التفاسير

< >
عرض

إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً
٢٦
-الفتح

روح البيان في تفسير القرآن

{ اذ جعل الذين كفروا } منصوب باذكر على المفعولية اى اذكر وقت جعل الكافرين يعنى اهل مكة { فى قلوبهم الحمية } اى الانفة والتكبر فعيلة من حمى من كذا حمية اذا انف منه وفى المفردات عبر عن القوة الغضبية اذا ثارت وكثرت بالحمية يقال حميت على فلان اى غضبت عليه انتهى وذلك لان فى الغضب ثوران دم القلب وحرارته وغليانه والجار والمجرور اما متعلق بالجعل على انه بمعنى الالقاء او بمحذوف وهو مفعول ثان على انه بمعنى التصيير اى جعلوها ثابتة راسخة فى قلوبهم { حمية الجاهلية } بدل من الحمية اى حمية الملة الجاهلية وهى ما كانت قبل البعثة او الحمية الناشئة من الجاهلية التى تمنع اذعان الحق قال الزهرى حميتهم انفتهم من الاقرار للنبى بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم او منعهم من دخول مكة وقال مقاتل قال اهل مكة قد قتلو ابناءنا واخواننا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب انهم دخلوا علينا على رغم انفنا واللات والعزى لا يدخلون علينا فهذه حمية الجاهلية التى دخلت فى قلوبهم { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } عطف على جعل والمراد تذكير حسن صنيع الرسول والمؤمنين بتوفيق الله تعالى وسوء صنيع الكفرة اى فأنزل الله عليهم الثبات والوقار فلم يلحق بهم ما لحق الكفار فصالحوهم ورضوا أن يكتب الكتاب على ما ارادوا يروى انه لما ابى سهيل ومن معه أن يكتب فى عنوان كتاب الصلح البسملة وهذا ما صالح عليه رسول اهل مكة بل قالوا اكتب باسمك اللهم وهذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله اهل مكة قال عليه السلام لعلى رضى الله عنه اكتب ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وحلموا مع ان اصل الصلح لم يكن عندهم بمحل من القبول فى اول الامر على ما سبق فى اول السورة مفصلا { وألزمهم كلمة التقوى } اى كلمة الشهادة حتى قالوها وهذا الزام الكرم واللطف لا الزام الاكراه والعنف واضيفت الى التقوى لانها سببها اذ بها يتوقى من الشرك ومن النار فان اصل التقوى الاتقاء عنها وقد وصف الله هذه الأمة بالمتقين فى مواضع من القرآن العظيم باعتبار هذه الكلمة وبسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله من شعار هذه الامة وخواصها اختارها لهم وصار المشركون محرومين منها حيث لم يرضوا بان يكتب فى كتاب الصلح ذلك وعن الحسن كلمة التقوى هى الوفاء بالعهد فان المؤمنين وفواحيث نقضوا العهد وعاونوا من حارب حليف المؤمنين والمعنى على هذا وألزمهم كلمة اهل التقوى وهى العهد الواقع فى ضمن الصلح ومعنى الزامها اياهم تثبيتهم عليها وعلى الوفاء بها قال اهل العربية الكلمة قد تستعمل فى اللفظة الواحدة ويراد بها الكلام الكثير الذى ارتبط بعضه ببعض فصار ككلمة واحدة كتسميتهم القصيدة بأسرها كلمة ومنه يقال كلمة الشهادة قال الرضى وقد تطلق الكلمة مجازا على القصيدة والجملة يقال كلمة شاعر وقال تعالى { وتمت كلمة ربك } والكلمة عند اهل العربية مشتقة من الكلم بمعنى الجرح وذلك لتأثيرها فى النفوس وعند المحققين عبارة عن الارواح والذوات المجردة عن المواد والزمان والمكان لكون وجودها بكلمة كن فى عالم الامر اطلاقا لاسم السبب عن المسبب والدليل على ذلك قوله تعالى { انما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم } والمراد بكلمة التقوى ههنا حقيقة التقوى وماهيتها فان الحقيقة من حيث هى مجردة عن اللوا حق المادية و التشخصات فالله تعالى الزم المؤمنين حقيقة التقوى لينالوا بها قوة اليقين والتجرد التام وصفاء الفطرة الاصلية { وكانوا أحق بها } متصفين بمزيد استحقاق لها فى سابق حكمه وقدم علمه على ان صيغة التفضيل للزيادة مطلقا وقيل احق بها من الكفار { واهلها } عطف تفسير اى المستأهل لها عند الله والمختص بها من اهل الرجل وهو الذى يختص به وينسب اليه قيل ان الذين كانوا قبلنا لا يمكن لاحد منهم ان يقول لا اله الا الله فى اليوم والليلة الا مرة واحدة لا يستطيع ان يقولها اكثر من ذلك وكان قائلها يمد بها صوته حتى ينقطع النفس التماس بركتها وفضلها وجعل الله لهذه الامة أن يقولوها متى شاؤا وهو قوله { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها } من الامم السالفة وقال مجاهد ثلاث لا يحجبن عن الرب لا اله الا الله من قلب مؤمن ودعوة الوالدين ودعوة المظلوم كما فى كشف الاسرار (وفى المثنوى)

بحرو حدانست جفت وزوج نيسبت كوهر وما هيس غير موج يست
اى محال واى محلل اشراك او دورازان دريا وموج باك او

