التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً
٢٤
-الفتح

روح البيان في تفسير القرآن

{ وهو الذى كف ايديهم } اى ايدى كفار مكة { عنكم } اى بان حملهم على الفرار منكم مع كثرة عددهم وكونهم فى بلادهم بصدد الذنب عن اهليهم واولادهم { وايديكم عنهم } بان حملكم على الرجوع عنهم وتركهم { ببطن مكة } اى فى داخلها { من بعد ان اظفركم } اى جعلكم ظافرين غالبين { عليهم } وبالفارسية بس ازانكه ظفر دار شمار او غالب ساخت. مع ان العادة المستمرة فيمن ظفر بعدوه ان لا يتركه بل يستأصله والظفر الفوز واصله من ظفر اى نشب ظفره وذلك ان عكرمة بن ابى جهل خرج فى خمسمائة الى الحديبية فبعث رسول الله عليه السلام خالد بن الوليد على جند وسماه يومئذ سيف الله فهزمهم حتى ادخلهم حيطان مكة ثم عاد ذكره الطبرانى وابن ابى حاتم فى تفسيريهما قال سعدى المفتى لم يصح هذا والمذكور فى كتب السير وغيرها من الصحاح ان خالد بن الوليد كان يوم الحديبية طليعة للمشركين ارسلوه فى مائتى فارس فدنا فى خيله حتى نظر الى اصحاب رسول الله فأمر رسول الله عباد بن بشر رضى الله عنه فتقدم فى خيله فقام بازآئه وصف اصحابه وحانت العصر فصلى رسول الله باصحابه صلاة الخوف فكيف يصح ما ذكره وقد صح ان اسلام خالد بن الوليد كان بعد الحديبية فى السنة الثامنة أو قبلها انتهى وكذا قال فى انسان العيون خالد بن الوليد اسلم بعد وقعة الحديبية وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الله تعالى اظهر المسلمين عليهم بالحجارة حتى ادخلوهم البيوت يعنى ان جماعة من اهل مكة خرجوا يوم الحديبية يرمون المسلمين فرماهم المسلمون بالحجارة حتى ادخلوهم بيوت مكة فلما كان الكف على الوجه المذكور فى غاية البعد قال تعالى { وهو الذى } الخ على طريق الحصر استشهادا به على ما تقدم من قوله { ولو قاتلكم } الخ او هم ثمانون رجلا طلعوا على رسول الله من قبل التنعيم عند صلاة الصبح ليأخذوه بغتة ويقتلوا الاصحاب فأخذهم رسول الله فخلى سبيلهم فيكون المراد ببطن مكة وادى الحديبية لان بعضها من الحرم وفى المفردات اصل البطن الجارحة ويقال للجهة السفلى بطن وللجهة العليا ظهر وبه بطن الامر وبطن وفخذ وكاهل انتهى.
يقول الفقير لا شك ان وادى الحديبية واقع فى الجهة السفلى من مكة لانه فى جانب جدة المحروسة فيكون المراد بالبطن تلك الجهة لا داخل مكة والمعنى والله تعالى اعلم ان الله هو الذى كف ايديهم عنكم وايديكم عنهم من الحديبية التى هى الجهة السفلى من مكة من بعد ان اقدركم عليهم بحيث لو قاتلتموهم غلبتهم عليهم بأذنه تعالى على ما كان فى علمه كما قال
{ ولو قاتلكم } الخ وسيأتى سر الكف فى الآية التى تلى هذه { وكان الله بما تعملون } من مقاتلتكم وهزمكم اياهم اولا طاعة لرسوله وكفكم عنهم ثانيا لتعظيم بيته الحرام وصيانة اهل الاسلام { بصيرا } عالما لا يخفى عليه شئ فيجازيكم بذلك وقال بعض العلماء من بعد ان اظفركم عليهم يوم الفتح وبه استشهد ابو حنيفةرحمه الله على ان مكة فتحت عنوة لا صلحا واما ان السورة نزلت قبله فلا يخالف لانه من الاخبار عن الغيب كقوله { انا فتحنا لك } نعم يرد عليه منع دلالته على العنوة فقد يكون الظفر على البلد بالصلح وكذلك قال الزمخشرى فى اول السورة الفتح الظفر بالبلد عنوة او صلحا بحرب او بغير حرب كما فى حواشى سعدى المفتى وقال فى بحر العلوم ويدل على انها فتحت عنوة قوله تعالى { انا فتحنا لك فتحاً مبينا } لان لفظ الفتح اذا ورد مطلقا لا يقع الا على ما فتح عنوة انتهى.
يقول الفقير هذا ليس من قبيل الفتح المطلق ولو سلم فالفتح المطلق لا يدل عليه ولذا قارنه تعالى بالنصرة فى سورة النصر فان النصر يقتضى القهارية لا الفتح وقال فى عين المعانى وقد فتحت صلحا عند الشافعى قلنا بل عنوة لقوله عليه السلام لاصحابه
"احصدوهم بالسيف حصدا" الا انه لم يضع الجزية على اهلها ولا الخراج على اراضيها كما هو مذهبنا فيما يفتح عنوة لان مشركى العرب لا يقبل منهم الا الاسلام او السيف عندنا واما سواد الكوفة ارض العجم انتهى.
