التفاسير

< >
عرض

مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ
١٥
-محمد

روح البيان في تفسير القرآن

{ مثل الجنة التى وعد المتقون } عبر عن المؤمنين بالمتقين ايذانا بان الايمان والعمل الصالح من باب التقوى الذى هو عبارة عن فعل الواجبات باسرها وترك السيئات عن آخرها ومثلها وصفها العجيب الشان وهو مبتدأ محذوف الخبر اى مثل الجنة الموعودة للمؤمنين وصفتها العجيبة الشان ما تسمعون فيما يتلى عليكم وقوله { فيها } اى فى الجنة الموعودة الى آخره مفسر له { انهار } جمع نهر بالسكون ويحرك مجرى الماء الفائض { من ماء غير آسن } من اسن الماء بالفتح من باب ضرب او نصر أو بالكسر اذا تغير طعمه وريحه تغيرا منكرا وفى عين المعانى من اسن غشى عليه من رآئحة البئر وفى القاموس الآسن من الماء الاجن اى المتغير الطعم واللون والمعنى من ماء غير متغير الطعم والرآئحة واللون وان طالت اقامته بخلاف ماء الدنيا فانه يتغير بطول المكث فى مناقعه وفى اوانيه مع انه مختلف الطعوم مع اتحاد الارض ببساطتها وشدة اتصالها وقد يكون متغيرا بريح منتنة من أصل خلقته او من عارض عرض له من منبعه او مجراه كذا فى المناسبات.
يقول الفقير قد صح ان المياه كلها تجرى من تحت الصخرة فى المسجد الاقصى فهى ماء واحد فى الاصل عذب فرات سائغ للشاربين وانما يحصل التغير من المجارى فان طباعها ليست متساوية دل عليها قوله تعالى
{ { وفى الارض قطع متجاورات } وتجاور اجزآئها لا يستلزم اتحادها فى نفس الامر بل هى متجاورة مختلفة ومثلها العلوم فانها اذا مرت بطبع غير مستقيم تتغير عن اصلها فتكون فى حكم الجهل ومن هذا القبيل علوم جميع أهل الهوى والبدع والضلال { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } بأن كان قارصا وهو الذى يقرص اللسان ويقبضه او حازرا بتقديم الزاى وهو الحامض او غير ذلك كألبان الدنيا والمعنى لم يتغير طعمه بنفسه عن أصل خلقته ولو أنهم ارادوا تغييره بشهوة اشتهوها تغير { وانهار من خمر } وهو ما اسكر من عصير العنب او عام اى لكل مسكر كما فى القاموس { لذة للشاربين } اما تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب وطبيب او مصدر نعت به اى لذيذة ليس فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار كما فى خمر الدنيا وانما هى تلذذ محض (قال الحافظ) مادر بياله عكس رخ يار ديده ايم اى بى خبرز لذت شرب مدام ما (يقول الفقير) باده جنت مثال كوثرست اى هوشيار نيست اندر طبع كوثر آفت سكر وخمار { وانهار من عسل } هو لعاب النحل وقيئه كما قال ظهير الفارابى بدان غرض دهن خوش كنى زغايت حرص نشسته مترصدكه فى كندزنبور.
