافى كونه حقا وانما ينافى كونه حقيقة ولذا قال يوسف الصديق عليه السلام { { يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا } وقال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر انما الكون خيال وهو حق فى الحقيقة وفى الآية اشارة الى ان المخلوقات كلها ما خلقت الا لمعرفة الحق تعالى كما قال فخلقت الخلق لاعرف وفى الحديث "لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحور ولزالت بدعائكم الجبال" ولهذه المعرفة خلقت سموات الارواح واراضى النفوس وما بينهما من العقول والقلوب والقوى { واجل مسمى } عطف على الحق بتقدير المضاف اى وبتقدير أجل معين ينتهى اليه امور الكل وهو يوم القيامة وذلك لان اقتران الخلق ليس الا به لا بالاجل نفسه وفيه ايذان بفناء العالم وموعظة وزجر اى فانتبهوا ايها الناس وانظروا ما يراد بكم ولم خلقتم واشارة بان لكل عارف اجل مسمى لمعرفته واكثره فى هذه الامة اربعون سنة فانها منتهى السلوك فلا يغتر العبد بعلمه وعرفانه فانه فوق كل ذى علم عليم ولكل حد نهاية والامور مرهونة بأوقاتها وأزمانها وهذا بالنسبة الى من سلك على الفطرة الاصلية وعصم من غلبة احكام الامكان والا فمن الناس من يجتهد سبعين سنة ثم لا يقف دون الغاية ثم انه فرق بين اوائل المعرفة وأواخرهم فان حصول اواخرها يحتاج الى مدة طويلة بخلاف اوائلها اذ قد تحصل للبعض فى أدنى مدة بل فى لحظة كما حصلت لسحرة فرعون فانهم حيث رأوا معجزة موسى عليه السلام قالوا آمنا برب العالمين (وحكى) ان ابراهيم بن ادهم قدس سره لما قصد هذا الطريق لم يك الا مقدار سيره من بلخ الى مروالروذ حتى صار بحيث اشار الى رجل سقط من القنطرة فى الماء الكثير هنالك فوقف الرجل مكانه فى الهوآء فتخلص وان رابعة البصرية كانت امة كبيرة يطاف بها فى سوق البصرة ولا يرغب فيها احد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم واعتقها فاختارت هذا الطريق وأقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها زهاد البصرة وقرآؤها وعلماؤها لعظم منزلتها فهذا من العناية القديمة والارادة الازلية الغير المعللة بشئ من العلل.
فيض روح القدس ارباز مدد فرمايد. ديكران هم بكنند آنجه مسيحا ميكرد.
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر لم يكن يتخلص عندى أحد الجانبين فى مسألة خلق الاعمال وتعسر عندى الفصل بين الكسب الذى يقول به قوم وبين الخلق الذى يقول به قوم فأوقفنى الله تعالى بكشف بصرى على خلقة المخلوق الاول الذى لم يتقدمه مخلوق وقال هل هنا امر يورث اللبس والحيرة قلت لا يا رب فقال لى هكذا جميع ما تراه من المحدثات ما لأحد فيه اثر ولا شئ من المخلوق فانا الذى اخلق الاشياء عند الاسباب لا بالاسباب فتكون على امرى خلقت النفخ فى عيسى وخلقت التكون فى الطائر { والذين كفروا } اى مشركوا أهل مكة { عما انذروا } به وخوفوا من يوم القيامة وما فيه من الاهوال { معرضون } بترك الاستعداد له بالايمان والعمل فيه اشارة الى ان الاعراض عما انذروبا به كفر قال الفقهاء اذا وصف الله احد بما لا يليق به كالامكان والحدوث والجسمية والجهات والظلم والنوم والنسيان والتأذى ونحو ذلك او استهزا باسم من اسمائه او امر من اوامره او انكر شيئا من وعده ووعيده وما ثبت بدليل قطعى يكفر ولو زنى رجل او عمل عمل قوم لوط فقال له الآخر مكن فقال كنم ونيك آرم فهذا كفر ولو قيل لرجل لا تعصى الله قال الله يدخلك النار فقال من از دوزخ نه انديشم يكفر ولو قيل الرجل بسيار مخور وبسيار مخب او بسيار مخد فقال جندان خورم وخسم وخندم كه خود خواهم يكفر لكون كل من الاكل والنوم والضحك الكثير منهيا عنه مميتا للقلب فرد القول فيه رد للنص حقيقة وفى آخر فتاوى الظهيرية سئل الشيخ الامام ابو بكر محمد بن الفضل عمن يقول انا لا اخاف النار ولا ارجو الجنة وانما اخاف الله وارجوه فقال قوله لا اخاف النار ولا ارجو الجنة غلط فان الله تعالى خوف عباده بالنار بقوله تعالى
{ { فاتقوا النار التى اعدت للكافرين } ومن قيل له خف مما خوفك الله فقال لا اخاف ردا لذلك كفر انتهى.
يقول الفقير صرح العلماء بان الايمان من اجل خوف النار ورجاء الجنة لا يصح لانه ايمان غير خالص لله فلو كان مراده من نفى الخوف والرجاء ان ايمانى ليس بمبنى عليهما لم يكفر بل اصاب حقيقة الايمان على ان المراد من اتقاء النار فى الحقيقة اتقاء الله تعالى فان الله هو الذى يدخله النار بمقتضى وعيده على تقدير عصيانه فيؤول المعنى فى الآية الى قولنا فاتقوا الله ولا تعصوه حتى لا يدخلكم النار نعم رد ظاهر النص كفر اذا لم يقدر على الخروج عن عهدته بتأويل مطابق للشرع ومن اكبر الذنوب ان يقول الرجل لاخيه اتق الله فيقول فى جوابه عليك نفسك اى الزم نفسك وانت تأمرنى بهذا (روى) ان يهوديا قال لهرون الرشيد فى سيره مع عسكره اتق الله فلما سمع هرون قول اليهودى نزل من فرسه وكذا العسكر نزلوا تعظيما لاسم الله العظيم وجاء فى كتب الاصول اذا حلف على مس السماء انعقد اليمين لتوهم البر لان السماء ممسوسة كما قال تعالى حكاية عن الجن
{ { وانا لمسنا السماء } ثم يحنث ويلزمه موجب الحنث وهو الكفارة فيكون آثما لان المقصود باليمين تعظيم المقسم به وههنا هتك حرمة الاسم انتهى فعلى العاقل ان يقبل قول الناصح ويخاف من الله ويعظم اسمه حتى يكون مظهر صفات لطفه ويعرف انه تعالى لطيف فاذا كفر وأعرض يكون مظهر صفات قهره فيعرف ان الله تعالى قهار نسأل الله عفوه وعطاه ولطفه الواسع ورضاه