التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
٤
-الفتح

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو الذي أنزل السكينة } بيان لما افاض عليهم من مبادى الفتح من الثبات والطمأنينة يعنى انزلها { فى قلوب المؤمنين } بسبب الصلح والامن بعد الخوف لانهم كانوا قليلى العدة بسبب انهم معتمرون وكان العدو مستعدين لقتالهم مع ما لهم من القوة والشوكة وشدة البأس فثبتوا وبايعوا على الموت بفضل الله تعالى (وقال الكاشفى ونحوه) جون در صلح حديبية صحابة خالى ازدغدغه وترددى نبودند خق سبحانه وتعالى فرمود هو الذى الخ. فالمراد ثبتوا واطمأنوا بعد ان ماجوا وزلزلوا حتى عمر الفاروق رضى الله عنه على ما عرف فى القصة وذلك القلق والاضطراب انما هو لما دهمهم من صد الكفار ورجوعهم دون بلوغ مقصودهم وكانوا يتوقعون دخول مكة فى ذلك العام آمنين للرؤيا التى رآها عليه السلام على ما سبق { ليزدادوا } تازيادت كند { ايمانا } مفعول يزدادوا كما فى قوله تعالى { وازدادوا تسعا } { مع ايمانهم } اى يقينا منضما الى يقينهم الذى هم عليه برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها ومن ثمة قال عليه السلام "لو وزن ايمان ابى بكر مع الثقلين لرجح" وكلمة مع فى ايمانهم ليست على حقيقتها لان الواقع فى الحقيقة ليس انضمام يقين الى يقين لامتناع اجتماع المثلين بل حصول نوع يقين اقوى من الاول فان له مراتب لا تحصى من اجلى البديهيات الى اخفى النظريات ثم لا ينفى الاول ما قلنا وذلك كما فى مراتب البياض ما حقق فى مقامه فيها استعارة او المعنى أنزل فيها السكون الى ما جاء به النبى عليه السلام من الشرآئع ليزدادوا ايمانا بها مقرونا مع ايمانهم بالوحدانية واليوم الآخر فكان القرآن حينئذ على حقيقتها والقرآن فى الحقيقة لتعلق الايمان بزيادة متعلقة فلا يلزم اجتماع المثلين وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان اول ما اتاهم به النبى عليه السلام التوحيد ثم الصلاة والزكاة ثم الحج والجهاد حتى اكمل لهم دينهم كما قال { اليوم اكملت لكم دينكم } فازدادوا ايمانا مع ايمانهم فكان الايمان يزيد فى ذلك الزمان بزيادة الشرائع والاحكام واما الآن فلا يزيد ولا ينقص بل يزيد نوره ويقوى بكثرة الاعمال وقوة الاحوال فهو كالجوهر الفرد فكما لا يتصور الزيادة و النقصان فى الجوهر الفرد من حيث هو فكذا فى الايمان واما قوله تعالى { ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله } فالكفر بالطاغوت هو عين الايمان بالله فى الحقيقة فلا يلزم ان يكون الايمان جزءا قال بعض الكبار الايمان الحقيقى هو ايمان الفطرة التى فطر الله الناس عليها لا تبديل لها ويتحقق بالخاتمة وما بينهما يزيد الايمان فيه وينقص والحكم للخاتمة لانها عين السابقة فيحمل قول من قال ان الايمان لا يزيد ولا ينقص على ايمان الفطرة الذى حقيقته ما مات عليه ويحمل قول من قال ان الايمان يزيد وينقص على الحالة التى بين السابقة والخاتمة من حين يتعقل التكاليف فتأمل ذلك فانه نفيس انتهى وقال حضرة الهدائى قدس سره فى مجالسة المنيفة ليزداد ايمانا وجدانيا ذوقيا عينيا مع ايمانهم العلمى الغيبى فان السكينة نور فى القلب يسكن به الى ما شاهده ويطمئن وهو من مبادى عين اليقين بعد علم اليقين كأنه وجدان يقينى معه لذة وسرور وفى المفردات قيل ان السكينة ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه كما ورد ان السكينة لتنطق على لسان عمر وقال بعض الكبار السكينة تطلق على ثلاثة اشياء بالاشتراك اللفظى او لها ما اعطى بنوا اسرائيل فى التابوت كما قال تعالى { ان آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم } قال المفسرون هى ريح ساكنة طبيعة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا اذا التقى الصفان وهى معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم والثانى شئ من لطائف صنع الحق يلقى على لسان المحدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الانبياء مع ترويح الاسرار وكشف السر والثالث هى التى أنزلت على قلب النبى عليه السلام وقلوب المؤمنين وهى شئ يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين كما قال تعالى { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } انتهى وقال بعض الكبار ان الانبياء والاولياء