وعن على رضى الله عنه انه قال فى تحقير الدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة واشرف شرابه رجيع نحلة وظاهر هذا انه من غير الفم قال فى حياة الحيوان وبالجملة انه يخرج من بطون النحل ولا ندرى أمن فمها ام من غيره وقد سبق جملة النقل فى سورة النحل { مصفى } لا يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها خلقه الله مصفى لا انه كان مختلطا فصفى قال بعضهم فى الفرق بين الخالص والصافى ان الخالص ما زال عنه شوبه بعد ان كان فيه والصافى قد يقال لما لا شوب فيه فقد حصل بهذا غاية التشويق الى الجنة بالتمثيل بما يستلذ من اشربة الدنيا لانه غاية ما نعلم من ذلك مجردا عما ينقصها او ينغصها مع الوصف بالغزارة والاستمرار وبدأ بأنهار الماء لغرابتها فى بلاد العرب وشدة حاجتهم اليها ولما كان خلوها عن تغير أغرب نفاه بقوله غير آسن ولما كان اللبن اقل فكان جريه انهارا اغرب ثنى به ولما كان الخمر اعز ثلث به ولما كان العسل اشرفها واقلها ختم به قال كعب الاحبار نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان نهر عسلهم وهذه الانهار الاربعة تخرج من نهر الكوثر قال ابن عباس رضى الله عنهما ليس هنا مما فى الجنة سوى الاسامى قال كعب قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف انهار الجنة فقال
"على حافاتها كراسى وقباب مضروبة وماؤها اصفى من الدمع واحلى من الشهد وألين من الزبد وألذ من كل شئ فيه حلاوة عرض كل نهر مسيرة خمسمائة عام تدور تحت القصور والحجال لا يرطب ثيابهم ولا يوجع بطونهم واكبر أنهارها نهر الكوثر طينه المسك الاذفر وحافتاه الدر والياقوت" (قال الكاشفى) ارباب اشارات كفته اندكه جنانجه أنهار اربعه درزمين بهشت بزير شجره طوبى روانست جهار جوى نيزدر زيمن دل عارف درزير شجره طيبة اصلها ثابت وفرعها فى السماء جاريست ازمنبع قلب آب انابت وازينبوع صدر لبن صفوت وازخمخانه سر خمر محبت واذحجر روح عسل مودت (وفى المثنوى) آب صبرت جوى آب خلد شد جوى شير خلد مهر تست وود ذوق طاعت كشت جوى انكبين مستى وشوق توجوى خمربين آين سببها جون بفرمان توبود جارجوهم مرترا فرمان نمود ودر بحر الحقائق فرموده كه آب اشارت بحيات دل است ولبن بفطرت اصليه كه بحموضت هوى وتفاهت بدعت متغير نكشته وخمر جوشش محبت الها وعسل مصفى حلاوت قرب.
يقول الفقير يفهم من هذا وجه آخر لترتيب الانهار وهو أن تحصل حياة القلب بالعلم اولا ثم تظهر صفوة الفطرة الاصلية ثم يترقى السالك من محبة الاكوان الى محبة الرحمن ثم يصل الى مقام القرب والجوار الالهى وقيل التجلى العلمى لا يقع الا فى اربع صور الماء واللبن والخمر والعسل فمن شرب الماء يعطى العلم اللدنى ومن شرب اللبن يعطى العلم بأمور الشريعة ومن شرب الخمر يعطى العلم بالكمال ومن شرب العسل يعطى العلم بطريق الوحى والعلم اذا حصل بقدر استعداد القابل اعطاه الله استعداد العلم الآخر فيحصل له عطش آخر ومن هذا قيل طالب العلم كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا ومن هذا الباب ما نقل عن سيد العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره من انه قال

شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشراب ولا رويت

واليه الاشارة بقوله تعالى { { وقل رب زدنى علما } واما الرى فى العلم فأضافى لا حقيقى قال بعض العارفين من شرب بكأس الوفاء لم ينظر فى غيبته الى غيره ومن شرب بكأس الصفاء خلص من شوبه وكدورته ومن شرب بكأس الفناء عدم فيه القرار ومن شرب فى حال اللقاء انس على الدوام ببقائه فلم يطلب مع لقائه شيئا آخر لا من عطائه ولا من لقائه لاستهلاكه فى علائه عند سطوات جلاله وكبريائه ولما ذكر ما للشرب ذكر ما للاكل فقال { ولهم } اى للمتقين { فيها } اى فى الجنة الموعودة مع ما فيها من فنون الانهار { من كل الثمرات } اى صنف من كل الثمرات على وجه لا حاجة معه من قلة ولا انقطاع وقيل زوجان انتزاعا من قوله تعالى { { فيهما من كل فاكهة زوجان } وهى جمع ثمرة وهى اسم لكل ما يطعم من احمال الشجر ويقال لكل نفع يصدر عن شيئ ثمرة كقولك ثمرة العلم العمل الصالح وثمرة العمل الصالح الجنة { ومغفرة } عظيمة كائنة { من ربهم } اى المحسن اليهم بمحو ذنوبهم السالفة اعيانها وآثارها بحيث لا يخشون لهما عاقبة بعقاب ولا عتاب والا لتنغص العيش عليهم يعنى ببوشد ذنوب ايشانرا نه بران معاقبه كندونه معاتبه نمايد.
وفيه تأكيد لما افاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الاضافية قال فى فتح الرحمن قوله ومغفرة عطف على الصنف المحذوف اى ونعيم اعطته المغفرة وسببته والا فالمغفرة انما هى قبل الجنة وفى الكواشى عطف على اصناف المقدرة للايذان بانه تعالى راض عنهم مع ما اعطاهم فان السيد قد يعطى مولاه مع ما سخطه عليه قال بعض العارفين الثمرات عبارة عن المكاشفات والمغفرة عن غفران ذنب الوجود كما قيل.
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب بندار وجود ماكناهيست عظيم لطفى كن واين كنه زما در كذران { كمن هو خالد فى النار } خبر لمبتدأ محذوف تقديره امن هو خالد فى هذه الجنة حسبما جرى به الوعد الكريم كمن هو خالد فى النار التى لا يطفأ لهيبها ولا يفك اسيرها ولا يؤنس غريبها كما نطق به قوله تعالى
{ { والنار مثوى لهم } وبالفارسية آياهركه درجنين نعمتى باشد مانند كسى است كه اوجاودانست درآتش دوزخ { وسقوا } الجمع باعتبار معنى من اى سقوا بدل ما ذكر من اشربة أهل الجنة { ماء حميما } حارا غاية الحرارة { فقطع } بس باره باره ميكند آب از فرط حرارت { امعاءهم } رودهاى ايشانرا.
جمع معى بالكسر والقصر وهو من اعفاج البطن اى ما ينتقل الطعام اليه بعد المعدة قبل اذا دنا منهم شوى وجوههم وانمازت فروة رؤسهم اى انعزلت وانفرزت فاذا شربوه قطع امعاءهم فخرجت من ادبارهم فانظر بالاعتبار ايها الغافل عن القهار هل يستوى الشراب العذب البارد والماء الحميم المر وانما ابتلاهم الله بذلك لان قلوبهم كانت خالية عن العلوم والمعارف الالهية ممتلئة بالجهل والغفلة ولا شك ان اللذة الصورة الاخروية انما تنشأ من اللذة المعنوية الدنيوية كما اشار اليه مالك بن دينار قدس سره بقوله خرج الناس من الدنيا ولم يذوقوا اطيب الاشياء قيل وما هو قال معرفة الله تعالى فبقدر هذا الذوق فى الدنيا يحصل الذوق فى الآخرة فمن كمل له الذوق كمل له النعيم قال ابو يزيد البسطامى قدس سره حلاوة المعرفة الآلهية خير من جنتة الفردوس واعلى عليين.
واعلم ان الانسان لو حبس فى بيت حمام حار لا يتحمله بل يؤدى الى موته فكيف حاله اذا حبس فى دار جهنم التى حرارتها فوق كل حرارة لانها سجرت بغضب القهار وكيف حاله اذا سقى مثل ذلك الماء الحميم وقد كان فى الدنيا بحيث لا يدفع عطشه كل بارد فلا ينبغى الاغترار بنعيم الدنيا اذا كان عاقبته الجحيم والحميم وفى الخبر
"ان مؤمنا وكافرا فى الزمان الاول انطلقا يصيدان السمك فجعل الكافر يذكر آلهته ويأخذ السمك حتى اخذ سمكا كثيرا وجعل المؤمن يذكر الله كثيرا فلا يجيئ شئ ثم أصاب سمكة عند الغروب فاضطربت ووقعت فى الماء فرجع المؤمن وليس معه شئ ورجع الكافر وقد امتلئت شبكته فأسف ملك المؤمن الموكل عليه فلما صعد الى السماء اراه الله مسكن المؤمن فى الجنة فقال والله ما يضره ما اصابه بعد أن يصير الى هذا واراه مسكن الكافر فى جهنم فقال والله ما يغنى عنه ما اصابه من الدنيا بعد ان يصير الى هذا"
نعيم هر دو جهان بيشان عاشقان بدودو كه آن متاع قليلست واين بهاى كثير