التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٣٥
-الأحقاف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } الفاء جواب شرط محذوف والعزم فى اللغة الجد والفصد مع القطع اى اذا كان عاقبة امر الكفرة ما ذكر فاصبر على ما يصيبك من جهتهم كما صبر أولوا الثبات والحزم من الرسل فانك من جملتهم بل من عليتهم ومن للتبيين فيكون الرسل كلهم اولى عزم وجد فى امر الله قال فى التكملة وهذا لا يصح لابطال معنى تخصص الآية وقيل من للتبعيض على انهم صنفان اولوا عزم وغير اولى عزم والمراد باولى العزم اصحاب الشرآئع الذين اجتهدوا فى تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ومشاهيرهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وقد نظمهم بعضهم بقوله

اولوا العزم نوح والخليل بن آزر وموسى وعيسى والحبيب محمد

قال فى الأسئلة المقحمة هذا القول هو الصحيح وقيل هم الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على اذية قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه وابراهيم صبر على النار وعلى ذبح ولده والذبيح على الذبح ويعقوب على فقد الولد ويوسف على الجب والسجن وايوب على الضر وموسى قال قومه انا لمدركون قال كلا ان معى ربى سيهدين ويونس على بطن الحوت وداود بكى على خطيئته اربعين سنة وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال انها معبرة فاعبروها ولا تعمروها صلوات الله عليهم اجمعين وقال قوم الانبياء كلهم اولو العزم الا يونس لعجلة كانت منه الا يرى انه قيل للنبى عليه السلام { { ولا تكن كصاحب الحوت } ولا آدم لقوله تعالى { { ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما } قال فى حواشى ابن الشيخ ليس بصحيح لان معنى قوله ولم نجد له عزما قصدا الى الخلاف ويونس لم يكن خروجه بترك الصبر لكن توقيا عن نزول العذاب انتهى وفيه ما فيه كما لا يخفى على الفقيه قال بعضهم اولوا العزم اثنا عشر نبيا ارسلوا الى بنى اسرآئيل بالشام فعصوهم فاوحى الله الى الانبياء انى مرسل عذابى على عصاة بنى اسرآئيل فشق ذلك على الانبياء فاوحى الله اليهم اختاروا لانفسكم ان شئتم انزلت بكم العذاب وانجيت بنى اسرآئيل وان شئتم انجيتكم وانزلت العذاب ببنى اسرآئيل فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على ان ينزل بهم العذاب وينجى بنى اسرآئيل فسلط الله عليهم ملوك الارض فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من سلخ جلدة راسه ووجهه ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ومنهم من احرق بالنار وقيل غير ذلك والله تعالى اعلم واحكم.
يقول الفقير لا شك ان الله تعالى فضل أهل الوحى بعضهم على بعض ببعض الخصائص وان كانوا متساوين فى اصل الوحى والنبوة كما قال تعالى
{ { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } وكذا باين بينهم فى مراتب الابتلاء وان كان كل منهم لا يخلو عن الابتلاء من حيث ان امر الدعوة مبنى عليه فأولوا العزم من هم فوق غيرهم من الرسل وكذا الرسل فوق الانبياء واما نبينا عليه السلام فأعلى اولوا العزم دل عليه قوله تعالى { { وانك لعلى خلق عظيم } فان كونه على خلق عظيم يستدعى شدة البلاء وقد قال "ما اوذى نبى مثل ما اوذيت" ففرق بين عزم وعزم وقوله تعالى { { ولا تكن كصاحب الحوت } مع قوله { { اذ ذهب مغاضبا } دل على ان يونس عليه السلام قد صدر منه الضجرة وقول يوسف عليه السلام { { فاساله ما بال النسوة } دل على انه صدر منه التزكية وقول لوط عليه السلام { { لو أن لى بكم قوة او آوى الى ركن شديد } دل على انه ذهل عن ان الله تعالى كان ركنه الشديد وقس على هذا المذكور قول عزيز { { أنى يحيى هذه الله بعد موتها } ونحو ذلك فظهر أن الانبياء عليهم السلام متفاوتون فى درجات المعارف ومراتب الابتلاء وطبقات العزم قال بعضهم اولوا العزم من لا يكون فى عزمه فسخ ولا فى طلبه نسخ كما قيل بعضهم بم وجدت ما وجدت قال بعزيمة كعزيمة الرجال اى الرجال البالغين مرتبة الكمال { ولا تستعجل لهم } اى لكفار مكة بالعذاب فانه على شرف النزول بهم ومهلهم ليستعدوا بالتمتعات الحيوانية للعذاب العظيم فانى امهلهم رويدا كأنه ضجر بعض الضجر فأحب ان ينزل العذاب بمن أبى منهم فأمر بالصبر وترك الاستعجال { كأنهم يوم يرون ما يوعدون } من العذاب { لم يلبثوا } اى لم يمكثوا فى الدنيا والتمتع بنعيمها { الا ساعة } يسيرة وزمانا قليلا { من نهار } لما يشاهدون من شدة العذاب وطول مدته يعنى ان هول ما ينزل بهم ينسيهم مدة اللبث وايضا ان ما مضى وان كان دهرا طويلا لكنه يظن زمانا قليلا بل يكون كأن لم يكن فغاية التنعم الجسمانى هو العذاب الروحانى كما فى البرزخ والعذاب الجسمانى ايضا كما فى يوم القيامة.