مشتركون فى تنزل الملائكة عليهم ومختلفون فيما نزلت به فأن ملك الالهام لا ينزل على الاولياء بشرع مستقل ابدا وانما ينزل عليهم بالاتباع وبافهام ما جاء به نبيهم مما لم يتحقق الاولياء بالعلم به فكل فيض ونور وسكينة انما ينزل من الله تعالى بواسطة الملك او بلا واسطته وان كان فرق عظيم بين حال النبى والولى فأنه كما ان النبى افضل واولى فكذا وارده اقوى واولى نسال الله فضله وسكينته. هرآنكه يافت زفضل خدا سكينت دل. نماند درحرم سينه اش تردد وغل { ولله جنود السموات والأرض } الجنود جمع جند بالضم وهو جمع معد للحرب اى مختص به تعالى جنود العالم يدبر امرها كيفما يشاء يسلط بعضها على بعض تارة ويوقع فيما بينها السلم اخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح (وقال الكاشفى) ومرخدا يراست لشكرهاى آسمانها از ملائكة وجنود زمين ازمؤمنان مجاهد بس اى اهل ايمان جهاد كنيد رينصرت الهى واثق باشيدكه هركه لشكر آسمان وزمين درحكم وى بود بلكه ذرات كون سباه وى بوده باشند اولياى خودرا در وقت غزابا عداى خود فرونكذارد. نصرت از وطلب كه بميدان قدرتش. هرذره بهلوانى وهربشه صفدريست. قال بعضهم كل ما فى السموات والارض بمنزلة الجند له لو شاء لا تنصر به كما ينتصر بالجند وتأويل الآية لم يكن صد المشركين رسول الله عن قلة جنود الله ولا عن وهن نصره لكن عن علم الله واختياره انتهى وفى فتح الرحمن { ولله جنود السموات والارض } فلو أراد نصر دينه بغيركم لفعل وقال بعضهم همم سموات ارواح العارفين وقصور ارض قلوب المحبين وانفاسهم جنوده ينتقم بنفس منهم من جميع اعدآئه فيقهرهم دعا نوح عليه السلام على قومه فقال { لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } فهلك به اهل الارض جميعا الا من آمن ودعا موسى عليه السلام على القبط فقال { ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم } فصارت حجارة ولم يؤمنوا حتى رأوا العذاب الاليم وقال سيد البريات عليه افضل التحيات حين رمى الحصى على وجوه الاعدآء شاهت الوجوه فانهزموا باذن الله تعالى وكذا حال كل ولى وارث قاهر من اهل الانفاس بل كل ذرة من العرش الى النرى جند من جنوده تعالى حتى لو سلط نملة على حية عظيمة لهلكت وقد قيل الدبة اذا ولدت ولدها رفعته فى الهوآء يومين خوفا من النمل لأنه تضعه لحمة كبيرة غير متميزة الجوارح ثم تميز اولا فأولا واذا جمع بين العقرب والفارة فى اناء زجاج قرضت الفأرة ابرة العقرب فتسلم منها ويكفى قصة البعوض مع نمرود (وفى المثنوى) جملة ذرات زمين وآسمان. لشكر حفندكاء امتحان. بادرا ديديكه باعادان جه كرد. آب را ديديكه باطوفان جه كرد. آنجه برفرعون زدآن بحركين. وآنجه باقارون نموداست اين زمين. آنجه با آن بيلبانان بيل كرد. وآنجه بشه كلهُ نمرود خورد. وآنكه سنك انداخت داودى بدست. كشت ششصد بار. ولشكر شكست. سنك مى باريد بااعداى لوط. تاكه درآب سيه خوردند غوط. دست بركافر كواهى مىدهد. لشكر حق مىشود سر مى نهد. كربكويد جثم راكور افشاره دردجثم از توبر آرد صددمار. كربدندان كويد اوبنما وبال. بس به بينى توزندان كوشمال. فلا بد من التوكل على الله فانه عون كل ضعيف وحسب كل عاجز قال بعضهم ما سلط الله عليك فهو من جنوده ان سلط عليك نفسك اهلك بنفسك وان سلط عليك جوارحك اهلك جوارحك بجوارحك وان سلط نفسك على قلبك قادتك فى متابعة الهوى وطاعة الشيطان وان سلط قلبك على نفسك وجوارحك زمها بالادب فألزمها العبادة وزينها بالاخلاص فى العبودية { وكان الله } ازلا وابدا { عليما } مبالغا فى العلم بجميع الامور { حكيما } فى تقديره وتدبيره فكان بمعنى كان ويكون اى دالة على الاستمرار والوجود بهذه الصفة لا معينة وقتا ماضيا وقال بعض الكبار ولله جنود السموات من الانوار القدسية والامدادات الروحانية وجنود الارض من الصفات النفسانية والقوى الطبيعية فيغلب بعضها على بعض فاذا غلب الاولى على الاخرى حصلت السكينة وكمال اليقين واذا عكس وقع الشك والريب وكان الله عليما بسرآئرهم ومقتضيات استعداداتهم وصفاء فطرة الفريق الاول وكدورة نفوس الفريق الثانى حكيما فيما فعله وفى التأويلات النجمية { ولله جنود السموات والارض } اى كلها دالة على وحدانيته تعالى وهى جنود الله بالنصرة لعبادة فى الظفر بمعرفته وكان الله عليما بمن هو اهل النصرة للمعرفة حكيما فيما حكم فى الازل لهم.