{ وكان الله بكل شئ عليما } بليغ العلم بكل شئ من شأنه أن يتعلق به العلم فيعلم حق كل شئ فيسوقه الى مستحقه ومن معلوماته انهم احق بها اى من جميع الامم لان النبى عليه السلام كان خلاصة الموجودات واصلها وهو الحبيب الذى خلقت الموجودات بتبعيته والكلمة هى صورة الجذبة التى توصل الحبيب بالحبيب والمحب بالمحبوب فهى بالنبوة احق لانه هو الحبيب لتوصله الى حبيبه وامته احق بها من الامم لانهم المحبون لتوصل المحب بالمحبوب وهم اهلها لان اهل هذه الكلمة من يفنى بذاته وصفاته ويبقى باثباتها معها بلا انانيته وما بلغ هذا المبلغ بالكمال الا النبى صلى الله عليه وسلم فيقول "اما انا فلا اقول انا وامته لقوله تعالى { كنتم خير امة اخرجت للناس } { وكان الله بكل شئ عليما }" فى الازل فبنى وجود كل انسان على ما هو اهله فمنهم اهل الدنيا ومنهم اهل الآخرة ومنهم اهل الله وخاصته كذا فى التأويلات النجمية قال ابو عثمان كلمة التقوى كلمة المتقين وهى شهادة ان لا اله الا الله الزمها الله السعدآء من اولياء المؤمنين وكانوا احق بها واهلها فى علم الله اذ خلقهم لها وخلق الجنة لاهلها وقال الواسطى كلمة التقوى صيانة النفس عن المطامع ظاهرا وباطنا وقال الجنيد من ادركته عناية السبق فى الازل جرى عليه عيون المواصلة وهو احق بها لما سبق اليه من كرامة الازل وقال بعض العارفين اعلم ان الله تعالى اسند الفعل فى جانب الكفار اليهم فقال { اذ جعل الذين كفروا } وفى جانب المؤمنين اسنده الى نفسه فقال { فأنزل الله سكينته } اشارة الى ان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولا لهم فليس لهم من يدبر امرهم واما المؤمنون فالله تعالى وليهم ومدبر امرهم وايضا فالحمية الجاهلية ليست الا من النفس لان النفس مقر الاخلاق الذميمة واما السكينة والوقار والثبات والطمأنينة فمن الله ثم ان الله تعالى قال فأنزل الله بالفاء لا بالواو اشارة الى ان انزل السكينة بمقابلة جعل الحمية كما تقول اكرمنى فأكرمته اشارة الى ان اكرامك بمقابلة اكرامه ومجازاته وفى ذلك تنبيه على ان قوما اذا طغوا وظلموا فالله تعالى يحسن الى المظلومين وينصرهم فيعطيهم السكينة والوقار وكمال اليقين وذلك عين النعيم فى مقابلة انزعاج الظالمين وحقدهم واضطرابهم وذلك هو العذاب الاليم فهم اختاروا ذلك العذاب لأنفسهم فالله تعالى اختار للمؤمنين النعيم الدآئم والمراد بكلمة التقوى كل كلمة تقى النفس عما يضرها من الاذكار كالتوحيد والاسماء الالهية ولذلك ورد فى الحديث "من احصاها دخل الجنة وافضلها لا اله الا الله" كما قال عليه السلام "افضل ما قلته انا والنبيون من قبلى شهادة ان لا اله الا الله" ثم ان قوله تعالى { وكانوا احق بها واهلها } اشارة الى ان الاسماء الالهية ينبغى ان لا تعلم ولا تلقن الا اهلها ممن استعد لها واستحقها بالامانة والديانة والصلاح روى ان الحجاج احضر انسا رضى الله عنه فقال انت الذى تسبنى قال نعم لانك ظالم وقد خالفت سنة رسول الله عليه السلام فقال كيف لو قتلتك اسوء قتلة قال لو علمت ان ذلك بيدك لعبدتك ولكنك لا تقدر فان رسول الله علمنى دعاء من قرأه كان فى حفظ الله وقد قرأته فقال الحجاج الا تعلمنى اياه فقال لا اعلمك ولا اعلمه احدا فى حياتك حتى لا يصل اليك ثم خرج فقالوا لم لم تقتله فقال رأيت وراءه اسدين عظيمين فخفت منهما وروى ان عالما طلب من بعض المشايخ ان يعلمه الاسم الاعظم فأعطاه شيأ مغطى وقال اوصله الى مريدى فلان فأخذه ثم انه فتحه فى الطريق لينظر ما فيه فخرج منه فأرة فرجع بكمال الغيظ فلما رآه الشيخ تبسم وقال يا خائن الآن لم تكن امينا لفأرة فكيف تكون امينا للاسم الاعظم فالكبار يحفظون الاسماء والادعية من غير اهلها لئلا يجعلوها ذريعة الى الاغراض الفاسدة النفسانية (قال سعدى)

كسى رابا خواجهُ تست جنك بدستش جرامى دهى جوب وسنك
سنك آخر كه باشد كه خواش نهند بفرماى تا استخوانش نهند

(وفى المثنوى)

جند دزدى حرف مردان خدا تافروشى وستانى مرحبا
جون رخت رانيست در خوبى اميد خواه كلكونه نه وخواهى مديد