وقصة فتح مكة على الاجمال ان الفتح كان فى شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وكان السبب فى ذلك نقض عهد وقع من جانب قريش وذلك ان شخصا من بنى بكر هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار يتغنى به فسمعه غلام من خزاعة وكانوا مسلمين فضربه فشبحه فثار الشر بين الحيين وامد قريش لبنى بكر على خزاعة فبيتوا خزاعة اى اتوهم ليلا على غفلة فقتلوا منهم عشرين ولم يكن ذلك برأى ابى سفيان رئيس قريش وعند ما بلغه الخبر قال حدثتنى زوجتى هند انها رأت رؤيا كرهتها رأت دما اقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة بالخاء العجمة جبل بمكة والحجون بالحاء المهملة جبل بمعلاة مكة وقال والله ليغزونا محمد فكره القوم ذلك وخرج عمرو بن سالم الخزاعى حتى قدم المدينة وقص على رسول الله القصة فقال عليه السلام
"نصرت يا عمرو بن سالم" ودمعت عينا رسول الله وكان يقول "خزاعة منى وانا منهم" قالت عائشة رضى الله عنها اترى قريشا تجترئ على نقض العهد الذى بينك وبينهم فقال عليه السلام "ينقضون العهد الامر يريده الله" فقلت خير قال "خير" ولما ندمت قريش على نقض العهد ارسلوا ابا سفيان ليشد العقد ويزيد فى المدة فقال عليه السلام "نحن على مدتنا وصلحنا" ولم يقبل ذلك من ابى سفيان ولا احد من اصحابه فرجع الى مكة واخبر القصة وقال والله قد ابى على وقد تتبعت اصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم اطوع منهم له ثم ان رسول الله تشاور مع ابى بكر وعمر رضى الله عنهما فى السير الى مكة واخفى الامر عن غيرهما فقال ابو بكر هم قومك يا رسول الله فأشار الى عدم السير وحضه عمر حيث قال هم رأس الكفرة زعموا انك ساحر وانك كذاب وذكر له كل سوء كانوا يقولونه وايم الله لا تذل العرب حتى تذل اهل مكة فعند ذلك ذكر عليه السلام ان أبا بكر كابراهيم وكان فى الله ألين من اللبن وان عمر كنوح وكان فى الله اشد من الحجر وان الامر أمر عمر واشار عليه السلام بطى السر وامر أصحابه بالجهاز وارسل الى اهل البادية ومن حوله من المسلمين فى كل ناحية يقول لهم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة" ولما قدموا قال عليه السلام "اللهم خذ العيون والاخبار من قريش حتى نبغتها فى بلادها" ثم مضى لسفره لعشر خلون من رمضان او غير ذلك وكان العسكر عشرة آلاف فيهم المهاجرون والانصار جميعا وافطر عليه السلام فى هذا السفر بالكديد وهو كأمير محل بين عسفان وقديد كزبير مصغرا وامر بالافطار وعد مخالفته فى ذلك عصيانا لحرارة الهوآء ولما فيه من القوة على مقاتلة العدو وفى قديد عقد عليه السلام الألوية والرايات ودفعها للقبائل ثم سار حتى مر بمر الظهران وهو موضع على مرحلة من مكة وقد أعمى الله الاخبار عن قريش اجابة لدعائه فلم يعلموا بوصوله وكان ذلك منه عليه السلام شفقة على قريش حتى لا يضنوا بالمقاتلة وامر عليه السلام اصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكان العباس عم النبى عليه السلام قد خرج قبل ذلك بعياله مسلما اى مظهرا للاسلام مهاجرا فلقى رسول الله بالجحفة وهو بتقديم الجيم ميقات اهل الشأم فرجع معه الى مكة وارسل اهله وثقله الى المدينة وقال له عليه السلام "هجرتك يا عم آخر هجرة كما ان نبوتى آخر نبوة" وبعث قريش ابا سفيان يتجسس الاخبار وقالوا ان لقيت محمدا فخذلنا منه امانا فلما وصل الى مر الظهران ليلا قال ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا هذا كنيران عرفة وكان بينه وبين العباس مصادقة فلما لقيه اخذ بيده وذهب به الى رسول الله ليأخذ منه اماناله فلما اتاه قال عليه السلام "اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا اصبحت فائتنى به" فلما اتى به عرض النبى عليه السلام عليه الاسلام فتوقف فقال العباس له ويحك اسلم واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله قبل ان يضرب عنقك فهداه الله فشهد شهادة الحق فأسلم ثم قال يا رسول الله ارأيت ان اعتزلت قريش فكفت ايديها آمنون هم قال عليه السلام "نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن" فقال العباس يا رسول الله ان ابا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيأ قال "نعم من دخل دار ابى سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن اغلق بابه فهو آمن ومن