التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
٤
-محمد

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاذا لقيتم الذين كفروا } اللقاء ديدن وكار زار كردن ورسيدن.
قال الراغب اللقاء يقال فى الادراك بالحس بالبصر وبالبصيرة اى فاذا كان الامر كما ذكر من ضلال اعمال الكفرة وخيبتهم وصلاح احوال المؤمنين وفلاحهم فاذا لقيتموهم فى المحاربة يا معشر المسلمين { فضرب الرقاب } اصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر وانيب منابه مضافا الى المفعول والالف واللام بدل من الاضافة اى فاضربوا رقابهم بالسيف والمراد فاقتلوهم وانما عبر عن القتل بضرب الرقاب تصويرا له بأشنع صورة وهو جز الرقبة واطارة العضو الذى هو رأس البدن وعلوه واوجه اعضائه وارشادا للغزاة الى أيسر ما يكون منه وفى الحديث
"انا لم ابعث لاعذب بعذاب الله وانما بعثت بضرب الرقاب وشد الوثاق" { حتى اذا اثخنتموهم } قال فى الكشاف الاثخان كثرة القتل والمبالغة فيه من قولهم اثخنته الجراحات اذا اثبتته حتى تثقل عليه الحركة واثخنه المرض اذا اثقله من الثخانة التى هى الغلظ والكثافة وفى المفردات يقال ثخن الشئ فهو ثخين اذا غلظ ولم يستمر فى ذهابه ومنه استعير قولهم اثخنته ضربا واستخفافا والمعنى حتى اذا اكثرتم قتلهم واغلظتموه على حذف المضاف او اثقلتموهم بالقتل والجراح حتى اذهبتم عنهم النهوض { فشدوا الوثاق } الوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به ويشد من القيد قال فى الوسيط الوثاق اسم من الايثاق اوثقه ايثاقا ووثاقا اذا شد أسره كيلا يفلت فالمعنى فأسروهم واحفظوهم وبالفارسية بس استوار كنيد بندرا يعنى بكيريد ايشانرا باسيرى وبند كنيد محكم تابكريزند.
وقال ابو الليث يعنى اذا قهرتموهم واسرتموهم فاستوثقوا ايديهم من خلفهم كيلا يفلتوا والاسر يكون بعد المبالغة فى القتل { فاما منا } اى تمنون منا وهو أن يترك الامير الاسير الكافر من غير ان يأخذ منه شيأ { بعد } اى بعد شد الوثاق { واما فدآء } اى تفدون فدآء هو ان يترك الامير الاسير الكافر ويأخذ مالا او اسيرا مسلما فى مقابلته يقال فداه يفديه فدى وفدآء وفداه وافتداه وفاداه اعطى شيأ فأنقذه والفدآء ذلك المعطى ويقصر كما فى القاموس وقال الراغب الفدى والفدآء حفظ الانسان عن النائبة بما يبذله عنه كما يقال فديته بمالى وفديته بنفسى وفاديته بكذا انتهى قال الشيخ الرضى المطلوب من شد الوثاق اما قتل او استرقاق او من أو فدآء فالامام يتخير فى الاسارى البالغين من الكفار بين هذه الخصال الاربع وهذا التخيير ثابت عند الشافعى ومنسوخ عندنا بقوله تعالى
{ { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } قالوا نزل ذلك يوم بدر ثم نسخ والحكم اما القتل او الاسترقاق قال فى الدرر وحرم منهم فداؤهم وردهم الى دارهم لان رد الاسير الى دار الحرب تقوية لهم على المسلمين فى الحرب فيكره كما يكره بيع السلاح لهم وفى المن خلاف الشافعى واما الفدآء فقبل الفراغ من الحرب جاز بالمال لا بالاسير المسلم وبعده لا يجوز بالمال عند علمائنا وبالنفس عند ابى حنيفة ويجوز عند محمد وعن ابى