غبار قافله عمرجون نمايان نيست دواسبه رفتن ليل ونهار را درياب { بلاغ } خبر مبتدأ محذوف اى هذا الذى وعظتم به كفاية فى الموعظة او تبليغ من الرسول فالعبد يضرب بالعصا والحر يكفيه الاشارة { فهل يهلك } اى ما يهلك وبالفارسية بس آيا هلاك كرده خواهند شد بعذاب واقع كه نازل شود يعنى نخوا هندشد { الا القوم الفاسقون } اى الخارجون عن الاتعاظ به او عن الطاعة وقال بعض أهل التأويل اى الخارجون من عزم طلبه الى طلب ما سواه وفى هذه الالفاظ وعيد محض وانذار بين وفى الفردوس قال ابن عباس رضى الله عنهما قال النبى عليه السلام
"اذا عسر على المرأة ولادتها اخذ اناء نظيف وكتب عليه (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) الخ (وكأنهم يوم يرونها) الخ (ولقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الالباب) الخ ثم يغسل وتسقى منه المرأة وينضح على بطنها وفرجها" كما فى بحر العلوم وقال فى عين المعانى قال ابن عباس رضى الله عنهما اذا عسر على المرأة الولادة فليكتب هاتان الآيتان فى صحيفة ثم تسقى وهى هذه بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله الحكيم الكريم لا اله الا الله العلى العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك الا القوم الفاسقون { { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية او ضحاها } وفى شرعة الاسلام المرأة التى عسرت عليها الولادة يكتب لها فى جام وهو طبق ابيض من زجاج او فضة ويغسل ويسقى ماؤه بسم الله الذى لا اله الا هو العليم الحكيم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرون الخ ومر عيسى بن مريم ببقرة اعترض ولدها فى بطنها فقالت يا كلمة الله ادعو الله ان يخلصنى فقال عيسى يا خالق النفس من النفس خلصها فألقت ما فى بطنها فاذا عسرت على المرأة الولادة فليكتب لها هذا وكذا اذا عسرت على الفرس والبقر وغيرهما قال فى آكام المرجان يجوز ان يكتب للمصاب وغيره من المرضى شئ من كتاب الله وذكره بالمداد المباح ويغسل ويسقى كما نص على ذلك الامام احمد وغيره انتهى واحترز بكتاب الله وذكره عما لا يعرف معناه من لغات الملل المختلفة فانه يحتمل ان يكون فيه كفر واحترز بالمداد المباح عن الدم ونحوه من النجاساة فانه حرام بل كفر وكذا تقليب حروف القرءآن وتعكيسها نعوذ بالله ثم من لطائف القرءآن الجليل ختم السورة الشريفة بالعذاب القاطع لدابر الكافرين والحمد لله حمدا كثيرا الى يوم الدين والى ابد الآبدين
تمت سورة الاحقاف بعون ذى الالطاف فى عاشر شوال المنتظم فى سلك شهور سنة ثلاث عشرة بعد المائة ويليها سورة محمد صلى الله عليه وسلم.