القى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام" وهو من اشراف قريش فى الجاهلية والاسلام "فهو آمن" وعقد عليه السلام لابى رويحة الذى آخى بينه وبين بلال رضى الله عنه لوآء وامره ان ينادى من دخل تحت لوآء ابى رويحة فهو آمن وذلك توسعة للامان لضيق المسجد ودار ابى سفيان واستثنى عليه السلام جماعة من النساء والرجال امر بقتلهم وان وجدوا متعلقين بأستار الكعبة منهم ابن خطل ونحوه لان الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب وكانوا طغاة مردة مؤذين لرسول الله عليه السلام اشد الاذى فعفا عمن آمن وقتل من اصر وقال عليه السلام للعباس "احبس ابا سفيان فى مضيق الوادى حتى تمر به جنود الله فيراها" فأول من مر خالد بن الوليد فى بنى سليم مصغرا ثم قبيلة بعد قبيلة براياتهم حتى مر رسول الله ومعه المهاجرون والانصار وعمر رضى الله عنه يقول رويدا حتى يلحق اولكم آخركم قال ابو سفيان سبحان الله يا عباس من هؤلاء فقال هذا رسول الله فى الانصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية ثم نزعت منه واعطيت لابنه قيس وكان من دهاة العرب واهل الرأى والمكيدة فى الحرب مع النجدة والنبالة وكان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلاثمائة فرس وكانت الانصار اربعة آلاف ومعهم خمسمائة فرس فقال ابو سفيان ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة وقال يا عباس لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما فقال العباس انها النبوة وامر عليه السلام خالد بن الوليد ان يدخل مع جملة من قبائل العرب من اسفل مكة وقال "لا تقاتلوا الا من قاتلكم" وجمع قريش ناسا بالحندمة ليقاتلوا ولما لقيهم خالد منعوه الدخول ورموه بالنبل فصاح خالد فى اصحابه فقتل من قتل وانهزم من لم يقتل حتى وصل خالد الى باب المسجد وقال عليه السلام فى ذلك اليوم "احصدوهم حصدا حتى توافونى بالصفا" ودخل عليه السلام مكة وهو راكب على ناقته القصوآء مردفا اسامة بن زيد بكرة يوم الجمعة وعن بعضهم يوم الاثنين معتما بعمامة سودآء وقيل غير ذلك والاول انسب بمقام المعرفة والفناء واضعا رأسه الشريف على رحله تواضعا لله تعالى حين رأى ما رأى من فتح الله مكة وكثرة المسلمين ثم قال "اللهم ان العيش عيش الآخرة" وعن عائشة رضى الله عنها دخل رسول الله يوم الفتح من كدآء وهو كسماء جبل بأعلى مكة واغتسل لدخول مكة وساروهو يقرأ سورة الفتح حتى جاء البيت وطاف به سبعا على راحلته ومحمد بن مسلمة آخذ بزمامها واستلم الحجر بمحجن فى يده وهو العصا المعوجة ولم يطف ماشيا لتعليم الناس كيفية الطواف وصلى عليه السلام بالمقام ركعتين وهو يومئذ لاصق بالكعبة فى جانب الباب ثم اخره الى المحل المعروف الآن بمقام ابراهيم والظاهر ان مقام ابراهيم وهو الحجر الذى انغمس فيه قدم ابراهيم عليه السلام عندما بنى البيت قد محى اثره بكثرة مسح الايدى ثم فقد ومقام ابراهيم الآن محل ذلك الحجر واما الحجر الموضوع هناك فموضوع وكان فى داخل الكعبة وخارجها وفوقها يومئذ ثلاثمائة وستون صنما لكل حى من احياء العرب صنم وكان هبل اعظم الاصنام وكان من عقيق الى جنب البيت من جهة بابه وهو الآن مطروح تحت باب السلام القديم يطأه الناس الى يوم القيامة لقول ابى سفيان يوم احد مفتخرا بذلك اعل هبل اعل هبل وذلك لان من اعزه الناس اذله الله فجاء عليه السلام ومعه قضيب فجعل يهوى به الى كل صنم منهم فيخر لوجهه وكان يقول "جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا" وامر عليا رضى الله عنه فصعد الكعبة وكسر ما فوقها ودخل عليه السلام الكعبة بعد ان ارسل بلالا الى عثمان بن ابى طلحة يأتى بمفتاح الكعبة فدخلها عليه السلام وصلى ركعتين ودعا فى نواحيها كلها وكان فى الكعبة صور كثيرة حتى صورة ابراهيم واسمعيل ومريم وصور الملائكة فأمر عليه السلام عمر رضى الله عنه فمحاها كلها وكانت الكعبة بيت الاصنام الف سنة ثم صارت مسجد اهل الاسلام الف سنة اخرى وكانت تشكو الى الله تعالى مما فعله الناس من الشرك حتى انجز الله وعده لها وفيه اشارة الى كعبة القلب فانها كانت بيت الاصنام قبل الفتح والامداد الملكوتى واعظم الاصنام الوجود (قال الشيخ المغربى)