يوسف روايتان وعن مجاهد ليس اليوم من ولا فدآء انما الاسلام او ضرب العنق وعن الصديق رضى الله عنه لا افادى رجلا من المشركين احب الى من كذا وكذا وقد قتل عليه السلام يوم فتح مكة ابن الاخطل وهو متعلق بأستار الكعبة بعدما وقع فى منعة المسلمين فهو كالاسير { حتى تضع الحرب اوزارها } اوزار الحرب آلاتها واثقالها التى لا تقوم الا بها من السلاح والكراع يعنى الخيل اسند وضعها اليها وهو لاهلها اسنادا مجازيا وأصل الوزر بالكسر الثقل وما يحمله الانسان فسمى الاسلحة اوزارا لانها تحمل فيكون جعل مثل الكراع من الاوزار من التغليب وحتى غاية عند الشافعى لاحد الامور الاربعة او للمجموع والمعنى انهم لا يتركون على ذلك ابدا الى ان لا يكون مع المشرين حرب بان لا يبقى لهم شوكة واما عند ابى حنيفة فانه حمل الحرب على حرب بدر فهى غاية للمن والفدآء والمعنى يمن عليهم ويفادون حتى تضع الحرب اوزارها وتنقضى وان حملت على الجنس فهى غاية للضرب والشد والمعنى انهم يقتلون ويؤسرون حتى يضع جنس الحرب اوزارها بان لا يبقى للمشركين شوكة (وقال الكاشفى) تابنهد اهل حرب سلاح حرب رايعنى دين اسلام بهمه جار سد وحكم قتال نماند وآن نزديك نزول عيسى عليه السلام خواهد بود جه در خبر آمده كه آخر قتال امت من بادجال است.
فما دام الكفر فالحرب قائمة ابدا { ذلك } اى الامر ذلك او افعلوا ذلك { ولو يشاء الله } لو للمضى وان دخل على المستقبل { لانتصر منهم } لانتقم منهم بغير قتال بان يكون ببعض اسباب الهلكة والاستئصال من خسف او رجفة او حاصب او غرق او موت ذريع ونحو ذلك ويجوز أن يكون الانتقام بالملائكة بصيحتهم او بصرعهم او بقتالهم من حيث لا يراهم الكفار كما وقع فى بدر { ولكن } لم يشأ ذلك { ليبلو } تابيازمايد { بعضكم ببعض } فامركم بالقتال وبلاكم بالكافرين لتجاهدوهم فتستوجبوا الثواب العظيم بموجب الوعد والكافرين بكم ليعاجلهم على ايديكم ببعض عذابهم كى يرتدع بعضهم عن الكفر.
وفى الآية اشارة الى كافر النفس حيثما وجدتموه وهو يمد رأسه الى مشرب من مشارب الدنيا ونعيمها فاضربوا عنق ذلك الرأس وادفعوه عن ذلك المشرب حتى اذا غلبتموهم اى النفوس وسخرتموهم فشدوهم بوثاق اركان الشريعة وآداب الطريقة فانه بهذين الجناحين يطير صاحب الهمم العلية الى عالم الحقيقة فاما منا على النفوس بعد الوصول بترك المجاهدة واما فداء بكثرة العبادة عوضا عن ترك المجاهدة بعد الظفر بالنفوس واما قتل النفوس بسيف المخالفة فانه فى مذهب ارباب الطلب يجوز كل ذلك بحسب نظر كل مجتهد فان كل مجتهد منهم مصيب وذلك الى ان يجد الطالب المطلوب ويصل العاشق الى المعشوق بأن جرى على النفس بعد الظفر بها مسامحة فى اغفاء ساعة وافطار يوم ترويحا للنفس من الكد واجماعا للحواس قوة لها على الباطل فيما يستقبل من الامر فذلك على ما يحصل به استصواب من شيخ المريد او فتوى لسان القوم او فراسة صاحب الوقت ولو شاء الله لقهر النفوس بتجلى صفات الجلال بغير سعى المجاهد فى القتال ولكن الخ { والذين قتلوا فى سبيل الله } اى استشهدوا يوم بدر ويوم احد وسائر الحروب { فلن يضل اعمالهم } اى فلن يضيعها بل يثيب عليها