بودوجود مغربى لات ومنات اوبود نسبت بتى جوبود اودرهمه سومنات تو

(وقال الحجندى)

بشكن بت غروركه دردرن عاشقان يك بت كه كنندبه ازصد عبادتست

(وقال)

مدعى نيست محرم دريار خادم كعبه بولهب نبود

وجلس رسول الله يوم الفتح على الصفا يبايع الناس فجاء الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم على الاسلام اى على شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً عبده ورسوله وعلى سائر الاحكام ودخل الناس فى دين الله افواجا وعفا عليه السلام عمن كان مؤذياله منذ عشرين سنة ودعا له بالمغفرة وقال عليه السلام "يا ايها الناس ان الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض ويوم خلق الشمس والقمر ووضع هذين الجبلين فهى حرام الى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرة لم تحل لاحد قبلى ولن تحل لاحد يكون بعدى ولا تحل لى الا هذه الساعة" اى من صبيحة يوم الفتح الى العصر غضبا على اهلها "ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب" واقام بمكة بعد فتحها تسعة عشر او ثمانية عشر يوما يقصر الصلاة فى مدة اقامته" ثم خرج الا هوازن وثقيف كما مر وولى امر مكة عتاب بن اسيد رضى الله عنه وعمره احدى وعشرون سنة وامره ان يصلى بالناس وهو اول امير صلى بمكة بعد الفتح جماعة وترك معاذ بن جبل رضى الله عنه معه معلما للناس السنن والفقه وبه ثبت الاستخلاف وعليه العمل الى يومنا هذا فان النبى انما يبعث لرفع الجهل وقس عليه اولى جعلنا الله واياكم من الورائين